يرتبط اسم الممثلة سينتيا كرم بالمسرح اللبناني، كونه يشكل محور غالبية أعمالها. ومن خلال مسلسل «بكّير» تدخل عالم الدراما التلفزيونية لأول مرة، لتخطف انتباه المشاهد بشخصية «نورا» التي تجسدها. «نورا» الفتاة الطيبة ابنة القرية، والبسيطة في تلقفها أمور الحياة وعقباتها، تقدمها كرم بتلقائية واحترافية. استطاعت عبر هذا الدور أن تشكل حالة اجتماعية اكتسحت وسائل التواصل الاجتماعي.
فالناس أحبوا «نورا» إلى حد جعلهم ينتظرون إطلالتها عبر الشاشة بحماس. كما راحوا يتداولون عباراتها الجبلية اللكنة وقفشاتها الكوميدية، بعد أن تحولت إلى ضيفة عزيزة على قلوبهم.
تعلق سينتيا كرم: «لم أتوقع كل هذا النجاح للدور، ولكني كنت على يقين أنه سيعجب المشاهد. أعتبر نفسي أقوم بعملي على أكمل وجه، ولذلك حصدت ردود فعل إيجابية أفتخر بها».
لا تنكر سينتيا تأخرها في دخول عالم الدراما، وتعلل الأسباب بانشغالها بأعمالها المسرحية. كما تعترف بأنها لم تتلقَ عرضاً مناسباً يحمسها لدخول الدراما. «كانت عروضاً خجولة بحيث لم تتح لي الفرصة لانتقاء ما يلائمني».
منذ أن قرأت سينتيا الدور الذي ستلعبه في «بكير» من كتابة كلوديا مرشيليان حتى أغرمت به وراحت تخيطه في خيالها، وتطرزه بأدواتها التمثيلية.
تعرفت إلى نساء كثيرات يشبهن «نورا»، كما اخترعت للشخصية قالباً مميزاً بمشيتها وبلغة جسدها. «اعتمدت على اللهجة البقاعية، واستوحيت بعض عباراتها من بلدات رياق وبعلبك وقب إلياس وصولاً إلى دير الأحمر التي صورنا فيها المسلسل. راقبت النسوة في تلك المناطق كيف يضحكن ويمشين ويتصرفن مع الآخر. وجاءت كاميرا المخرج سمير حبشي، لتبرز كل هذه التفاصيل التي عملت عليها».
سينتيا كانت مترددة وخائفة من عدم استطاعتها إيصال شخصية «نورا» إلى المشاهد، تماماً كما رسمتها بتفاصيلها الدقيقة. ولكنها سعدت بكاميرا المخرج حبشي الذي عرف كيف يبرز كل هذه التغليفة بدقة.
«دجحش» أي جحش بالعامية، تشكل محط كلام عند «نورا» التي تستخدمها في كل مرة ترغب في الإشارة إلى قساوة الرجل، صار يرددها الكبير والصغير في لبنان. «في الحقيقة هذه الكلمة التقطتها من فتاة بقاعية صغيرة أوصلتها مرة إلى مدرستها. واليوم أتفاجأ بالناس الذين ألتقيهم على الطرقات يبادرونني بها، وهم يضحكون. أشعر بالسعادة كوني استطعت أن (أحفر عند) المشاهد إلى هذه الدرجة. وفخورة بأن كل الجهد الذي بذلته أثمر نتيجة رائعة».
تعترف سينتيا أنها لجأت إلى الارتجال مرات كثيرة لإضفاء التلقائية إلى شخصية نورا وتقريبها أكثر إلى المشاهد. تؤكد أن نورا هي شخصية موجودة في مجتمعاتنا وأنها لم تخترعها. تتابع: «هي موجودة في كل منا، وبعض الأشخاص يخاف من إخراجها إلى النور فيدفنها في أعماقه. هي تلقائية في تصرفاتها، وسذاجتها جميلة نلمسها عندما تضحك وتبكي وتنفعل. برأيي أننا جميعنا ولدنا أشخاصاً طيبين. لكن الحياة والبيئة التي نعيش فيها تترك أثرها علينا، وتسهم في تحويلنا إلى نماذج مختلفة».
تعرضت سينتيا إلى حملة تنمر إثر إطلالة لها في برنامج حواري صباحي، إذ بدت على طبيعتها بشعرها «المنفوش» ومن دون ماكياج. تقول في سياق حديثها: «لم أتنبه لهذه الحملة لولا قراءتي لرد كتبه صديقي برونو طبال دفاعاً عني على (السوشيال ميديا). فأنا منذ أن تجاوزت الثلاثين من عمري تغيرت كثيراً ولم تعد أمور كهذه تلمسني أو تزعجني.
تؤكد كرم أن الطيبة موجودة
مرّنت نفسي على تقبل الآخر، وأن أبادله الحب إذا ما اقترف خطأ معي. مارسوا علي التنمر من خلال بشاعتي، كما يقولون، فلماذا علي أن أنزعج أو أشعر بالإهانة؟ الموضوع لم يمس عملي كممثلة، بل شكلي الخارجي. أجبت هؤلاء بالقول اضحكوا مني أو علي، ولكن المهم ألا تفقدوا ضحكتكم. وعلى فكرة فإن الشريحة الكبرى ساندتني ووقفت إلى جانبي».
لكن ألا تعتبرين أنك تبالغين في المثالية في هذا الموضوع؟ ترد: «طالما حلمت أن أرزق بطفل وأربيه على طريقتي كي ينمو بفرح وينشر المحبة. ظروفي وعملي المضني لم يساعداني على تحقيق هذا الحلم. لذلك أشعر اليوم بأني (أم الكل) وأتعامل مع الناس على هذه القاعدة. ولا تسأليني لماذا؟ على فكرة أنا فخورة بتجاعيد وجهي وبالإرهاق الظاهر على ملامحي بسبب تقدمي في العمر».
لا تستبعد سينتيا فكرة تحسين شكلها الخارجي عند الحاجة، وتقول: «أتمنى ألا أحتاجها يوماً. مرات عندما أقف أمام المرآة أشد وجهي كي أرى التحولات التي يمكن أن تصيبني إثر عملية من هذا النوع.
وقد أقبل على هذا الموضوع شرط ألا تتبدل ملامحي. وهو أكثر ما يؤخرني عن القيام بهذه الخطوة إذ تنقصني الشجاعة».
وعما إذا كانت لا تحبذ المبالغة التي تعتمدها بعض الممثلات في تجميل أنفسهن، ولا سيما حقن البوتوكس والفيلر، توضح: «كل شخص هو حر بنفسه، ولا يهمني التعليق على شكل هذه الممثلة أو تلك. الأهم أن تحب المرأة نفسها، وأن تكون معجبة بما أحرزته من عملية تحسين على وجهها.
لكني في المقابل أتساءل لماذا بعضهن من الجميلات يحجمن عن رؤية جمالهن الطبيعي ويبالغن في التحسين؟».
ترى كرم أن بينها وبين شخصية «نورا» نقاط تشابه كثيرة، بطيبتها أو بحبها، أو بحرصها على الآخر. وتعلق: «أعتقد أن ما أنا عليه هو نعمة من رب العالمين، فلم يهبني دماغ إنسان. بل أعطاني قلباً يعرف الحب. ومع الأسف هناك أشخاص نسوا قلوبهم واستبدلوها بجهاز خلوي، فصار محور حياتهم الأساسي».
يتناول مسلسل «بكير» موضوعات اجتماعية وإنسانية كثيرة، بينها الإدمان على المخدرات والعنف الأسري والزواج المبكر وعمالة الأطفال.
لكن أياً منها كان الأهم بنظر سينتيا؟ ترد: «أكثر موضوع يهمني هو حرمان الأم من أطفالها، فهو أمر غير مقبول، ولا يليق بالإنسان. فمهما أخطأت تبقى أمومتها الغالبة عندها. وأقول لمن يحاول أن يسرق منها هذا الحق، إنه مهما فعل فإن الولد لا يمكن أن يكره أمه، بل يتحسر على غيابها في قرارة نفسه».
تتحدث الممثلة اللبنانية عن الدراما اليوم، وتصفها بأنها في حالة نهضة لافتة. كما تشير إلى المواهب اللبنانية الفذة التي تتفتح يوماً بعد يوم وتشكل إضافة لهذه الصناعة. فكما في التمثيل والإخراج، كذلك في فن الإضاءة والتصوير والأزياء والماكياج، وجميعهم ينتظرون الفرص ليبرزوا. ولكن ما هي الفرصة التي تنتظرها بدورها؟ تقول: «لا يجب أن ننتظر الفرص، بل أن نكون حاضرين وجاهزين لها في أي وقت دقّت بابنا.
ولذلك علينا أن نعمل باجتهاد وأن نتابع أعمالاً سيئة وأخرى ممتازة، فجميعها تزودنا بخلفية مهنية نتعلم منها. لذلك لا يجب أن نكون كسولين وخمولين، بل أن نتمتع بالنشاط، كي نستطيع استثمار الفرص عندما تصادفنا».
تصنف الممثلين اليوم بثلاثة أصناف، فبينهم من هو جاهل ويدعي، وآخر يحب أن يتعلم من دون حدود.
كما هناك من يعتقد أن موهبته لا شبيه لها وأنه يمارس مقولة «أنا أو لا أحد». نسألها مَن هي الممثلة التي لفتتك بتطورها؟ «إنها نادين نسيب نجيم، فهي عرفت كيف تتعلم وتكتسب التجارب. وحالياً تحصد ما زرعت من جهد.
لفتني كثيراً أداؤها في مسلسل (2020)، كانت رائعة فأبهرتني بأدواتها وأدائها».
في المقابل، ترى أن هناك ممثلين كثراً لم يستطيعوا أن يفجروا كامل طاقتهم بعد، كفؤاد يمين وديامان بو عبود وباتريسيا نمور وغيرهم.
وعن ثنائيتها مع بشارة عطا الله في مسلسل «بكير»، تقول: «بشارة ممثل وإنسان رائع وقد ولد بيننا تناغم سريع منذ أن بدأنا في التمرينات للمسلسل.
فهو يحرص على إراحة الممثل الذي يقاسمه العمل، وأحياناً يمارس نوعاً من اليوغا، كي يشعره بطاقة إيجابية». بعيداً عن الدراما التلفزيونية، تستعد سينتيا كرم للمشاركة في مسرحيتين، واحدة بعنوان «نحنا وناطرين نوح» من ضمن مهرجان «4 أمتار مربعة للتغيير» على مسرح «دوار الشمس».
وثانية مع زميلها برونو طبال الذي سيمثل ويخرج العمل بعنوان «كوكتيل ميزون» بالتعاون مع «المركز الثقافي الفرنسي».