وصايا كانط للآباء: لا تحولوا أطفالكم إلى «دكاترة»

ينبغي أن يتعلموا الأشياء التي تناسب أعمارهم

وصايا كانط للآباء: لا تحولوا أطفالكم إلى «دكاترة»
TT

وصايا كانط للآباء: لا تحولوا أطفالكم إلى «دكاترة»

وصايا كانط للآباء: لا تحولوا أطفالكم إلى «دكاترة»

انعكست روح «عصر الأنوار» في قلب مشروع الفيلسوف إيمانويل كانط (1724 - 1804)، فهو نموذج يمثل خلاصة ما تمخض عنه القرن الثامن عشر... إنه صاحب الكتب الشهيرة التي انتقد فيها العقل وحاكمه لإبراز الحدود بين ما يمكن معرفته وبين ما نفكر فيه فقط، كما كتب في السياسة، وتحدث عن الشروط التي من خلالها يمكن تحقيق السلام العالمي بين الشعوب، واهتم أيضاً بالتربية، وهذا ربما لا يعرفه كثير من الباحثين. وفي هذا المجال، أصدرت «دار الرافدين» في بداية هذه السنة ترجمة لكتاب كانط في التربية قام بها جوزيف معلوف، علماً بأن هناك ترجمة سابقة لهذا الكتاب من الفرنسية، أنجزها محمود بن جماعة، ونشرتها «دار محمد علي» عام 2005، ولم يشر إليها جوزيف معلوف في مقدمة ترجمته.
إن التغيرات الكبرى التي طرأت في الزمن الحديث غيرت رؤية العالم جذرياً وجعلت الإنسان يحتل المركز، ليصبح هو المنطلق وهو المنتهى؛ إنه فاعل وصانع لمصيره وتاريخه، وهذه التغيرات فرضت التفكير في مفهوم التربية من جديد وإعادة تشكيله، فظهرت العديد من الكتابات في هذا المجال، ولعل أبرزها وأكثرها صيتاً مؤلف جان جاك روسو، وهو بعنوان: «إميل أو التربية»، الذي يمكن أن نقول عنه إنه قد عبر عن لحظة انبثاق مفهوم الطفل؛ إذ يقول روسو: «الطفولة لها طرقها في النظر والتفكير والشعور خاصة بها، فمن غير المعقول أن نحاول استبدال طرقنا بها». كان روسو يرفض تلك الطرائق التربوية التي تريد التعامل مع الطفل كأنه راشد؛ إذ لا يمكن جعل الأطفال «شباباً دكاترة» و«أطفالاً مسنين».
كان كانط شديد الإعجاب بروسو واستشهد به أكثر من مرة في كتابه، وهو يعترف بأنه سار على منوال روسو: «ينبغي للأطفال أن يتعلموا الأشياء التي تناسب عمرهم فحسب؛ إذ يسعد الكثيرون من الأهل بنضج ذريتهم المبكر، ولكن كقاعدة عامة، لا شيء سيحصل مع هؤلاء الأولاد. على الطفل أن يكون ذكياً ولكن كطفل فحسب».
يوضح كانط في كتابه أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يحتاج إلى تربية، وهذه التربية رباعية الأركان، تبدأ بالرعاية، ثم الانضباط، فالتعليم، بلوغاً مرتبة التنشئة الأخلاقية التي هي الغاية القصوى من كل تربية تريد كمال البشرية. وهو يولي اهتماماً كبيراً للانضباط في المرحلة الأولى للطفولة، فالانضباط هو الذي يحول الطبيعة الحيوانية إلى طبيعة إنسانية، وإرسال الأطفال إلى المدرسة لا يكون في البداية من أجل التعلم المعرفي والتنشئة الذهنية فقط؛ بل من أجل الانضباط، وإذا لم يَجرِ الأمر بشكل جيد؛ فسيؤثر على الناشئة في كبرها، فـ«أي خطأ في الانضباط يصعب إصلاحه فيما بعد»، فكانط يرى أن إهمال تعليم الطفل قد يجعل منه رجلاً «خشناً» وهو «ما يمكن تداركه، لكن إهمال انضباط الطفل؛ فهذا شر أكبر تصعب مراجعته».
إن ميزة كتاب كانط في التربية هو نزوعه الكوني؛ إذ يؤكد بإلحاح على ضرورة وضع مخططات تربوية تحسن من وضع الإنسان في المستقبل، وتتلاءم مع غايته، التي ما هي سوى خلق فضاء تصان فيها كرامة الإنسان ويعامل فيها بصفته غاية لا وسيلة، «فإذا كان الحيوان يشتغل بمؤهلاته تلقائياً وعفوياً وبلا وعي منه، فالإنسان يحتاج إلى جهد لاستثمار مؤهلاته وبذوره الأصلية وأخذها نحو غايتها القصوى والتي هي مزيد من الأخلاق».
لذلك يرى كانط أن «التربية أهم مشكلة تطرح على الإنسان، فهي عمل عسير وتراكمي لا بد فيه من تضافر جهود الأجيال المتلاحقة، أو لنقل ببساطة إن التربية هي صناعة تتجاوز الطبيعي من جهة، ومن جهة أخرى؛ فإن تنوير الأفراد أمر سهل، لكن تنوير عصر بأكمله يتطلب وقتاً طويلاً».
وبالعودة لأهمية التخطيط التربوي، يقول كانط إن «الطبيعة لم تضع فينا أي غريزة تخص التربية، فهي مسألة تحتاج إلى فن صناعي؛ إما يكون عشوائياً وآلياً دون تخطيط أو توجيه محكم فينفلت منا الأمر، وإما يكون عملاً قائماً على النظر والتفكير والروية»، أي باختصار؛ على التربية أن تصبح علماً «يحمل طابعاً عالمياً»، ومن دون هذا التحول من التربية العفوية إلى التربية المخطط لها؛ فإننا، بحسب كانط، لن ننتظر شيئاً يذكر، إذ يمكن عندئذ وبسهولة لجيل أن يقوض كل ما بناه جيل آخر.
ويتوقف كانط عند التنشئة الجسدية، وقدم وجهة نظره في السبل التي من خلالها نقوي جسم الطفل، فنجده يسأل عن حليب الأم أم حليب الحيوان؟ وأيهما الأنسب للطفل؛ بل ماذا يجب على الأم أن تأكل لتحسين الرضاعة؛ اللحم أم النبات؟. وما العمل في حال نفاد حليب الأم؟... كما يناقش مسألة قماط الرضيع... هل هو مناسب له أم لا؟ ليطالبنا بالتخلي عن عادة لف الرضع كالمومياء للسماح له بالحرية أكثر، على اعتبار أن اللحظات الأولى المبكرة من التربية ينبغي أن تكون سلبية، بحيث لا نضيف كثيراً على ما تقدمه الطبيعة. كما يبدي وجهة نظره حول بعض الأساليب المتبعة في التربية؛ إذ يدعو مثلاً إلى ترك الطفل يبكي، فهو مفيد له ولدورته الدموية، وإلى عدم الإسراع في إسكاته؛ لأن ذلك قد يخلق لديه «الدلال» مستقبلاً، كما يضيف كانط رأيه في تعليم الطفل المشي، فهو يرى أن الأمر يجب أن يأتي بتلقائية، ولذلك ينبغي ترك الطفل يمشي بمفرده، ما عدا وضع سجادة له لتجنب الأذى بسبب السقوط.
إجمالاً يفكر كانط في التربية كما يفكر روسو؛ أي بضرورة ترك الطفل في مستهل حياته للطبيعة دون تدخل كثير، واستخدام عدد أقل من الأدوات في التعلم، وهذا يثير في زماننا الراهن أسئلة كثيرة، حيث أصبحت الأدوات الرقمية تغزو الطفل من كل صوب، في عملية اجتياح؛ بل إجهاض لطبيعته الأصل.
لا تأتي صفحة من كتاب كانط إلا وهي تضم رأياً حول ما يجابهه المربي واقعياً: كاللعب، والتعامل مع طلبات الطفل، والعناد...، وتعلم اللغات، وتعلم الجغرافيا والتاريخ... والعقاب، والكذب، والحسد، والواجب، والتعاطف، والشفقة، والثقة بالنفس... إلخ. إن علم التربية تطور كثيراً في عصرنا الراهن، لكن رغم ذلك لا يزال كتاب كانط محتفظاً ببعض من الجدة والطرافة، أو على الأقل إنه يحمل بعض ملامح التأسيس الأول لما نحن عليه الآن.
وأخيراً لا بد من أن نختم بشيء ما زال مثار نقاش في عالمنا العربي؛ بل في العالم، وهو المتعلق بسؤال التربية الدينية، حيث خصص له كانط حيزاً في كتابه، داعياً إلى الانطلاق في التربية الدينية من الأخلاق أولاً، ثم اللاهوت ثانياً، وليس العكس، كما أنه ينبغي إبعاد الطفل من الخوف وجعله مبتهجاً كالشمس، فالدين الذي يجعل الفرد قاتماً هو من وجهة نظر كانط باطل؛ «فخدمة الله ينبغي أن تكون بقلب فرح وليس بالإكراه».


مقالات ذات صلة

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت
TT

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

قبل عشرين عاماً، خاض محرر في دار «بلومزبري للنشر» مخاطرة كبيرة إزاء كتاب غير عادي للغاية. فهي رواية خيالية أولى لسوزانا كلارك، تدور أحداثها في إنجلترا بالقرن التاسع عشر، وتحكي قصة ساحرين متنازعين يحاولان إحياء فنون السحر الإنجليزي المفقود. كانت المخطوطة غير المكتملة مليئة بالهوامش المعقدة التي تشبه في بعض الحالات أطروحةً أكاديميةً حول تاريخ ونظرية السحر. وكانت مؤلفة الكتاب سوزانا كلارك محررة كتب طهي وتكتب الروايات الخيالية في وقت فراغها.

أطلقت «جوناتان سترينج والسيد نوريل»، على الفور، سوزانا كلارك واحدةً من أعظم كُتاب الروايات في جيلها. ووضعها النقاد في مصاف موازٍ لكل من سي. إس. لويس وجيه. أر. أر. تولكين، وقارن البعض ذكاءها الماكر وملاحظاتها الاجتماعية الحادة بتلك التي لدى تشارلز ديكنز وجين أوستن. التهم القراء الرواية التي بِيع منها أكثر من أربعة ملايين نسخة.

تقول ألكساندرا برينغل، المحررة السابقة في «دار بلومزبري»، التي كُلفت بطباعة أولى بلغت 250 ألف نسخة: «لم أقرأ شيئاً مثل رواية (جوناتان سترينج والسيد نوريل) في حياتي. الطريقة التي خلقت بها عالماً منفصلاً عن عالمنا ولكنه متجذر فيه تماماً كانت مقنعة تماماً ومُرسومة بدقة وحساسية شديدتين».

أعادت الرواية تشكيل مشاهد طمست الحدود مع الخيال، مما جعلها في القائمة الطويلة لجائزة «بوكر» وفازت بـ«جائزة هوغو»، وهي جائزة رئيسية للخيال العلمي والفانتازيا. وبسبب نجاح الرواية، نظمت جولات لها عبر الولايات المتحدة وأوروبا، ومنحتها «دار بلومزبري» لاحقاً عقداً ضخماً لرواية ثانية.

ثم اختفت كلارك فجأة كما ظهرت. بعد فترة قصيرة من إصدار الرواية، كانت كلارك وزوجها يتناولان العشاء مع أصدقاء بالقرب من منزلهما في ديربيشاير بإنجلترا. وفي منتصف الأمسية، شعرت كلارك بالغثيان والترنح، ونهضت من الطاولة، وانهارت.

في السنوات التالية، كافحت كلارك لكي تكتب. كانت الأعراض التي تعاني منها؛ الصداع النصفي، والإرهاق، والحساسية للضوء، والضبابية، قد جعلت العمل لفترات طويلة مستحيلاً. كتبت شذرات متناثرة غير متماسكة أبداً؛ في بعض الأحيان لم تستطع إنهاء عبارة واحدة. وفي أدنى حالاتها، كانت طريحة الفراش وغارقة في الاكتئاب.

توقفت كلارك عن اعتبار نفسها كاتبة.

نقول: «تم تشخيص إصابتي لاحقاً بمتلازمة التعب المزمن. وصار عدم تصديقي أنني لا أستطيع الكتابة بعد الآن مشكلة حقيقية. لم أعتقد أن ذلك ممكن. لقد تصورت نفسي امرأة مريضة فحسب».

الآن، بعد عقدين من ظهورها الأول، تعود كلارك إلى العالم السحري لـ«سترينج ونوريل». عملها الأخير، رواية «الغابة في منتصف الشتاء»، يُركز على امرأة شابة غامضة يمكنها التحدث إلى الحيوانات والأشجار وتختفي في الغابة. تمتد الرواية إلى 60 صفحة مصورة فقط، وتبدو مقتصدة وبسيطة بشكل مخادع، وكأنها أقصوصة من أقاصيص للأطفال. لكنها أيضاً لمحة عن عالم خيالي غني لم تتوقف كلارك عن التفكير فيه منذ كتبت رواية «سترينج ونوريل».

القصة التي ترويها كلارك في رواية «الغابة في منتصف الشتاء» هي جزء من روايتها الجديدة قيد التأليف، التي تدور أحداثها في نيوكاسل المعاصرة، التي تقوم مقام عاصمة للملك الغراب، الساحر القوي والغامض الذي وصفته كلارك بأنه «جزء من عقلي الباطن». كانت مترددة في قول المزيد عن الرواية التي تعمل عليها، وحذرة من رفع التوقعات. وقالت: «لا أعرف ما إذا كنت سوف أتمكن من الوفاء بكل هذه الوعود الضمنية. أكبر شيء أكابده الآن هو مقدار الطاقة التي سأحصل عليها للكتابة اليوم».

تكتب كلارك على طريقة «الغراب» الذي يجمع الأشياء اللامعة. وتصل الصور والمشاهد من دون سابق إنذار. تدون كلارك الشذرات المتناثرة، ثم تجمعها سوياً في سردية، أو عدة سرديات. يقول كولين غرينلاند، كاتب الخيال العلمي والفانتازيا، وزوج كلارك: «إنها دائماً ما تكتب عشرات الكتب في رأسها».

غالباً ما يشعر القارئ عند قراءة رواياتها وكأنه يرى جزءاً صغيراً من عالم أكبر بكثير. حتى كلارك نفسها غير متأكدة أحياناً من القصص التي كتبتها والتي لا توجد فقط إلا في خيالها.

تقول بصوت تعلوه علامات الحيرة: «لا أتذكر ما وضعته في رواية (سترينج ونوريل) وما لم أضعه أحب القصص التي تبدو وكأنها خلفية لقصة أخرى، وكأن هناك قصة مختلفة وراء هذه القصة، ونحن نرى مجرد لمحات من تلك القصة. بطريقة ما تعتبر رواية (جوناتان سترينج والسيد نوريل) كخلفية لقصة أخرى، لكنني لا أستطيع أن أقول إنني أعرف بالضبط ما هي تلك القصة الأخرى».

في الحوار معها، كانت كلارك، التي تبلغ من العمر 64 عاماً ولديها شعر أبيض لامع قصير، تجلس في غرفة المعيشة في كوخها الحجري الدافئ، حيث عاشت هي والسيد غرينلاند منذ ما يقرب من 20 عاماً.

ويقع منزلهما على الامتداد الرئيسي لقرية صغيرة في منطقة بيك ديستريكت في دربيشاير، على بعد خطوات قليلة من كنيسة صغيرة مبنية بالحجر، وعلى مسافة قصيرة سيراً على الأقدام من حانة القرية التي يزورونها أحياناً. ويساعد هدوء الريف - حيث لا يكسر الصمت في يوم خريفي سوى زقزقة الطيور وثغاء الأغنام بين الحين والآخر - كلارك على توجيه أي طاقة تستطيع حشدها للكتابة.

في يوم رمادي رطب قليلاً في سبتمبر (أيلول)، كانت كلارك تشعر بأنها على ما يرام إلى حد ما، وكانت قد رفعت قدميها على أريكة جلدية بنية اللون؛ المكان الذي تكتب فيه أغلب أوقات الصباح. كانت تحمل في حضنها خنزيراً محشواً، مع ثعلب محشو يجاورها؛ ويلعب كل كائن من هذه المخلوقات دوراً في رواية «الغابة في منتصف الشتاء». تحب أن تمسك حيواناتها المحشوة أثناء العمل، لمساعدتها على التفكير، وكتعويذة «لدرء شيء ما لا أعرف ما هو. يفعل بعض الناس أشياء كالأطفال، ثم مع التقدم في العمر، يتخلون عن الأشياء الطفولية. أنا لست جيدة للغاية في ذلك».

نظرت إلى الخنزير وأضافت: «لا أرى حقاً جدوى في التقدم بالعمر».

ثم استطردت: «أكبر شيء يقلقني هو كم من الطاقة سأحتاج للكتابة اليوم؟».

وُلدت سوزانا كلارك في نوتنغهام عام 1959، وكانت طفولتها غير مستقرة، إذ كان والدها، وهو قس مسيحي، يغير الكنائس كل بضع سنوات، وانتقلت عائلتها ما بين شمال إنجلترا وأسكوتلندا. في منزلهم البروتستانتي، كان إظهار العواطف غير مرغوب فيه؛ ولذلك نشأت كلارك، الكبرى من بين ثلاثة أبناء، على الاعتقاد بأن التقوى تعني أنه «ليس من المفترض أن تفعل في حياتك ما يجعل منك إنساناً مميزاً»، كما تقول.

*خدمة: «نيويورك تايمز»