انطلقت الاثنين، مع بدء تعاملات الأسبوع بالأسواق العالمية، صرعة تخلص من الأصول الروسية بمختلف أنواعها، فيما تستعر حملة إجراءات دولية متصاعدة ضد موسكو في إطار حملتها العسكرية على أوكرانيا.
وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية أن الولايات المتحدة حظرت الاثنين، بمفعول فوري أي تعامل مع البنك المركزي الروسي، في عقوبات غير مسبوقة بشدتها بالتنسيق مع عدد من حلفاء واشنطن، وذلك رداً على الغزو الروسي لأوكرانيا.
كما تسرع الحكومة البريطانية خططها للتعامل مع «أموال قذرة» وكشف أباطرة أجانب يغسلون ثرواتهم من خلال سوق العقارات بالبلاد في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. وذكرت وكالة الأنباء البريطانية (بي إيه ميديا) أنه بعد حزمة العقوبات التي أعلن عنها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الأسبوع الماضي، سوف يعرض الوزراء اليوم (الثلاثاء)، مشروع قانون الجرائم الاقتصادية (الشفافية والإنفاذ) - الذي كان متوقعاً قبل ذلك أن يتم عرضه في وقت لاحق من الدورة البرلمانية.
كما قالت بريطانيا الاثنين، إنها بصدد اتخاذ مزيد من الإجراءات ضد روسيا، بالتنسيق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لمنع أي كيانات بريطانية من إجراء معاملات مع البنك المركزي ووزارة المالية وصندوق الثروة الوطني في روسيا.
وتتضمن العقوبات الجديدة أيضاً فرض قيود جديدة على المؤسسات المالية الروسية وإجراءات لمنع الشركات الروسية من إصدار أوراق مالية قابلة للتحويل وغيرها من أدوات سوق المال في المملكة المتحدة. وقالت بريطانيا إن لديها «سلطة منع البنوك المدرجة من الحصول على الجنيه الإسترليني وتسوية المدفوعات من خلال المملكة المتحدة». كما ذكرت صحيفة «الغارديان» مساء الأحد، أن الحكومة البريطانية تبحث منع السفن الروسية من استخدام الموانئ البريطانية، بعد اتضاح أن ناقلة نفط مملوكة لروسيا من المقرر أن ترسو في ميناء أوركني هذا الأسبوع.
«بي بي» تنسحب من «روسنفت»
وفي نطاق المؤسسات، أعلنت مجموعة «بي بي» النفطية البريطانية الأحد، انسحابها من رأس مال شركة «روسنفت» الروسية العملاقة والبالغة حصتها فيها 19.75 بالمائة إثر الغزو الروسي لأوكرانيا. وأوضحت المجموعة أن مديرها العام برنارد لوني سيستقيل من مجلس إدارة «روسنفت» بـ«مفعول فوري». وأضافت أن المسؤول في المجموعة ورئيسها التنفيذي السابق بوب دودلي سيستقيل أيضاً. وقال رئيس مجلس إدارة «بي بي» هيلغ لوند إن «هجوم روسيا على أوكرانيا عمل عدواني له عواقب مأساوية في جميع أنحاء المنطقة».
وأورد البيان: «تعمل بريتيش بتروليوم في روسيا منذ أكثر من 30 عاماً... ولكن هذا العمل العسكري يمثل تغييراً جوهرياً دفع مجلس إدارة شركة بريتيش بتروليوم إلى الاستنتاج، بعد مراجعة معمّقة، أن مشاركتنا في شركة روسنفت المملوكة للدولة، لا يمكن ببساطة أن تستمر».
وقال برنارد لوني إنه «يشعر بصدمة وحزن عميقين للوضع في أوكرانيا». ونقل عنه البيان أنه «مقتنع بأن القرارات التي اتخذناها كمجلس إدارة ليست فقط، الأمر الصائب الذي يجب القيام به، ولكنها أيضاً تخدم مصلحة بي بي على المدى الطويل».
كما أعلنت شركة «بريتش بتروليوم» أنها تنسحب من أنشطتها المشتركة الأخرى مع «روسنفت» في روسيا. ورحب وزير قطاع الأعمال البريطاني كواسي كوارتنغ عبر «تويتر» بفك الارتباط، قائلاً إن «الغزو غير المبرر لأوكرانيا يجب أن يكون بمثابة نداء يقظة للشركات البريطانية التي لها مصالح تجارية في روسيا». وقدرت حصة «بي بي» في «روسنفت» بنحو 14 مليار دولار في نهاية عام 2021.
من جهتها، قالت المحللة بشركة «هارغريفز لانسداون» سوزانا ستريتر في مذكرة، إن «قرار الانسحاب من روسنفت سيكون مكلفاً للغاية لشركة بي بي، لكن من الواضح أن مجلس الإدارة شعر تحت وقع الصدمة أنه ليس أمامه خيار سوى دفع ثمن باهظ وإبعاد أنشطته عن العدوان الروسي».
وإلى جانب بريطانيا، قال الرئيس السويسري إغنازيو كاسيس يوم الأحد، إن من «المحتمل جداً» أن تحذو سويسرا حذو الاتحاد الأوروبي في معاقبة روسيا وتجميد الأصول الروسية في الدولة الواقعة بجبال الألب. وأضاف أن المجلس الاتحادي (الحكومة) المؤلف من سبعة أعضاء سيجتمع الاثنين، لمراجعة توصيات وزارتي المالية والاقتصاد.
النأي عن المشاكل
وإثر هذه القرارات والاجراءات المتصاعدة، أعلنت شركة الخدمات المالية اليابانية نومورا هولدنغز وقف تلقي أوامر بيع أو شراء في الوقت الراهن لأربعة من صناديق الاستثمار التابعة لها التي تحتوي على أصول مرتبطة بروسيا. ونقلت وكالة «بلومبرغ» عن موقع شركة نومورا سيكيوريتز لتداول الأوراق المالية على الإنترنت، القول إن قرار تعليق التداول دخل حيز التنفيذ بدءاً من يوم الاثنين. وأضافت الشركة أنها ستلغي أي أوامر بيع أو شراء بتاريخ 28 فبراير (شباط) إذا كانت مرتبطة بهذه الصناديق.
يذكر أن صندوقين من الصناديق الأربعة يحتويان على سندات مقومة بالروبل الروسي، أما الصندوقان الآخران فيحتويان على أسهم لشركات روسية. كما أعلنت شركة ميزوهو سيكيوريتز اليابانية للوساطة المالية تعليق تلقي طلبات شراء أو بيع تتعلق بصندوق استثمار تابع لها ويحتوي على أسهم روسية أو أوراق مالية مرتبطة بالروبل الروسي.
وبدورها، أعلنت الحكومة النرويجية في أوسلو مساء الأحد، اعتزامها سحب استثمارات صندوق التقاعد الحكومي النرويجي من روسيا.
وقال وزير مالية النرويج، تريجف سلاغسفولد فيدوم: «بالنظر إلى الشكل الذي تطور به الموقف، نعتقد أن من الضروري لصندوق التقاعد (الحكومي النرويجي) الانسحاب من روسيا».
وبحسب تقرير لمحطة «إن آر كيه» الإذاعية العامة في النرويج، استثمر صندوق التقاعد النرويجي (صندوق الثروة السيادية) نحو 25 مليار كرون (2.8 مليار دولار) في روسيا منذ بداية العام.
وأوضح الوزير فيدوم أنه أصدر تعليمات للبنك المركزي النرويجي بالوقف الفوري لأي استثمارات في روسيا، وسحب الاستثمارات القائمة من البلاد. ويشار إلى أن صندوق التقاعد الحكومي النرويجي هو واحد من أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم. ويقوم الصندوق باستثمار عائدات البلاد من النفط والغاز لتحقيق أرباح من أجل أجيال المستقبل.
وبالإضافة إلى سحب الاستثمارات من روسيا، تقول الحكومة النرويجية إنها تريد الانضمام إلى العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على موسكو، وكذلك تقديم الدعم المالي من أجل توفير مساعدات إنسانية ومعدات حماية عسكرية لأوكرانيا. والنرويج ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، ولها حدود مع روسيا.
البنك الدولي على خط الأزمة
وفي غضون ذلك، دعا مجلس أوروبا الذي علق مشاركة موسكو في أبرز هيئاته بعد غزو القوات الروسية لأوكرانيا، دوله الأعضاء الأحد، إلى «التضامن» المالي من أجل تعويض أي خسائر محتملة في التمويل إذا أوقفت موسكو سداد مستحقاتها.
وبدوره، قال رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس يوم الأحد، إن قادة المال في دول مجموع السبع سيعقدون اجتماعاً عبر الفيديو يوم الثلاثاء، لمناقشة الصراع في أوكرانيا وخيارات المساعدة المحتملة لهذا البلد.
كما أبلغ مصدر مطلع على جدول الاجتماع «رويترز» بأن وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية سيناقشون العقوبات المالية الأحدث على البنك المركزي الروسي وعزل البنوك التجارية الروسية الرئيسية عن نظام سويفت للمعاملات المالية.
وقال مالباس لشبكة (سي بي إس) إن وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية بمجموعة السبع «بإمكانهم اتخاذ كثير من القرارات المتعلقة بحجم المساعدات التي يمكن تقديمها لأوكرانيا».
شظايا في قلب بيلاروس
ولا يقتصر الأمر على روسيا، إذ أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الأحد، أن الاتحاد الأوروبي قرر فرض عقوبات جديدة على بيلاروس عبر حظر صادرات «القطاعات الاقتصادية الأكثر أهمية» لنظام مينسك، «المتواطئ» في الغزو الروسي لأوكرانيا. وأوضحت أن هذه التدابير تشمل قطاعات المحروقات والتبغ والإسمنت والحديد والفولاذ.
وتستهدف العقوبات أيضاً المسؤولين البيلاروسيين «الذين ساعدوا روسيا» في هجومها على أوكرانيا. وتخضع بيلاروس لعقوبات سابقة من الاتحاد الأوروبي بسبب قمع المعارضة وإجبار طائرة أوروبية على الهبوط في أراضيها في يونيو (حزيران) 2021 لتوقيف معارض بيلاروسي على متنها، والسماح بتدفق مهاجرين من الشرق الأوسط عبر حدودها المشتركة مع التكتّل بشكل مدبّر، على ما يقول الأوروبيون.
والإجراءات التي أعلنت الأحد، هي الرزمة السادسة من عقوبات بروكسل ضد الجمهورية السوفياتية السابقة المتحالفة مع فلاديمير بوتين، وتشمل 183 مسؤولاً، بينهم الرئيس ألكسندر لوكاشنكو و26 شركة أو كياناً جمدت أصولهم وحُظر دخولهم إلى الاتحاد الأوروبي.