بوركينا فاسو... 60 سنة من الصراع على السلطة

واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو (شاترستوك)
واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو (شاترستوك)
TT

بوركينا فاسو... 60 سنة من الصراع على السلطة

واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو (شاترستوك)
واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو (شاترستوك)

توجهت أنظار العالم يوم الاثنين 24 يناير الماضي إلى بوركينا فاسو (أعالي الفولتا سابقاً)، في أعقاب أنباء تأكدت لاحقاً عن سيطرة الجيش على السلطة في واغادوغو، ووُضع الرئيس روك مارك ‏كريستيان كابوري قيد الإقامة الجبرية. كابوري هو الرئيس المنتخب الذي تولى حكم البلاد عام 2015 بعد انتفاضة شعبية أطاحت بسلفه بليز كومباري الذي حكم بوركينا فاسو لمدة 27 سنة.
ورغم أن الآمال كانت معقودة على كابوري في تحقيق الأمن والرخاء، فإن الأوضاع على الأرض كانت مختلفة. ففي عام 2015 نفسه دخلت بوركينا فارسو حرباً شرسة ضد الإرهاب. وزادت حالة الفوضى في البلاد بعد إعادة انتخاب كابوري لفترة رئاسية ثانية عام 2020، وأصبحت الهجمات الإرهابية شبه يومية، مهددة بانفلات السيطرة والسلطة على أجزاء كاملة من بوركينا فاسو. وهكذا، أدى فشل كابوري في تنفيذ وعده للشعب البوركيني بالقضاء على الإرهاب، إلى تصاعد الغضب ضده، ومن ثم، بالإطاحة به في انقلاب عسكري.
تاريخياً تعد الانقلابات العسكرية وسيلة طبيعية للوصول إلى سدة الحكم في بوركينا فاسو. فهذه الدولة الواقعة في الغرب الأفريقي، والبالغ تعداد سكانها 20 مليون نسمة، شهدت منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960 ثمانية انقلابات عسكرية، رصدها الدكتور سعيد ندا، في مقاله بمجلة «قراءات أفريقية». وهذه الانقلابات بدأت بانقلاب أبو بكر سانغولي لاميزانا عام 1966 على أول رئيس منتخب بعد الاستقلال موريس ياميوغو،. تلاه انقلاب ساي زِربو عام 1980، فانقلاب غابريل يوريان سومي عام 1982، وانقلاب بليز كومباوري وتوماس سانكارا عام 1983 على جان بابتيست درويت، ثم انقلاب كومباوري عام 1987 على سانكارا، وانقلاب الجيش عام 2014 على كومباوري، وانقلاب مجموعة عسكرية من الحرس الرئاسي على ميشيل كافاندو، وآخرها انقلاب بول - هنري سانداوغو داميبا.
لقد خضعت بوركينا فاسو للحكم العسكري معظم الوقت، ويُعد كابوري الرئيس المدني الثاني في تاريخها بعد الدبكتاتور كومباوري الذي حكم البلاد 27 سنة، حسبما ذكر تقرير مجلس العلاقات الخارجية الأميركي. وتعد بوركينا فاسو واحدة من أفقر الدول الأفريقية، إذ تحتل المركز 182 من أصل 188 دولة على مؤشر التنمية التابع للأمم المتحدة، ويعيش ثلث سكانها على أقل من دولار أميركي في اليوم، كما تواجه صعوبات في مجالات الصحة والتعليم وغيرها من مجالات التنمية.
ونتيجة لحالة الاضطراب السياسي وضعف التنمية، وجدت الجماعات الإرهابية والمتطرفة المسلحة مساحة للعبث في الساحة البوركينية كغيرها من الدول الأفريقية التي تشهد صراعات مماثلة. وبدأ تنظيما «القاعدة» و«داعش» التوغل في البلاد عام 2015، ما تسبب، حسب تقديرات الأمم المتحدة، في نزوح مليون ونصف مليون بوركيني، وإغلاق المدارس، فضلاً عن وفاة نحو ألفي شخص. كذلك تفاقمت الأمور بعد مقتل 100 شخص في هجوم على بلدة منتصف العام الماضي على يد ميليشيات آتية من مالي، فتواصلت الاحتجاجات ضد الرئيس على مدار الشهور الماضية مطالبةً إياه بالاستقالة.
لذلك لم تكن مشاهد الاحتفال في شوارع واغادوغو بالانقلاب الأخير غريبة. فالشعب البوركيني اعتاد على هذه الطريقة لتغيير الحكم، كما أنه «يرى الانقلاب فرصة لاستعادة الاستقرار والأمن في البلاد، وتخفيف حدة المعاناة الاقتصادية والأمنية، فالناس والجنود يموتون يومياً»، وفقاً لما نقله الراديو الوطني الأميركي عن أحد المتظاهرين المحتفلين في شوارع العاصمة البوركينية.



محاولة انقلابية فاشلة في دولة بنين

صورة أرشيفية لمتظاهرة تحمل علم بنين خارج البرلمان في العاصمة بورتو نوفو أبريل 2017 (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لمتظاهرة تحمل علم بنين خارج البرلمان في العاصمة بورتو نوفو أبريل 2017 (أ.ف.ب)
TT

محاولة انقلابية فاشلة في دولة بنين

صورة أرشيفية لمتظاهرة تحمل علم بنين خارج البرلمان في العاصمة بورتو نوفو أبريل 2017 (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لمتظاهرة تحمل علم بنين خارج البرلمان في العاصمة بورتو نوفو أبريل 2017 (أ.ف.ب)

أعلنت السلطات في دولة بنين اعتقال قائد الحرس الجمهوري ورجل أعمال مُقرّب من رئيس البلاد ووزير سابق في الحكومة، إثر تورّطهم في مخطط لقلب نظام الحكم بالقوة، في البلد الذي كان يعد واحداً من أكثر ديمقراطيات أفريقيا استقراراً، ولكنه يشهد منذ سنوات توتراً سياسياً متصاعداً، واتهامات بالتحول نحو «الديكتاتورية».

وقالت السلطات القضائية، الأربعاء، على لسان المدعي العام لدى محكمة الجرائم الاقتصادية والإرهاب، إن «قائد الحرس الجمهوري المكلف بحماية رئيس الدولة، تلقى اتصالات من الوزير السابق أوزوالد هوميكي، ورجل الأعمال أوليفييه بوكو لتنفيذ انقلاب بالقوة يوم 27 سبتمبر (أيلول) 2024».

وفي هذه الأثناء أعلنت محكمة الجرائم الاقتصادية والإرهاب، أنها اعتقلت قائد الحرس الجمهوري دجيمون ديودوني تيفويدجي، في حدود الساعة الواحدة من فجر يوم الثلاثاء الماضي، حين كان يتسلّم من وزير الرياضة السابق أوزوالد هوميكي، أكياساً من النقود تجاوزت قيمتها مليوني يورو.

وقال المدعي العام إن القائد العسكري والوزير السابق جرى اعتقالهما «أثناء عملية تسليم مبلغ مليار وخمسمائة مليون فرنك غرب أفريقي (ما يزيد قليلاً عن مليوني يورو)»، مشيراً إلى أن المحكمة قررت «فتح تحقيق لتحديد جميع الأشخاص المتورطين» في محاولة الانقلاب.

وتشير المعلومات الصادرة عن السلطات القضائية في بنين إلى أن المبالغ التي كان الوزير السابق ينوي تسليمها لقائد الحرس الجمهوري مصدرها رجل الأعمال أوليفييه بوكو، الصديق المقرب من الرئيس باتريس تالون، وفي نفس الليلة اعتقل رجل الأعمال.

خلفيات سياسية

رجل الأعمال أوليفييه بوكو (60 عاماً)، كان حتى وقت قريب واحداً من أكثر الرجال قرباً من الرئيس باتريس تالون، وهو مالك مجموعة «Dfa» للإمدادات الغذائية، ويوصف بأنه اليد اليمنى للرئيس تالون منذ نحو 20 عاماً.

إلا أن العلاقة بينه الرئيس ورجل الأعمال بدأت تتوتر منذ العام الماضي، حين بدأ رجل الأعمال يظهر طموحات سياسية ورغبة في حكم البلاد، وبدأت تتشكل كتل سياسية تدعم ترشح رجل الأعمال للانتخابات الرئاسية المقبلة (2026)، وأصبح يقدم من طرف بعض الأوساط على أنه الخليفة المثالي للرئيس الحالي باتريس تالون.

وفي عام 2023، استقال وزير الرياضة السابق أوزوالد هوميكي (المعتقل معه حالياً)، بعد أن دعا إلى دعم ترشح أوليفييه بوكو لخلافة الرئيس تالون، الذي يحكم بنين منذ 2016، وأعيد انتخابه عام 2021، ويمنعه الدستور الحالي من الترشح لولاية رئاسية ثالثة.

وتشير أوساط سياسية عديدة إلى أن تالون استاء كثيراً من طموحات رجل الأعمال، وهو الذي يرفض الإفصاح عن مستقبله السياسي، وإن كان يفكر في تعديل الدستور للبقاء في الحكم لفترة أطول، كما سبق وفعل عدد من قادة أفريقيا، رغم ما ينطوي ذلك على مخاطر سياسية.

ردود فعل

على المستوى الداخلي في بنين، تزيد هذه الاعتقالات من تعقيد الوضع السياسي، وذلك ما عبرت عنه مجموعة من المحامين عقدت مؤتمراً صحافياً يوم الثلاثاء، قالت فيه إن على السلطات أن تفرج فوراً عن أوليفييه بوكو، قبل أن يصفوا اعتقاله بأنه «اختطاف خارج القانون».

وقال المحامون: «في الوقت الذي نعقد فيه هذا المؤتمر الصحافي، لا يمكن لعائلته ولا نحن كمحامين عنه، معرفة مكان أو حالة السيد بوكو، الذي ربما يكون محروماً من الطعام وخاصة من أدويته». وأضاف المحامون أن «هذا الانتهاك الصارخ للإجراءات القانونية يحدث في سياق لم يكن فيه السيد بوكو عرضة لأي إجراء قضائي، ولم يتم استدعاؤه أو إصدار أي أمر بالقبض عليه».

من جهة أخرى، أصدرت مجموعة سياسية تدعم ترشح بوكو للرئاسة في عام 2026، بياناً دانت فيه اعتقاله ووصفته بأنه «انتهاك خطير للحقوق الأساسية»، و«اضطهاد سياسي واضح»، و«أساليب قمعية غير مقبولة».

ويأتي هذا الاعتقال ليدعم خطاب المعارضة حين تتهم الرئيس باتريس تالون بالتحول نحو الحكم الاستبدادي في بنين، التي كانت تُعتبر واحدة من أكثر الديمقراطيات استقراراً في المنطقة.

السياق الدولي

بعد اعتقال رجل الأعمال وقائد الحرس الرئاسي، واتهامه بمحاولة قلب نظام الحكم، يزداد الوضع السياسي غموضاً في بنين، خاصة فيما يتعلق بمستقبل الديمقراطية، في ظل موجة الانقلابات التي تجتاح دول غرب أفريقيا.

وتعد دول الساحل، المحاذية لدولة بنين، بؤرة موجة الانقلابات العسكرية، وهي مركز الصراع الدائر بين روسيا والصين من جهة، والغرب من جهة أخرى، والذي أصبحت دائرته تتسع لتشمل دول غرب أفريقيا عموماً.

وتقعُ دولة بنين في عمق غرب أفريقيا، مطلة على المحيط الأطلسي، وخاصة خليج غينيا الاستراتيجي، وتحدها من الشمال دولتا النيجر وبوركينا فاسو، وهما البلدان اللذان يحكمان من طرف الجيش، وتوجها نحو التحالف مع روسيا، بعد قطيعة علنية مع الغرب، وخاصة فرنسا.

وسبق أن وجهت دول الساحل (النيجر، مالي وبوركينا فاسو) اتهامات إلى بنين بأنها تحولت إلى مركز للقواعد العسكرية والاستخباراتية الفرنسية، بل إن النيجر قطعت العام الماضي جميع اتفاقيات التعاون الأمني والعسكري مع بنين، وأغلقت الحدود بين البلدين.

واندلعت إثر ذلك أزمة حادة بين النيجر وبنين، تتعلق بتصدير إنتاج النيجر من النفط، وهي الدولة الحبيسة التي كانت تعتمد على الموانئ في بنين، ودخلت الصين على الخط لنزع فتيل الأزمة، بصفتها متضررة من الأزمة حيث تتولى استغلال أكبر الحقول النفطية في النيجر.