«أرامكو».. قصة بناء الإنسان والمدن السعودية

الملك عبد العزيز استطاع بحكمته أن يقرأ مستقبل النفط

ساهم تدفق الإنتاج البترولي والعوائد المالية في انتقال السعودية من مرحلة البداوة والمجتمع الريفي إلى عصر الدولة الحديثة (غيتي)
ساهم تدفق الإنتاج البترولي والعوائد المالية في انتقال السعودية من مرحلة البداوة والمجتمع الريفي إلى عصر الدولة الحديثة (غيتي)
TT

«أرامكو».. قصة بناء الإنسان والمدن السعودية

ساهم تدفق الإنتاج البترولي والعوائد المالية في انتقال السعودية من مرحلة البداوة والمجتمع الريفي إلى عصر الدولة الحديثة (غيتي)
ساهم تدفق الإنتاج البترولي والعوائد المالية في انتقال السعودية من مرحلة البداوة والمجتمع الريفي إلى عصر الدولة الحديثة (غيتي)

لعبت شركة «أرامكو» منذ توقيع امتيازها للتنقيب عن النفط في السعودية، وحتى إعادة هيكلتها الجديدة برئاسة رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، دورا مهما ولافتا في نقل البلاد الناشئة إلى مراحل من التطور، حيث ساهم تدفق الإنتاج البترولي وتزايد العوائد المالية إلى انتقال السعودية من مرحلة البداوة والمجتمع الريفي إلى عصر الدولة الحديثة، كما لعبت الشركة دورا في تغيير مسيرة إنسان هذه الأرض عبر محطات ومنعطفات مهمة شكلت الحياة الجديدة للأرض والإنسان بعد أن تفيأت رمال الشواطئ البيضاء أو رمال الصحراء الذهبية ظلال الذهب الأسود، وعانقت نخيلات الواحات منصات الحفر، وأعمدة دخان المصافي، وصدت الفيلات الحديثة والمساكن المسلحة وعربات «الكرفانات» الرياح التي تحرك أروقة الخيام وتكاد تقلع أطنابها.
واستطاع الملك عبد العزيز، مؤسس هذا الدولة السعودية الذي تنام بلاده على بحيرات من النفط لم تتضح بعد جدواها قبل وأثناء اتفاق الملك مع الشركات البترولية على امتياز التنقيب عن النفط وتشغيله تجاريًا، استطاع بفراسته وحِكمته وبُعد نظره وثاقب بصيرته واستماعه إلى ذوي الاختصاص والرأي، أن يقرأ مستقبل النفط في بلاده، وأنه سيكون له حضور كبير في تحسين مداخيل الدولة الناشئة، وأن يعم نفعه ليس فقط جميع مواطنيه بلا استثناء، بل إن خيرات البلاد ستصل إلى الجميع خارج الوطن لأن بلاده ستكون إحدى كبرى الدول المصدرة لهذه السلعة العالمية، كما كشف الملك عن اهتمامه المبكر بموضوع التخصيص، وضرورة دخول الدولة وأبناء الوطن كمساهمين في مشاريع النفط، التي بدأ التنقيب عنها واستثمارها تجاريًا.
وجهه الملك عبد العزيز، إلى عبد العزيز بن مساعد وكافة جماعة أهل بريدة حاضرة منطقة القصيم مؤرخ بتاريخ 28 محرم 1342ه، الموافق 10 1923 يحث فيه مواطنيه على المساهمة في مشاريع النفط عقب اتفاق الملك مع الشركات البترولية التي حصلت على عقود امتياز النفط في الدولة الناشئة، والتي لا تتمتع بأية موارد ثابتة أو ذات جدوى للصرف على متطلبات تنمية الدولة الحديثة، وذلك قبل أن تعرف كثير من الدول والشعوب أي أشكال من أشكال الاستثمار أو التخصيص أو المساهمات أو في ما يعرف اليوم بسوق الأسهم، والاستثمار في الشركات المطروحة للاكتتاب العام.
ويعد خطاب الملك عبد العزيز شكلا مبكرا من أشكال طرح نسبة من أسهم مشاريع الشركات البترولية للاكتتاب العام للمواطنين السعوديين، ويبدو أن الخطاب وجه إلى جميع المناطق في نجد ولم تكن بريدة هي الوحيدة التي وصلها الخطاب. وصنع النفط بعد ملحمة التوحيد التي خلقها الملك المؤسس تجمعات سكانية متباعدة، واحتضنت المدن الحديثة شرقا ووسطا وغربا وجنوبًا أفرادا وأسرا من جميع مناطق البلاد، وأتاحت الشركة العملاقة لكثير من أبناء الصحراء وسكان الشواطئ، وساكني الجبال خوض تجربة العمل في مهن لم يعهدها من قبل.
ولقد تحول راعي الأغنام الأمي إلى صاحب مهنة أخرى، اعتمر خوذة العمل بدلا من الشماغ، ودس في يديه قفازات الشغل والفك والربط، استبدل عصا الرعي التي يهش بها على غنمه بأدوات تشغيل محطات الدفع ومعامل التكرير، وورش التصليح، تحول سائق الأجرة إلى عامل يلبس بدلة العمل ويستيقظ فجرا ليذهب إلى معامل فصل الغاز، واستبدل السائق رخصة القيادة لسيارته الونيت برخصة لقيادة الرافعات والنقليات، لقد انخرط الجميع ببسالة في رحلة كفاح عبر سفينة تمخر عباب أنهار النفط التي تفجرت بالذهب الأسود، وملأت الأرض نماء، لقد أصبح الراعي الذي يلتحف السماء، ويفترش الأرض ويردد أناشيد الرعاة كل فجر، ينطق لغة أبراهام لنكولن دون أن يتلقاها في مدرسة أو حلقة تدريب ودون أن يحمل قلما ليكتب ما يقوله، جاء الفلاح من وسط الصحراء (حيث تصارع نخيلات مزرعته ملوحة الأرض وقلة المياه) تاركا خلفه عباءاته ومنجله إلى جبل الظهران ليلتحق بركب القافلة التي انطلقت لتحفر الأرض، ثم يختلس ساعات راحته ليندس في «البركسات» ويغفو على أسرتها الحديدية وفرشها الوثيرة، ثم يستيقظ ويتناول وجبة منوعة مستخدما الشوكة والملعقة والسكين بدلا من اليد.
وعلى بعد أمتار من مكان الجيولوجيين في السواحل الشرقية، حيث بقايا حلقات الكتاتيب التي تعلم الأطفال مبادئ القراءة والكتابة وشيئا من القرآن والحساب، كانت الأرض تؤسس والرافعات تعمل لبناء مدارس حديثة، وتشغيل القائم منها وصيانتها، في حين انشغل المحاسبون في صرف رواتب المعلمين والإداريين العاملين في تلك المدارس بعد أن التزمت «أرامكو» بدفعها.
وفي غرفة بالظهران قبل نصف قرن تجمعت أسرة العامل المقبل من وسط الصحراء ليعمل في شركة «أرامكو» أمام قناة تلفزيونية لمتابعة البرامج التي كانت تبثها القناة رقم 3 التي تعد أول محطة تلفزيونية تبث في الخليج وعرفت بمحطة تلفزيون «أرامكو».
وفي بقيق يلاحق الأطفال سيارات بيضاء مقفلة ليكتشفوا أنها لم تكن سوى عيادات منتظمة تخترق المدن لتقدم لسكانها الخدمات الطبية.
وتقاطر الألوف من الموظفين إلى مكتب في المنطقة الشرقية لينضموا إلى برنامج تملك البيوت في الشركة العملاقة الذي شكل أول نواة لإقامة تجمعات سكانية أصبحت لاحقا مدن الدمام والخبر والظهران ورأس تنورة وبقيق.
من هنا تبدأ قصة التغيير الذي طرأ على الأرض والإنسان في ملحمة أشبه بالخيال والأسطورة بعد أن تفجرت الأرض بالنفط.
ولا نستطيع أن نسبر أغوار تلك الفترة، لكن محمد الدميني الكاتب والشاعر السعودي استطاع أن يبني من سيل الصور والاستطلاعات والمشاهدات التي انهالت عليه من مجلدات «القافلة» التي كان أحد أبرز كتابها صورا متماسكة لشكل الحياة في مدن الشرقية وغيرها.
يقول الدميني فيما يشبه الرصد لتلك الفترة رسمها بلوحة الشاعر والكاتب والفنان: حاولت مرارًا أن أبني من سيل الصور والاستطلاعات والمشاهدات التي انهالت على من مجلدات «القافلة» صورة متماسكة لشكل الحياة في أي بلدة من بلدات الدمام أو الظهران أو الخبر، قبل أن تبلغ أول البعثات الجيولوجية ساحل الجبيل في سبتمبر (أيلول) 1933 لتنصب خيامها لاحقا في موقع ما قرب جبل الظهران، لكنني لم أتمكن من أن أجمع أبدًا شظايا تلك الصورة، كأنني أمسك قبضة رمل سرعان ما تندفع هاربة من بين أصابعي.
كثيرًا ما سرقتني الساعات وأنا أتجول بين صفحات تلك الخزينة النادرة من أعداد المجلة متفرسًا في الملامح والوجوه، ومدققًا في أبراج الحفر والمعامل والمنشآت، ومحاولاً قراءة المنعطفات التاريخية في مسيرة إنساننا ووطننا وزمننا.
وفي الآن ذاته، كنت أقرأ في عباب الصفحات الماضية للمجلة صورة جيلي الذي يجتاز الآن عقده الرابع، حين كنا نتناهب أعداد هذه المجلة ونتبادلها كمن يتخاطف تحفة نخاف عليها من يد المنون. كانت تصلنا طبعًا متقطعة تجللها وعثاء السفر وعطور الإياب في حقائب العائدين إلى القرية لقضاء إجازتهم السنوية، وكنا نتلقفها كهدايا من أيدي الموظفين القدامى الذين كانوا يتجشمون حملها إلينا رغم أنهم لم يقرأوا سطرًا واحدًا فيها بحكم أميتهم.
تلك أيام بعيدة، لا أجد وهجها يخف رغم انقضاء الأيام، وحين أحمل بعض المجلدات هذه الأيام إلى منزلي مستجمعًا كل المغذيات اللازمة لكتابة مقالة تليق بمناسبة ذهبية في تاريخ المجلة الحافل، يستبد بي شوق لمواصلة الرحيل عبر الصفحات. فها أنا ذا أكتشف أن لا مجلة اقتربت من موضوعها ومن جمهورها، وانخرطت في دورها التاريخي كما فعلت هذه المجلة «قافلة الزيت»، وخصوصا في عقودها الثلاثة الأولى. تمتلئ صفحات المجلة بملامح مصورة ومكتوبة عن اللحظات الفاصلة في تاريخ الشركة منذ توقيع اتفاقية الامتياز في جدة يوم 29 مايو (أيار) 1933 وحتى تدشين مشروعات حقول الحوطة والشيبة وتحديث مصفاة رأس تنورة، ومشاريع الغاز في الحوية وحرض. أغلفة المجلة وصفحاتها تزدان بوجوه أليفة تنتمي إلى الجيل الأول من موظفي الشركة السعوديين الذين خاضوا غمار تجربة العمل الميداني من دون حصيلة علمية تذكر. جاءوا بوفاض خال من أي مجد أو غنيمة، لذا أقبلوا على مراكز التدريب والدراسة المهنية بنهم فريد، وانخرطوا ببسالة قل نظيرها في مناهج إتقان جميع المهن.



الصين تخفّض «الاحتياطي الإلزامي» في محاولة لتحفيز الاقتصاد

عمال في مصنع للسيارات الكهربائية بمدينة نانشانغ الصينية (رويترز)
عمال في مصنع للسيارات الكهربائية بمدينة نانشانغ الصينية (رويترز)
TT

الصين تخفّض «الاحتياطي الإلزامي» في محاولة لتحفيز الاقتصاد

عمال في مصنع للسيارات الكهربائية بمدينة نانشانغ الصينية (رويترز)
عمال في مصنع للسيارات الكهربائية بمدينة نانشانغ الصينية (رويترز)

خفّضت الصين، الجمعة، معدّل الاحتياطي الإلزامي المفروض على المصارف الاحتفاظ به، في خطوة من شأنها أن تتيح ضخّ نحو 142,6 مليار دولار من السيولة في الأسواق المالية. وهذا الخفض الذي كان البنك المركزي الصيني أعلن، الثلاثاء، عزمه على اللجوء إليه، يأتي غداة اجتماع عقده القادة الصينيون واعترفوا خلاله بوجود «مشكلات» جديدة في اقتصاد البلاد.

ومعدّل الاحتياطي الإلزامي هو نسبة مئوية من الودائع لا يحقّ للبنوك أن تتصرف بها؛ بل تحتفظ بها لدى المصرف المركزي. والثلاثاء، أعلن رئيس البنك المركزي الصيني أنّ بكين ستتّخذ إجراءات لتحفيز الاقتصاد أبرزها خفض الاحتياطي الإلزامي وخفض سعر الفائدة الرئيسي وسعر الفائدة على القروض العقارية.

ولا تزال السلطات الصينية تتوقع نمواً بنسبة 5 في المائة هذا العام، لكنّ محلّلين يعدون هذا الهدف متفائلاً جداً نظراً للعقبات الكثيرة التي يواجهها الاقتصاد.

وتعاني البلاد بشكل خاص من أزمة في القطاع العقاري وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب وتباطؤ استهلاك الأسر. وبعد مرور أكثر من عام ونصف العام على رفع القيود الصحية التي فرضتها السلطات لمكافحة «جائحة كوفيد-19»، وكانت تداعياتها كارثية على اقتصاد البلاد، لا تزال وتيرة النهوض الاقتصادي أبطأ من المتوقع.

وفي منتصف سبتمبر (أيلول) الحالي، أعلنت الصين أنها سترفع تدريجياً، بدءاً من العام المقبل، سن التقاعد القانوني، في إجراء غير مسبوق منذ عقود.

وبالتزامن، أظهرت بيانات رسمية، الجمعة، أن أرباح الصناعة في الصين عادت إلى الانكماش الحاد في أغسطس (آب) لتسجل أكبر انخفاض لها هذا العام، وهو ما يضيف إلى سلسلة من قراءات الأعمال القاتمة التي تشير إلى تزايد الضغوط على الاقتصاد.

وانخفضت الأرباح بنسبة 17.8 بالمائة في أغسطس مقارنة بالعام السابق بعد زيادة بنسبة 4.1 بالمائة في يوليو (تموز)، بينما ارتفعت الأرباح بوتيرة أبطأ بنسبة 0.5 بالمائة في الأشهر الثمانية الأولى مقارنة بنمو بنسبة 3.6 بالمائة في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى يوليو، وفقاً للمكتب الوطني للإحصاء.

وقال الإحصائي في المكتب الوطني للإحصاء وي نينغ إن الركود في أغسطس كان بسبب عوامل مثل «الافتقار إلى الطلب الفعال في السوق، والتأثير الأكبر للكوارث الطبيعية مثل ارتفاع درجات الحرارة والأمطار الغزيرة والفيضانات في بعض المناطق».

وقال تشو ماوهوا، الباحث في الاقتصاد الكلي في بنك «تشاينا إيفربرايت»، إن القاعدة الإحصائية العالية في العام الماضي أدت أيضاً إلى تضخيم الانعكاس، حيث أثر انخفاض الأرباح في صناعات السيارات والمعدات على النتيجة.

وأدى ضعف البيانات في وقت سابق من هذا الشهر إلى تفاقم المخاوف بشأن التعافي الهزيل، مما دفع شركات الوساطة العالمية إلى مراجعة توقعات نمو الصين لعام 2024 إلى ما دون الهدف الرسمي البالغ نحو 5 في المائة.

وفي تسليط للضوء على ضعف الطلب المحلي، وهو عنق زجاجة رئيسي للاقتصاد، وسط قلق بشأن الأمن الوظيفي، وتفاقم الركود في مبيعات العقارات والاستثمار، أعلنت شركة الألبان العملاقة المحلية «إنر مونغوليا» انخفاضاً بنسبة 40 بالمائة في صافي الربح بالربع الثاني.

وقال وي: «يظل الطلب الاستهلاكي المحلي ضعيفاً بينما البيئة الخارجية معقدة ومتغيرة».

وتخطط الصين لإصدار 284 مليار دولار من الديون السيادية هذا العام، بوصفه جزءاً من حافز مالي جديد، مع استخدام جزء من العائدات التي تم جمعها من خلال سندات خاصة لتوفير بدل شهري قدره 114 دولاراً لكل طفل لجميع الأسر التي لديها طفلان أو أكثر، باستثناء الطفل الأول، حسبما ذكرت «رويترز».

وأظهرت بيانات المكتب الوطني للإحصاء أن أرباح الشركات المملوكة للدولة انخفضت بنسبة 1.3 في المائة خلال الفترة من يناير إلى أغسطس، بينما سجلت الشركات الأجنبية ارتفاعاً بنسبة 6.9 بالمائة، في حين سجلت شركات القطاع الخاص زيادة بنسبة 2.6 في المائة. وتغطي أرقام الأرباح الصناعية الشركات التي تبلغ إيراداتها السنوية 20 مليون يوان (2.83 مليون دولار) على الأقل من عملياتها الرئيسية.