يغمرك شعور بالدفء والراحة ما إن تطأ قدماك مطعم «عين الخسفة»، في منطقة بيت مري المتنية. فهذا المكان الذي استوحي اسمه من نبع ماء يقابله، ومن أرض مائلة بني عليها، يعد عنواناً مشهوراً بتقديم أطباق المطبخ اللبناني الأصيل.
يعود تاريخ هذا المطعم إلى نحو نصف قرن، عندما قرر خليل أبو شديد أن يكون محله محطة يقصدها أصدقاؤه ومعارفه في كل مرة، رغبوا في تناول لقمة طيبة. «كانت مساحة المطعم أصغر مما هي عليه حالياً»، يقول رولان أبو شديد، الذي أخذ على عاتقه إكمال مسيرة والده، وتطويرها على طريقته. فوالده الذي لا يزال يزور المطعم بين وقت وآخر، أراد أن يسلمه هذا الإرث، سيما وأن الابن تخرج في مدرسة الفندقية.
ويتابع رولان في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لم أرغب في أن أغير أسلوب الطعام الذي عرف به مطبخنا منذ سنوات طويلة. لذلك أضفت إلى لائحة الطعام أطباقاً جديدة، ووسعت مساحته كي يستوعب عدداً أكبر من الزبائن».
سياح أجانب ولبنانيون مقيمون ومغتربون يقصدون مطعم «عين الخسفة» كلما سنحت لهم الفرصة. فهو لا يزال يحافظ على نفس مذاق أطباقه منذ تأسيسه، خاصة أن من يقوم بتحضيرها هم أهل البيت من والدي رولان وأخواته.
يشتهر هذا المطعم بتتبيلة الدجاج المشوي على الفحم، وكذلك بأطباق المازة التي تزين موائده. «لدينا أكثر من نحو 30 طبقاً مختلفاً من المازات والسلطات اللبنانية العريقة»، يشرح رولان لـ«الشرق الأوسط». ويتابع: «الخضراوات التي نستخدمها هي طازجة ومزروعة في أرضنا حول المطعم. أما الزبون الذي يخطر على باله طبق، غير موجود على لائحة الطعام كـ(فتة المقادم) والمحاشي وغيرها، فهو لا يتوانى عن الاتصال بنا لنحضره له بكل طيب خاطر».
مازة لبنانية بأطباق متنوعة
يطل المطعم على وادي بيت مري، فتحلو الجلسة مع الطبيعة الخلابة التي تحيط به. بعد أن تمّ توسيع المطعم وبناء شرفة زجاجية، أصبح مقصد الزبائن في جميع الفصول، إذ كان يستقبلهم فقط في فصل الصيف.
من صيدا وصور وطرابلس وبيروت يقصدون مطعم «عين الخسفة» في بيت مري. «إنهم يحبون تناول الدجاج المشوي المشهورين به. وقد تم تأليف أغنية خاصة من توقيع جيلبير أبي دامس تحكي عن طعم هذا الطبق وشهرته»، يشرح رولان أبو شديد، الذي لا ينفك يتجول بين طاولات الزبائن ليلقي عليهم التحية ويقف على طلباتهم شخصياً.
تختلف أنواع أطباق «عين الخسفة» بين التبولة والفتوش والحمص بالطحينة و«بابا غنوج» ولبنة بالثوم وشنكليش وبسطرمة وورق عنب بالزيت وبطاطا متبلة، وغيرها من المعجنات والرقائق المحشية بالجبن واللحم. كما يقدم إضافة إلى الدجاج واللحم المشوي، العصافير والكفتة المشوييين، وما إلى هنالك من أطباق معروفة على السفرة اللبنانية.
مطعم «عين الخسفة» وإطلالة جميلة على وادي بيت مري
وتتنوع الجلسات في هذا المطعم ليغمر بعضها الدفء في فصل الشتاء. فصاحب المكان خصص ركناً لهذا الموسم حول موقد على الخشب. وقد تم اختيار أثاثه ليتلاءم مع القعدة العربية المنخفضة المستوى. وحول مائدة خشبية مشغولة باليد ومصنوعة من الخشب الجبلي، تجلس على كراسي محفورة باليد من تصميم وتنفيذ رولان. وتطالعك على مدخل المطعم عربة خشبية معروض عليها منتجات لبنانية من مربات وعسل ومخللات و«رب البندورة». ويعلق رولان أبو شديد: «إنها منتجات بيتوتية تصنعها العمة أم إلياس. هذه المنتجات لا تدخلها أي مواد حافظة، وهي مصنوعة من مكونات طازجة».
ومن يرغب في التمتع بمنظر من الطبيعة المعروفة بها منطقة بيت مري وبأحراج أشجار الصنوبر الكثيفة في واديها، ما عليه إلا أن يحجز مائدة في أقصى يسار المطعم. ومن وراء الزجاج في الشتاء سيمتع نظره بهذه اللوحة الطبيعية. أما في فصل الصيف فسيلفح وجهه النسيم العليل الآتي من الوادي نفسه، فيشعر بالانتعاش والراحة.
مطعم «عين الخسفة» عنوان مشهور في منطقة المتن، ولذلك عليك أن تحجز مائدة فيه قبل أن تتوجه إليه. فهو يشهد زحمة زبائن خاصة في أيام عطلة الأسبوع، سيما وأن أسعاره ما زالت مدروسة ومقبولة، بالنسبة للبنانيين.
أطباق تقليدية ووصفات قديمة حافظت على أصالتها