حميدتي: لا نمانع إقامة قاعدة روسية لا تهدد أمننا القومي

وصف الاحتجاجات ضد الحكم العسكري بـ«العبث» ودعا إلى التفاوض لحل الأزمة

محمد حمدان دقلو خلال لقائه في مطار القاهرة أمس مدير المخابرات العامة المصرية عباس كامل (سونا)
محمد حمدان دقلو خلال لقائه في مطار القاهرة أمس مدير المخابرات العامة المصرية عباس كامل (سونا)
TT

حميدتي: لا نمانع إقامة قاعدة روسية لا تهدد أمننا القومي

محمد حمدان دقلو خلال لقائه في مطار القاهرة أمس مدير المخابرات العامة المصرية عباس كامل (سونا)
محمد حمدان دقلو خلال لقائه في مطار القاهرة أمس مدير المخابرات العامة المصرية عباس كامل (سونا)

قال نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إنه لا توجد مشكلة في إقامة قواعد عسكرية روسية أو غيرها من الدول، على البحر الأحمر، إذا كانت تحقق مصلحة السودان، ولا تهدد أمنه القومي. وأثناء ذلك وصف الاحتجاجات ضد الحكم العسكري القائم الآن بـ«العبث»، ودعا لإيقافها والجلوس إلى طاولة المفاوضات للوصول إلى توافق وطني لحل الأزمة في البلاد.
جاء ذلك خلال حديثه في مؤتمر صحافي عقده بمطار الخرطوم أمس، عقب عودته والوفد المرافق له من زيارة إلى موسكو، استغرقت أكثر من أسبوع، تزامنت مع الاجتياح العسكري الروسي لأوكرانيا.
وأشار دقلو إلى أن ملف القاعدة الروسية في السودان من اختصاص وزير الدفاع، ولا علاقة له به، بيد أنه قال: «إذا كانت هناك مصلحة للسودان وشعبه من إقامة القاعدة، وفائدة لإقليم شرق البلاد، فلا توجد موانع».
وقال حميدتي: «لدينا 730 كيلومتراً على البحر الأحمر، لو أرادت أي دولة أن تقيم قاعدة عسكرية، ولدينا معها مصلحة، ولا تهدد أمننا القومي، فليست لدينا مشكلة أن نتعامل مع روسيا أو غيرها»، مشيراً إلى وجود كثير من القواعد العسكرية في الدول الأفريقية، في دولتي جيبوتي والنيجر وغيرهما.
وأوضح أن موقف السودان من الحرب الروسية على أوكرانيا هو ما صدر من مجلس السيادة الذي دعا إلى حل الأزمة عبر الحوار والدبلوماسية.
وسبق لنائب رئيس مجلس السيادة السوداني أن أظهر موقفاً داعماً لروسيا؛ حيث أكد أن من حقها حماية مواطنيها بالدستور والقانون، إلا أن الخارجية السودانية أوضحت أن حديث المسؤول الرفيع أُخرج من سياقه الصحيح.
وقال إن مجلس الأعمال الروسي، الذي يضم نحو 55 مؤسسة اقتصادية حكومية وخاصة، أبدى الاستعداد للاستثمار في السودان، لافتاً إلى أن الوفد الوزاري المرافق له اجتمع مع نظرائه الروس، وكانت اللقاءات بناءة ومثمرة، وسيكون لها ما بعدها، متطرقاً إلى تسهيل البرنامج الاستثماري وقانونه الذي سيفتح للسودان فرصة للاستثمار نسبة لموارده وخيراته.
وأشار إلى الاجتماع بالجالية السودانية في روسيا والتنوير بالوضع الراهن في السودان والاستماع لمشكلات الجالية في روسيا والتواصل مع القائم بالأعمال بأوكرانيا للاطمئنان على أحوال السودانيين المقيمين هناك، وأبلغه القائم بالأعمال تفهمه، ونقل جزء منهم إلى رومانيا وبولندا.
والتقى الوفد السوداني في طريق عودته للبلاد في مطار القاهرة أمس، رئيس جهاز المخابرات المصري، عباس كامل، والوفد المرافق. وقال حميدتي؛ ناقشت مع الوزير المصري الأوضاع الراهنة في السودان. وأكد أن مصر تقف إلى جانب السودان وشعبه، ولا تدعم العسكريين أو المدنيين.
وأضاف: «ناقشنا القضايا الأمنية وسد النهضة وقناة جونقلي (في جنوب السودان)، ووجدنا اهتماماً كبيراً من مصر من أجل الوفاق بين الأطراف والحل السوداني - السوداني للأزمة».
وقال نائب رئيس مجلس السيادة إن «المكون العسكري لا يرفض الحوار ويسعى للتوافق، وندعو لإيقاف العبث (المظاهرات) والعودة للتفاوض والحوار».
ودعا الشعب السوداني إلى عدم الإنصات لأصحاب الأجندة «الذين لا يقدمون حلاً للمشكلة في البلاد»، وجدّد التأكيد على أن العسكريين ليست لديهم أي مشكلة، ويبحثون عن ضمانات لنهضة البلاد.
وشجّع حميدتي تدخل وسطاء من سودانيين مشهود لهم بالكفاءة وليست لديهم أجندة للوصول إلى توافق وطني عبر طاولة المفاوضات.
والتقى حميدتي خلال زيارته إلى موسكو وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وعدداً من المسؤولين في الحكومة الروسية، وبحث خلالها التعاون الأمني لمكافحة الإرهاب، والقضايا الاقتصادية، وتفعيل الاتفاقيات الموقعة بين البلدين.
وكان مجلس السيادة الانتقالي في السودان أكد على موقفه الداعم لاعتماد الحوار وسيلة لحل الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، وأن السودان مع الحل الدبلوماسي سبيلاً للخروج من الأزمة، ويدعم المساعي الجارية الآن بين البلدين.
وطالب الاتحاد الأوروبي في وقت سابق الحكومة السودانية بإدانة الغزو العسكري الروسي على أوكرانيا.
وجمد السودان في أبريل (نيسان) الماضي اتفاقية إنشاء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر، ما دفع الأخيرة لسحب بوارجها وقواتها من البلاد.
وكان الرئيس السوداني المعزول عمر البشير طلب خلال زيارته روسيا عام 2017 من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إنشاء قاعدة عسكرية في البحر الأحمر، بسبب مخاوفه من أي تدخلات أميركية مناوئة في الشؤون الداخلية السودانية.
وصادق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 على مقترح الحكومة الروسية الخاص بتوقيع اتفاق مع الخرطوم حول إنشاء مركز إمداد مادي فني لقوات الأسطول الحربي البحري الروسي في أراضي السودان.
ونصّ الاتفاق على إنشاء «مركز دعم لوجستي» في السودان يمكن من خلاله تأمين «تصليحات وعمليات التزويد بالوقود واستراحة أفراد طواقم» البحرية الروسية، على ألا يتجاوز الحد الأقصى لعدد أفراد النقطة البحرية التي تنفذها القوات 300 فرد.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».