موقف «الخارجية» اللبنانية من أزمة أوكرانيا يشعل انقساماً سياسياً

TT

موقف «الخارجية» اللبنانية من أزمة أوكرانيا يشعل انقساماً سياسياً

أشعل بيان وزارة الخارجية اللبنانية حول الأزمة الأوكرانية، انقساماً داخلياً في لبنان، تعرض إثره وزير الخارجية عبد الله بوحبيب للانتقاد، بالنظر إلى أن الموقف لم يُعرض على الحكومة، وسط مطالب بالتزام الحياد في السياسة الخارجية.
وكانت «الخارجية اللبنانية» قد أدانت مساء أول من أمس (الخميس)، «اجتياح الأراضي الأوكرانية»، ودعت روسيا إلى «وقف العمليات العسكرية فوراً وسحب قواتها منها والعودة إلى منطق الحوار والتفاوض كوسيلة مثلى لحل النزاع القائم بما يحفظ سيادة وأمن وهواجس الطرفين ويسهم في تجنيب شعبي البلدين والقارة الأوروبية والعالم مآسي الحروب ولوعتها».
وأثار البيان جملة استفسارات بالنظر إلى أنه «غير منسق»، حيث نُقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، أنه فوجئ بصدور البيان من دون التشاور معه وبمنأى عن مجلس الوزراء، فيما قال وزير الثقافة محمد مرتضى، المحسوب على بري، إن «المادة 65 من الدستور تنيط بمجلس الوزراء وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات، فلا يمكن لوزير الخارجية أن يُصدر أي موقف حول أي نزاع دون الرجوع إلى مجلس الوزراء، وإلا يكون قد حدد منفرداً (السياسة العامة للدولة) وهي صلاحية لا يحوزها».
من جانبه، أعرب وزير العمل مصطفى بيرم، القريب من «حزب الله»، عن استغرابه لبيان الخارجية اللبنانية «الذي صدر مخالفاً لمبدأ الحياد الذي أعلنته الحكومة اللبنانية فضلاً عن عدم التشاور في ذلك وتحميل لبنان تبعات الدخول في مثل هذا النزاع ذات الأبعاد الخطيرة».
ولم يقتصر الاعتراض على الموقف على آلية صدوره بمعزل عن مجلس الوزراء، بل وصل إلى مضمونه، وسأل وزير التربية عباس حلبي عبر حسابه على «تويتر»: «ألم يكن من مصلحة لبنان أكثر الحياد من أن يأخذ موقفاً منحازاً والدعوة إلى حل الصراع بالطرق السلمية وعن طريق الحوار؟». وطالب «حزب الله» وزير الخارجية بإيضاح موقفه، وقال النائب عنه إبراهيم الموسوي: «ينأون بأنفسهم ويدّعون الحياد حيث يشاءون، ويتدخلون ويُدينون أيضاً حيث يشاءون». وسأل: «أي سياسة خارجية يتّبعها لبنان، وأين مصلحة لبنان في ذلك؟».
واستباقاً لأزمة دبلوماسية مع روسيا، أفادت إذاعة محلية بأن الوزير بوحبيب التقى أول من أمس (الخميس)، سفير روسيا الاتحادية لدى لبنان «وأعرب له عن أسفه أن لبنان بصدد إصدار بيان إدانة للعملية العسكرية الروسية، وأن هذا الموقف غير موجّه ضدّ دولته، ولا نرغب أن يؤثر على العلاقة الثنائية الوطيدة».
وفي مقابل استنكار قوى لبنانية لموقف «الخارجية» ومطالبتها بالاعتذار عنه، قام سفيرا فرنسا وألمانيا لدى لبنان بزيارة وزير الخارجية لشكر لبنان على البيان حول الأزمة الأوكرانية - الروسية وتمنيا استمرار لبنان على موقفه هذا، وطلبا مشاركة لبنان في تبني القرار المقدّم أمام مجلس الأمن حول الأزمة والتصويت عليه في الجمعية العامة لاحقاً.
وذكرت وكالة الأنباء «المركزية» أن بوحبيب أبلغ السفيرين أن «موقف لبنان ثابت ونابع من حرصه على الالتزام بمبادئ الشرعية الدولية والقانون الدولي التي تشكل الضمانة الأساسية لحماية السلم والانتظام الدوليين وسلامة أراضي الدول الصغيرة، خصوصاً أن لبنان عانى الأمرّين من الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته المستمرة حتى اليوم». كما أبلغ الوزير السفيرين الألماني والفرنسي «امتناع لبنان عن المشاركة في تبني القرار المقدم أمام مجلس الأمن وأنه ستتم دراسة الموقف اللبناني لناحية التصويت في حال إحالة القرار إلى الجمعية العامة بالتشاور مع المجموعة العربية».
وقال بوحبيب إن «الموقف اللبناني ليس موجهاً ضدّ روسيا الاتحادية أو أي دولة أخرى صديقة، وإنما موقف مبدئي وراسخ اتخذه وسيتخذه لبنان في كلّ أزمة مشابهة».
وأفيد بأن الاجتماعات التي عقدها الوزير مع سفراء أوكرانيا، وبولندا، ورومانيا، وفرنسا، وألمانيا، أتت في سياق البحث بموضوع مناقشة احتمال إجلاء اللبنانيين من أوكرانيا، وفقاً لتطور الأوضاع الأمنية.
على الضفة اللبنانية، تواصلت الانتقادات لبوحبيب من قوى سياسية مؤيدة لروسيا. وقال رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان عبر «تويتر»: «حين نرفض التدخّل في شؤوننا الداخلية ونعد ذلك خرقاً لسيادة وطننا، علينا الالتزام بعدم التدخل في شؤون الآخرين والدول». ‏وأضاف: «بيان الخارجية اللبنانية لا يعبّر عن موقف لبنان الذي يعتزّ بالعلاقات التاريخية مع روسيا الاتحادية، الأجدى بنا التفرّغ لمشكلاتنا وأزماتنا والعمل على معالجتها».
وأعربت سفارة روسيا الاتحادية في بيروت عن دهشتها من بيان وزارة الخارجية اللبنانية «لمخالفتها سياسة النأي بالنفس واتخاذها طرفاً ضدّ طرف آخر في هذه الأحداث، علماً بأن روسيا لم توفر جهداً في المساهمة بنهوض واستقرار الجمهورية اللبنانية».
وقالت في بيان إنّ «أساس سياسة روسيا الاتحادية ليست سياسة التعدي على المصالح الأوكرانية بل حفظ للأمن القومي الروسي بفعل التهديدات التي شكّلها نظام كييف بعد تنصله من تنفيذ الكثير من الاتفاقيات لا سيما اتفاقيات مينسك». وأضافت أن «روسيا لم تشنّ حرباً بل هي عملية خاصة تهدف إلى حماية مواطنين روس وبناءً على طلب جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك بعد اعتراف رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين باستقلالهما». وأكدت السفارة الروسية في لبنان أن موسكو «تسعى دوماً لإرساء السلام وتعزيز الأمن ومحاربة كلّ الأشكال العدائية وأن يكون لكلّ دولة الحق في حماية أمنها القومي بما في ذلك حماية مواطنيها».



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.