أوكرانيا... لا يوجد بلد أهم!

آثار دمار خلفته الحرب على أوكرانيا (أ.ف.ب)
آثار دمار خلفته الحرب على أوكرانيا (أ.ف.ب)
TT

أوكرانيا... لا يوجد بلد أهم!

آثار دمار خلفته الحرب على أوكرانيا (أ.ف.ب)
آثار دمار خلفته الحرب على أوكرانيا (أ.ف.ب)

تتركز أنظار المجتمع الدولي على الحرب في أوكرانيا التي تحولت إلى الحدث الأبرز في قلب السياسة الدولية اليوم. يعتبر التحول الدراماتيكي في العلاقات الروسية - الأوكرانية أمراً محورياً لتساؤلات وسائل الإعلام في العديد من البلدان. كيف تطور الوضع إلى هذه الدرجة، وما سبب غزو روسيا لدولة شقيقة؟ لا يسمح حجم مقالة للنظر بتفصيل كافٍ في تاريخ العلاقات بين الروس والأوكرانيين. وعموماً، ليس هذا هو الشيء الرئيسي الآن.
يُعتقد أن قرار الكرملين استند إلى عنصرين حاسمين. الأول، فشل الجانب الأوكراني في الامتثال لاتفاقيات مينسك، والقصف المستمر لمنطقتي دونيتسك ولوغانسك المواليتين لروسيا ومعظم سكانهما من الروس، الذين تتعامل معهم كييف بصفتهم انفصاليين.
ما يتعلق باتفاقيات مينسك 2014 - 2015 التي وقعتها أوكرانيا وفرنسا وألمانيا، من بين دول أخرى، ووافقت عليها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وتم إقرارها في قرار خاص من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كان الغرض من هذه الوثائق هو حل النزاع المسلح في شرق الأراضي الأوكرانية من خلال تنفيذ «خريطة طريق»، تضمنت، من بين أمور أخرى، إجراء انتخابات حرة في منطقتي دونيتسك ولوغانسك. ومع ذلك، رغم المحاولات المستمرة للدبلوماسية الروسية لتشجيع الأوكرانيين على الامتثال لاتفاقيات مينسك، التي كان يجب أن تؤدي في النهاية إلى منح الحكم الذاتي لمنطقة دونباس الصناعية القوية (إقليمي دونيتسك ولوغانسك) في إطار الدولة الأوكرانية، لم تقم كييف بأي خطوات لإحراز تقدم بشأن تنفيذ خريطة الطريق المتفق عليها. وواصلت رفض التعامل مع زعيمي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، رغم أن توقيعاتهما كانت تذيل اتفاقيات مينسك.
في الوقت نفسه، رفضت كييف بشكل قاطع المساعدة في تنظيم الانتخابات في دونباس، مدركة أن نتائجها سوف تمنح شرعية للقوات الموالية لروسيا وفقاً للتوقعات. لقد انسحبت الدول الغربية من العملية، ولم ترغب في ممارسة ضغط فعال على الرئيس فولوديمير زيلينسكي. والأكثر من ذلك، فقد لمح الرئيس الأوكراني الحالي مراراً إلى أنه لا يخضع لاتفاقيات مينسك التي وقعها سلفه، «الفاسد» بيترو بوروشينكو. وهو أمر لا يعتد به عملياً من وجهة النظر القانونية.
العنصر الثاني، أنه خلال ثماني سنوات في دونباس، نتيجة قصف الجيش الأوكراني والاشتباكات المسلحة المفتوحة مع الميليشيات الشعبية المحلية، قُتل ما لا يقل عن عشرة آلاف من السكان الموالين لروسيا. لم يقم مراقبو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والطرفان الموقعان على الاتفاقيات، باريس وبرلين، بتقييم هذا الظرف بشكل صحيح.
بدا أنه توافرت لدى الرئيس فلاديمير بوتين الذريعة الكافية لاستخدام القوة، لحل المشكلة والخروج من دائرة «الحلقة المفرغة». في نفس الوقت، كان هناك بالطبع أكثر من سيناريو لاستخدام القوة. لكن في ظل غياب الشفافية في النخبة السياسية الروسية وعدم وجود فهم مشترك كامل للآفاق المحتملة، لم يكن هناك إجماع على الإجراءات التي يمكن أن تتخذها روسيا في دونباس. والدليل على ذلك هو مشهد التوبيخ المهين، الذي وجهه الرئيس بوتين إلى رئيس جهاز المخابرات الخارجية سيرغي ناريشكين، خلال الاجتماع الموسع لمجلس الأمن الروسي في 22 فبراير (شباط) .
أيضاً، برز مؤشر إلى ذلك خلال عمليات التصويت على قرار الاعتراف بالجمهوريتين في مجلس الدوما، إما عبر تصويت البعض ضد القرار، أو من خلال تغيب عدد من البرلمانيين في كتلة الحزب الحاكم «روسيا الموحدة» خلال جلسة التصويت في مجلس الدوما في 15 فبراير. كان من الواضح أن القرار بالاعتراف سيتبعه عمل قوي. وفقاً لسيناريو - لأسباب مفهومة - لم يتم عرضه على النخب السياسية في البلاد.

                                                  مدنيون يسجلون انضمامهم لقوات الدفاع الإقليمي في كييف السبت (أ.ب)

في البداية، مع اندلاع الأعمال الحربية، ركزت الدعاية السياسية للحكومة الروسية على الحاجة إلى حماية الأشقاء في دونيتسك ولوغانسك من الاستفزازات المسلحة لـ«النازيين الأوكرانيين» في صفوف القوات المسلحة الأوكرانية.
رغم أن التصريحات حول «النازية» كعامل مهيمن في الحياة الاجتماعية والسياسية الأوكرانية الحالية تبدو غريبة للغاية؛ إذ لا يمكن تجاهل أن كلاً من فولوديمير زيلينسكي وسلفه بيترو بوروشنكو من أبناء القومية اليهودية. بدلاً من ذلك، كان يجب التركيز على الأشكال المتطرفة للقومية الأوكرانية، التي اكتسبت في السنوات الأخيرة توجهاً واضحاً مناهضاً لروسيا، وهو أمر استخدمه الغرب بنجاح.
لذلك، مثل هذه الصياغة للقضية، ومن خلال توجيه العملية العسكرية ضد الأوكرانيين حصرياً على حدود جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، كان يمكن لقرار السيناريو العسكري للكرملين أن يلقى تفهماً أكبر إلى حد بعيد، على الأقل داخل المجتمع الروسي. ولكن، كما يقولون في روسيا «سارت الأمور على غير ما يرام».
وسرعان ما بدأت دوافع أخرى تسيطر على الدعاية المرتبطة بالعملية العسكرية، حول «تقويض النازية»، و«تجريد أوكرانيا من السلاح»، فضلاً عن إجبارها على التزام الحياد، أي الإعلان الواضح بالامتناع عن الانضمام إلى الناتو.
هنا يمكن ملاحظة أن الأغلبية المطلقة من الروس تعتبر عضوية جارتنا في حلف شمال الأطلسي غير مقبولة من وجهة نظر أمن الاتحاد الروسي. لكن سرعان ما اتضح أن قتال الجيش الروسي امتد إلى مناطق عديدة في الضفة اليسرى (الشرقية) لأوكرانيا، بما في ذلك العاصمة والمدن الكبيرة الأخرى. والأخبار حول الأعمال القتالية المستمرة، واسعة النطاق، مليئة بالعديد من التزييفات. ومن الصعب للغاية تكوين رأي موضوعي حول حجم المعارك والخسائر في صفوف السكان المدنيين. هناك شيء واحد واضح، لقد اكتسب استخدام القوة طابعاً مفرطاً بشكل واضح، سواء من حيث الحجم أو النطاق الجغرافي.
أنا أعتبر هذا سوء تقدير خطيراً من جانب استراتيجيي الكرملين. علاوة على ذلك، بالنظر إلى الوضع الحالي اليوم، يستمر قصف القوات المسلحة الأوكرانية على دونباس، رغم تقارير القيادة العسكرية الروسية حول تحقيق انتصارات ميدانية. وبالتالي، فإن الهدف الرئيسي لما يسمى بالعملية الخاصة لحماية دونباس لم يتحقق بعد.
الأمر الآخر أنه تبين أن التنبؤات التي وضعت حول رد الفعل المحتمل على الحرب، أولاً وقبل كل شيء، داخل روسيا، ثم بالطبع في جميع أنحاء العالم، لم تكن صحيحة.
ليس من الواضح من الذي شارك في وضع هذه التنبؤات. أنطلق من قناعة بأنها إدارة الرئاسة. صحيح أنه، في ظل أي سيناريو، كان يمكن توقع رزم جديدة من العقوبات القادمة من الغرب، لكنها قد تختلف في حجم العواقب على الاقتصاد، والأهم هو الانعكاسات على صورة روسيا في العالم. تعرضت مواقف الرئيس بوتين في بلادنا، والتي بدت للكثيرين أنها لا تتزعزع، لضربة قوية. انهارت سوق الأوراق المالية الروسية (انخفاض أكثر من 40 في المائة)، وانهارت البورصة، وارتفع الدولار واليورو بشكل حاد (نحو 10 في المائة)، وغدا نحو 75 في المائة من السوق المالية للبلاد تحت العقوبات. خضعت الشخصيات الأولى في البلاد لقيود العقوبات. وهذه فقط نتائج القرار العسكري التي نراها حتى اليوم. قائمة النتائج السلبية يمكن أن تطول وتطول.
بالمناسبة، يمكن هنا لفت الأنظار إلى أن رهان الكرملين على تلقي دعم فعال من جانب الصين لم يتحقق.
أيضاً، في إطار النتائج المحتملة على الصعيد الجيوسياسي، ليس مفهوماً تماماً، لماذا لم يضع فريق مستشاري الكرملين في حساباته احتمال انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، وهي خطوة تبدو محتملة تماماً حالياً، خصوصاً أن القرار البرلماني في هذا الشأن تم اتخاذه بالفعل في هلسنكي. وربما يتبع ذلك انضمام السويد.
وضمن التداعيات اللاحقة، من الممكن توقع حظر تصدير العديد من التقنيات الحيوية والسلع الصناعية إلى روسيا، والتمييز في مجال الثقافة والرياضة وغير ذلك الكثير، وكل هذا لفترة غير محددة. بالإضافة إلى كل ذلك، برزت العديد من الاحتجاجات المناهضة للحرب في موسكو وسان بطرسبرغ ومدن روسية رئيسية أخرى.
أرى نتيجة إيجابية واحدة فقط: قد تقنع العقوبات الصارمة القيادة الروسية بتعديل سياساتها الاقتصادية بشكل جذري. والتوقف عن الاعتماد على تقريب الأوليغارشية المرتبطة، بشكل وثيق جداً، بالغرب، وتنفيذ إصلاحات جذرية تخدم المصلحة الوطنية - بالطبع، من دون التخلي عن التعاون الدولي.
اعتباراً من اليوم، الشيء الرئيسي هو وقف إراقة الدماء، والتخلي عن خطط - الحد الأقصى - فيما يتعلق بجارنا، وهذه الخطط معروفة فقط للكرملين.
في أيام انهيار الاتحاد السوفياتي كنت ضابطاً، أدرس في إحدى الأكاديميات العسكرية. نشر رفيقي في الجيش، ديمتري ترينين، الذي يشغل حالياً، منصب مدير مركز موسكو التابع لمؤسسة «كارنيغي»، في ذلك الوقت في المجلة الشعبية «نوفوي فريميا» مقالاً بعنوان «أوكرانيا: لا يوجد بلد أكثر أهمية». رغم حقيقة أنني لا أشاطر الآراء السياسية لديمتري وزملائه في الصندوق، أعتقد أن مثل هذا النهج تجاه القضايا الأوكرانية هو أكثر أهمية اليوم من أي وقت مضى.

* أستاذ في «الجامعة الروسية الرسمية»، المدرسة العليا للاقتصاد. عقيد متقاعد. دبلوماسي سابق



الصين تفرض عقوبات على شركات دفاع أميركية رداً على بيع أسلحة لتايوان

علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
TT

الصين تفرض عقوبات على شركات دفاع أميركية رداً على بيع أسلحة لتايوان

علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)

فرضت الصين عقوبات على 10 شركات دفاعية أميركية، اليوم (الخميس)، على خلفية بيع أسلحة إلى تايوان، في ثاني حزمة من نوعها في أقل من أسبوع تستهدف شركات أميركية.

وأعلنت وزارة التجارة الصينية، الخميس، أن فروعاً لـ«لوكهيد مارتن» و«جنرال داينامكس» و«رايثيون» شاركت في بيع أسلحة إلى تايوان، وأُدرجت على «قائمة الكيانات التي لا يمكن الوثوق بها».

وستُمنع من القيام بأنشطة استيراد وتصدير أو القيام باستثمارات جديدة في الصين، بينما سيحظر على كبار مديريها دخول البلاد، بحسب الوزارة.

أعلنت الصين، الجمعة، عن عقوبات على سبع شركات أميركية للصناعات العسكرية، من بينها «إنستيو» وهي فرع لـ«بوينغ»، على خلفية المساعدات العسكرية الأميركية لتايوان أيضاً، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

مركبات عسكرية تايوانية مجهزة بصواريخ «TOW 2A» أميركية الصنع خلال تدريب على إطلاق النار الحي في بينغتونغ بتايوان 3 يوليو 2023 (رويترز)

وتعد الجزيرة مصدر خلافات رئيسي بين بكين وواشنطن. حيث تعد الصين أن تايوان جزء من أراضيها، وقالت إنها لن تستبعد استخدام القوة للسيطرة عليها. ورغم أن واشنطن لا تعترف بالجزيرة الديمقراطية دبلوماسياً فإنها حليفتها الاستراتيجية وأكبر مزود لها بالسلاح.

وفي ديسمبر (كانون الأول)، وافق الرئيس الأميركي، جو بايدن، على تقديم مبلغ (571.3) مليون دولار، مساعدات عسكرية لتايوان.

وعدَّت الخارجية الصينية أن هذه الخطوات تمثّل «تدخلاً في شؤون الصين الداخلية وتقوض سيادة الصين وسلامة أراضيها».

كثفت الصين الضغوط على تايوان في السنوات الأخيرة، وأجرت مناورات عسكرية كبيرة ثلاث مرات منذ وصل الرئيس لاي تشينغ تي إلى السلطة في مايو (أيار).

سفينة تابعة لخفر السواحل الصيني تبحر بالقرب من جزيرة بينغتان بمقاطعة فوجيان الصينية 5 أغسطس 2022 (رويترز)

وأضافت وزارة التجارة الصينية، الخميس، 28 كياناً أميركياً آخر، معظمها شركات دفاع، إلى «قائمة الضوابط على التصدير» التابعة لها، ما يعني حظر تصدير المعدات ذات الاستخدام المزدوج إلى هذه الجهات.

وكانت شركات «جنرال داينامكس» و«شركة لوكهيد مارتن» و«بيونغ للدفاع والفضاء والأمن» من بين الكيانات المدرجة على تلك القائمة بهدف «حماية الأمن والمصالح القومية والإيفاء بالتزامات دولية على غرار عدم انتشار الأسلحة»، بحسب الوزارة.