مشاهد «إنسانية» من الحرب: جندي يعزف البيانو... ومتطوعون يخدمون اللاجئين

متطوعات يصنعن شباكاً مموهة للجيش الأوكراني من داخل مكتبة في مدينة لفيف بغرب أوكرانيا (أ.ف.ب)
متطوعات يصنعن شباكاً مموهة للجيش الأوكراني من داخل مكتبة في مدينة لفيف بغرب أوكرانيا (أ.ف.ب)
TT

مشاهد «إنسانية» من الحرب: جندي يعزف البيانو... ومتطوعون يخدمون اللاجئين

متطوعات يصنعن شباكاً مموهة للجيش الأوكراني من داخل مكتبة في مدينة لفيف بغرب أوكرانيا (أ.ف.ب)
متطوعات يصنعن شباكاً مموهة للجيش الأوكراني من داخل مكتبة في مدينة لفيف بغرب أوكرانيا (أ.ف.ب)

في الوقت الذي تتصارع فيه القوات الروسية والأوكرانية على الأرض، يسقط الضحايا ويدفع المدنيون في الغالب الثمن في كل معركة ومدينة، حيث تواصل القوات الروسية هجومها، اليوم الأربعاء على الكثير من المدن الأوكرانية، خصوصاً خاركيف حيث قتل أربعة أشخاص على الأقل وأصيب تسعة آخرون في قصف روسي استهدف مقراً للأجهزة الأمنية، فيما اتهم الرئيس الأوكراني موسكو بالسعي إلى «محو» أوكرانيا.

تتدافع القوافل البشرية من العائلات هرباً من القصف الروسي الذي يدمر المدن بصورايخه السريعة، تندفع الأمهات يحملن أطفالهن للبحث عن ملجأ، وقد يقع حظ البعض لحمل السلاح في الصفوف الأولى، كما حدث مع معلمة أوكرانية، تظهر في مقطع مصور تبكي وتقول: «أريد فقط أن أعيش في بلدي، هذا كل شيء».
https://twitter.com/Medf72/status/1498496140093890565
لم تعلم جوليا وهي تتابع الأخبار من أسابيع قليلة، أن الكاميرا ستأخذ وجهها، وهي تبكي متحدثة قبل الخروج لمحاربة القوات الروسية في كييف، تسألها المذيعة: «هل تعرفين كيفية استخدام السلاح؟».
تجيب جوليا المعلمة الأوكرانية المتطوعة: «لا أعرف كيفية استخدام الأسلحة، حسناً، قليلاً، لقد تعلمت قبل يومين فقط».

«الحب لا يعرف الألغام»

وبالتزامن مع وضع جوليا الحرج، تقدم المتطوعون للانضمام إلى صفوف المقاومة الأوكرانية خلال الأيام الماضية، واحتشد رصيف القطار في لفيف بين الآلاف الذاهبين إلى المعركة، وآخرين يفرون بأطفالهم إلى مكان آمن.
وفي لحظة عاطفية مؤثرة، لم تتغلب إحدى الأمهات في السيطرة على دموعها وهي تحتضن ابنها الشاب المغادر للقتال ولا تعلم هل ستراه مجدداً أم لا؟.
https://twitter.com/ABC/status/1498160294467719168
وتقدر الأمم المتحدة أن ما لا يقل عن800 ألف لاجئ فروا من أوكرانيا إلى الدول المجاورة.
وينتشر المتطوعون المدنيون في كتائب «الدفاع الإقليمي» في كييف، مرتدين سراويل جينز ومنتعلين أحذية رياضية أو أزياء غير متطابقة، في كل أنحاء كييف. وهم مرئيون في الشوارع أكثر من القوات النظامية، ويمكن التعرف عليهم من شارة صفراء صغيرة موضوعة حول الذراع اليسرى. وفي مدينة شبه خالية من السكان، يبدو وجود هذه الكتائب واضحاً. ويضيق الجيش الروسي الخناق بشكل خطير على العاصمة الأوكرانية، والجميع يستعد لمعارك ضارية.

«أحمل قلبك معي»

وبالأمس، ومع تحذير القوات الروسية في توجيه ضربات جوية إلى العاصمة كييف، ومع اقتراب رتل ضخم من المركبات المدرعة الروسية من المدينة، شهدت محطة القطارات الرئيسية في العاصمة مشاهد تخطف القلب، لاب يبكي بحرارة في وداع أطفاله داخل القطار، يتحدثون بالإشارة من خلف النافذة، علي وعد بلقاء قريب، وكان لسان حال الأب ما قاله الشاعر الأميركي إي إي كامينجز: «معي أحمل قلبك، أحمله في قلبي، لا أخلو منه أبدا... أينما أذهب تذهبين يا عزيزتي، ومهما أفعل أنا وليس سواي، تفعلينه أنت يا حبيبتي».

في سبيل تقديم الدعم للجنود واتباع سبل المقاومة للدفاع عن المدينة لفيف بغرب أوكرانيا، اجتمعت بعض السيدات المتطوعات لصناعة شباك مموهة للجيش الأوكراني في مكتبة المدينة، من بقايا الأقمشة.
وفي مقر قريب من المكتبة، تجمعت مجموعة من السيدات المتطوعات للقيام بفرز الملابس المتبرع بها لتوزيعها لاحقاً على السكان المحليين في لفيف.
https://twitter.com/just_mari_ki/status/1498929660285104136
وأصبحت مدينة لفيف بوابة خروج ومركزاً للإجلاء، حيث استمرت طوابير طويلة من السيارات في التوجه نحو الحدود البولندية، وعلى الجانب الآخر ينتظر المتطوعون العائلات الأوكرانية الهاربة، ويقدم المتطوعون داخل مخيم مؤقت في برزيميسل في بولندا، الطعام والملابس والأدوية لهم.

وفي محطة القطار في المدينة، احتشد الآلاف في انتظار القطارات، لتمتلئ بهم الممرات الضيقة، ويوزع المتطوعون والشرطة المياه والحلوى على الأطفال الصغار، وآخرون في مشهد آخر يعدون الشطائر السريعة لسد جوع الانتظار.

«لا شيء غير الرصاص والألم»

ومن داخل ماريوبول المحاصرة من قبل انفصاليو دونتسيك، وسط تبادل إطلاق النار بين الطرفين، يلتقط المدنيين والجنود أيضاً انفاسهم لبعض دقائق، فيتطوع أحد جنود مشاة البحرية للعزف على البيانو.
https://twitter.com/cossackgundi/status/1498924339651137539
وكان رئيس بلدية المدينة فاديم بويتشينكو، قد قال إن أكثر من 100 شخص من سكان المدينة أُصيبوا بالفعل في غارات جوية روسية، ولا تزال تحت السيطرة الأوكرانية.
وقال على الهواء مباشرة على التلفزيون الأوكراني: «نحن نقاتل ولن نتوقف عن الدفاع عن وطننا».
وتقع ماريوبول بالقرب من المناطق الانفصالية في شرق أوكرانيا وتعد آخر ميناء رئيسي تحت سيطرة الحكومة على بحر آزوف.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».