«ملتقى الأزهر» يبرز جماليات الخط العربي

150 فناناً عربياً وأجنبياً يشاركون بـ350 عملاً بدورته الثانية

إقبال لافت على ملتقى الأزهر للخط العربي وسط القاهرة (الشرق الأوسط)
إقبال لافت على ملتقى الأزهر للخط العربي وسط القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

«ملتقى الأزهر» يبرز جماليات الخط العربي

إقبال لافت على ملتقى الأزهر للخط العربي وسط القاهرة (الشرق الأوسط)
إقبال لافت على ملتقى الأزهر للخط العربي وسط القاهرة (الشرق الأوسط)

بين جدران الجامع الأزهر العتيق، وسط القاهرة التاريخية، يشهد ملتقى الخط العربي والزخرفة، الذي يستمر حتى يوم 28 فبراير (شباط) الجاري، إقبالاً كثيفاً من محبي الخط العربي، المصريين والوافدين الأجانب، الذين يدرسون بجامعة الأزهر.
ويشارك في الملتقى 170 فناناً من 50 دولة عربية وأجنبية، بعضهم طلاب أجانب من خريجي جامعة الأزهر، قدموا من ماليزيا وتايلاند وباكستان وأوزباكستان، وتشهد الدورة الثانية عرض 350 عملاً، ما يجعله أكبر ملتقى للخط العربي في العالم، بحسب وصف منظمي الملتقى.
وبينما يهتم فنانو أميركا وإيطاليا وبولندا، باللون وتفاصيل الأرضية، فإن الفنانين العرب، يهتمون أكثر بالزخارف العربية المعروفة سواء كانت مملوكية أو فاطمية، بحسب الفنان إسماعيل عبده، قوميسير الملتقى.
ويقول عبده، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، إن «الفنان السعودي عبد الله الفتيني، يشارك بلوحتين بالخط الكوفي؛ الأولى نسجها على أرضية سوداء مستخدماً تقنية الحفر بالخط الأبيض (كتاب مرقوم)، والأخرى كتب فيها الآية الكريمة (في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون)».
ووفق عبده، فإن «الفنانين الأجانب سبق لهم دراسة الخط العربي بقواعده المعروفة، واهتموا بالتعبيرية في اللوحة، حيث يظهر التكنيك لديهم مختلفاً عن الفنانين العرب الذين يهتمون أكثر بالزخارف».
ويلفت إلى أن «بعض الفنانين الأجانب، يشاركون في الملتقى للمرة الأولى، على غرار الفنانة اليابانية باندا كازومي، التي تعلمت الخط الكوفي في القاهرة، على يد الفنان صلاح عبد الخالق، كما تشارك الفنانة الإيطالية أنتونيلا ليوني، بلوحتين استخدمت فيهما تقنية (الإيبرو)، التي ترسم خلالها على الماء أولاً، ثم تنقله على الورق، الذي يمتص الأشكال والألوان الموجودة، وهي تقنية صعبة، لها ألوان بخواص معينة لا تختلط بالماء، وهي تقنية معروفة منذ عقود طويلة، لكنها غير منتشرة، وتُصنع بها أشكال بالقلم والفرشاة والخشب والأمشاط، وتساعد في تحقيق انسجام لوني، وحركة غير تقليدية يصعب تنفيذها باليد».

                      لوحة الفنان محمد أبو موسى   -  الفنانة الإيطالية أنتونيلا أمام لوحتها «الإسراء والمعراج» (الشرق الأوسط)

فيما يشارك شيخ الخطاطين المصريين، خضير البورسعيدي، بالملتقى بـ3 لوحات؛ الأولى بخط الثلث، ومساحتها متران، كتب فيها الآية الكريمة «فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون»، بجانب لوحة بخط النسخ، كما يشارك الفنان سعد غزال، وشيرين عبد الحليم، وعبده الجمال، ومحمد حسن، وأحمد فتحي طلبة، وجمال محمود وهم أصحاب فضل كبير على أجيال تتلمذت على أيديهم، وهناك لوحات لفنانين راحلين منهم الفنان محمد إبراهيم الإسكندراني، ولديه لوحة استثنائية تحمل القرآن الكريم كاملاً كتبها بالخط الفارسي، ولوحتان لمحمود إبراهيم سلامة، كتب في الأولى المصحف كاملاً بخط الثلث، أما الأخرى فبالخط الديواني، وكتب عليها «إن الله جميل يحب الجمال».
ويقول الفنان محمد أبو موسى، لـ«الشرق الأوسط»، إنه يشارك بلوحة بخط الثلث، كتب فيها آية الكرسي كاملة، واعتمد على الأسلوب الكلاسيكي، وهي عبارة عن مشكاة، ظهر فيها لفظ الجلالة بالخط الأحمر العنابي، وشكل باقي جسم المشكاة بنص الآية الكريمة بلون أخضر زيتون، وجعل نقطتي كلمة (العلي) قاعدة للوحة، باللون البني، فيما ظهرت الأرضية بالأصفر الخفيف.
من جهتها، قالت الفنانة الإيطالية أنتونيلا ليوني، التي تعيش في القاهرة منذ عام 2015، وتشارك للمرة الثانية في الملتقى، لـ«الشرق الأوسط»: «أشارك بالدورة الجارية بـ3 لوحات، الأولى موضوعها (رحلة الإسراء والمعراج)، مساحتها متران ومصنوعة من ورق البردي، وقد جعلت البراق بحجم اللوحة، أما الآية الكريمة فقد رسمتها بخط النسخ على 7 أسطر لتحيل بشكل رمزي إلى السماوات السبع، معتمدة على الرمز، حتى يتعلم الأطفال، وننمي خيالهم».
وذكرت أنتونيلا أنها استخدمت طريقة الإيبرو التي يقوم فيها الماء بدور أساسي في رسم اللوحة، وجعلتها تبدو مجسمة، بعد أن استوحت شكل البراق من كتب المخطوطات القديمة.
فيما أبرزت اللوحة الثانية للفنانة الإيطالية أنتونيلا، أجنحة الملائكة، ورسمت براقاً يصعد إلى السماء، وفي الثالثة رسمت ملاكاً يهبط مع الروح، على شكل جوهرة وكتبتها بخط النسخ لترمز مجازياً للسماوات السبع.
كما تعرض الفنانة الليبية فريال الدالي، لوحة تحمل اسم الله بالخط الكوفي، وتحتها كتبت بالخط الديواني الآيتين الكريمتين 172 و173 من سورة آل عمران بالخط الديواني، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «تحمّست للمشاركة في ملتقى الأزهر للخط العربي والزخرفة؛ لما لهذه المؤسسة المصرية العريقة من مكانة كبيرة في نفوسنا».

الفنانون العرب يهتمون أكثر بالزخارف العربية المعروفة (الشرق الأوسط)



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».