طهران: لا يزال الطريق طويلاً أمام الاتفاق في فيينا

شمخاني يستبعد «انفراجة» تسفر عنها المفاوضات المباشرة مع واشنطن

سيارة الشرطة النمساوية أمام مقر المحادثات بشأن النووي الإيراني أمام قصر كوبورغ في فيينا (أ.ف.ب)
سيارة الشرطة النمساوية أمام مقر المحادثات بشأن النووي الإيراني أمام قصر كوبورغ في فيينا (أ.ف.ب)
TT

طهران: لا يزال الطريق طويلاً أمام الاتفاق في فيينا

سيارة الشرطة النمساوية أمام مقر المحادثات بشأن النووي الإيراني أمام قصر كوبورغ في فيينا (أ.ف.ب)
سيارة الشرطة النمساوية أمام مقر المحادثات بشأن النووي الإيراني أمام قصر كوبورغ في فيينا (أ.ف.ب)

تراوح القضايا العالقة بين إيران والغرب مكانها، رغم مؤشرات التقدم في المحادثات الرامية لإحياء الاتفاق النووي. وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، أمس، إن «الطريق لا يزال طويلاً للوصول إلى نقطة الاتفاق»، وذلك بعد ثلاثة أيام على تأكيد مسؤول في الاتحاد الأوروبي، أن صفقة أميركية - إيرانية أصبحت قريبة في فيينا.
وأفاد خطيب زاده، بأن عملية التفاوض غير المباشرة بين طهران وواشنطن «أحرزت تقدماً ملحوظاً»، مشيراً إلى تقلص عدد ونطاق القضايا، لكنه شدد على أن «القضايا المتبقية التي يجب حلها هي الأكثر أساسية وصعوبة وجدية»، لافتاً إلى أن الفريق الإيراني بعد استئناف المحادثات الأسبوع الماضي، قدم مقترحات خطية بشأن القضايا المتبقية.
وقال خطيب زاده، «يمكننا الدخول إلى المرحلة النهائية من الاتفاق إذا رأينا التزاماً من الطرف الآخر في قضيتين أو ثلاث قضايا متبقية... ما زلنا نواصل المحادثات في هذا الصدد»، وتابع: «ننتظر القرارات الأوروبية والأميركية في هذا المجال، لكننا لا نرى إرادة لديهم في اتخاذ القرارات من جانبهم». وأضاف: «يجب رفع جميع العقوبات غير المتسقة مع تعهدات الطرف المقابل والمنفعة الاقتصادية التي وعدوا بها»، وأضاف: «هذا جزء من أصولنا، وما زلنا نتابع هذه القضايا في المفاوضات». والسبت، حذرت ألمانيا من تضاؤل الفرص في إنقاذ الاتفاق. وقالت إيران إنها ستحمل الغرب مسؤولية فشل المفاوضات. ويقول دبلوماسيون، إن رفع بعض العقوبات الحساسة على نحو خاص قد يتطلب أيضاً لقاءً مباشراً بين مسؤولين إيرانيين وأميركيين. وأفادت «رويترز»، الجمعة، عن مصادر مسؤولة من إيران ومنطقة الشرق الأوسط، بأن تحركاً من هذا القبيل سيحدث في نهاية المفاوضات.
وقال أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، إن «التفاوض مع أميركا ليس على جدول أعمال فريق التفاوض الإيراني لأنه لن يكون مصدراً لأي انفراجة». وتابع في تغريدة نشرها بعدة لغات، أمس، إن مفاوضات فيينا «كانت تجري منذ البداية بين إيران و4+1 وممثل الاتحاد الأوروبي، وسيستمر هذا المسار إلى أن يتم التوصل إلى نتيجة».
وقال خطيب زاده، أمس، إن المجلس الأعلى للأمن القومي «الهيئة التي تتخذ القرار في المفاوضات»، وقال إن «قيادة المفاوضات على عاتق الهيئة التي تضم رؤساء السلطات الثلاثة وهم مطلعون على تفاصيل المناقشات».
ويخضع المجلس الأعلى للأمن القومي، أعلى هيئة أمنية، لسيطرة المرشد علي خامنئي، صاحب كلمة الفصل في النظام، ويتخذ المجلس الذي يترأسه الرئيس الإيراني، القرارات المتعلقة بالسياسات الخارجية والأمنية، بتنسيق مع المرشد، وهي مهمة على عاتق الأمين العام في المجلس.
وكان يرد خطيب زاده ضمناً على رسالة وجهها أكثر من 250 نائباً، من أصل أعضاء المجلس الـ290 إلى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، شددوا فيها على ضرورة أن يكون أي تفاهم بشأن الملف النووي مرتبطاً بـ«الضمانات اللازمة» بأن الأطراف الغربية «لن تنسحب من الاتفاق النووي»، دون المساس بـ«الخطوط الحمر»، فضلاً عن رفع شامل للعقوبات، خصوصاً العقوبات المتعلقة بالصواريخ الباليستية، والإرهاب وحقوق الإنسان. كما طالبوا بحذف «آلية سناب بك» المنصوص عليها في الاتفاق النووي، التي تسمح بإعادة فرض العقوبات الدولية على طهران بحال مخالفتها الاتفاق، ورفع العقوبات المفروضة بمختلف مسمياتها.
وذكرت «رويترز»، الأسبوع الماضي، أن اتفاقاً أميركياً إيرانياً بدأت تتضح معالمه في فيينا بعد محادثات غير مباشرة على مدى أشهر لإحياء الاتفاق الذي انسحبت منه واشنطن في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب في 2018.
وأشارت مسودة نص الاتفاق إلى أن المرحلة الأولى تبدأ بوقف إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 و60 في المائة، وإطلاق سراح سجناء غربيين محتجزين في إيران مقابل الإفراج عن مليارات الدولارات الإيرانية من البنوك الكورية الجنوبية.
وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، السبت، إن بلاده مستعدة لتبادل سجناء مع الولايات المتحدة.
ونقلت وكالة «إيسنا» الحكومية عن الرئيس السابق لمركز التخطيط الاستراتيجي في وزارة الخارجية، مصطفى مصلح زاده، انتقادات لشاكلة المحادثات في فيينا. وقال «فريق المفاوضات الإيراني لم يقبل بسياسة الدومينو الأميركية - الأوروبية من أجل مد مسار المحادثات إلى القضايا الصاروخية والإقليمية، وهذه نقطة إيجابية».
وقال مصلح زاده، «من المؤسف أن شاكلة المحادثات هي الشاكلة في الحكومة السابقة... وهذه المشكلة الأولى التي يجب أن نسأل ماذا حدث لكي نقبل بأن يكون الطرف المقابل لنا مجموعة 5+1 (الدول الخمس دائمة العضوية بالإضافة لألمانيا) وهذه الشاكلة غير المناسبة والسيئة». وقال «في أفضل الأحوال حتى لو كانت روسيا والصين إلى جانبنا، ما زلنا الطرف الخاسر».



إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
TT

إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)

إلى جانب الأهداف المتعددة، بما في ذلك الإقليمية والداخلية، التي حققتها الهجمات الإسرائيلية ضد القدرات العسكرية للجيش السوري، حقق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطوة كبيرة نحو التحضير لهجوم واسع على إيران. فالحلم الذي راوده منذ 13 عاماً بتوجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني أصبح، من وجهة نظره، أمراً واقعاً. ولديه شريك مهم يشجعه على ذلك، وهو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

كان نتنياهو، ومن خلفه الجيش والمخابرات، مقتنعين بأن توجيه ضربة قاصمة للمشروع النووي الإيراني هو مشروع ضخم يفوق بكثير قدرات إسرائيل.

لذلك، حاول نتنياهو خلال الحرب جرّ أقدام الولايات المتحدة للقيام بالمهمة، لكنه فشل. فالرئيس جو بايدن ظل متمسكاً بموقفه مؤيداً للحوار الدبلوماسي مع طهران. غير أن الهجوم الذي شنته إسرائيل على إيران في 26 أكتوبر (تشرين الأول) غيّر القناعات. فقد كانت نتائج الهجوم قاسية على القدرات الدفاعية الإيرانية، وإيران أول من يعلم بذلك لكنها تفضل الصمت. وإذا أضفنا إلى ذلك أن خطة طهران لتطويق إسرائيل بأذرع عسكرية فتاكة تلقت ضربة قوية، حيث تم تدمير 60 إلى 70 في المائة من قدرات «حماس» العسكرية في غزة والضفة الغربية، وتدمير نصف قوة «حزب الله» على الأقل، فإنها قلّمت أظافر «الحرس الثوري» الإيراني.

طائرة مقاتلة إسرائيلية في مكان غير محدد في صورة نشرها الجيش في 26 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

ومع سقوط نظام بشار الأسد، أتيحت لإسرائيل فرصة مفاجئة ونادرة لضرب الجيش السوري، فاستغلتها دون تردد. وفي غضون أيام قليلة، دمرت سلاح الجو السوري وقواعده، وكذلك سلاح البحرية وموانئه، إلى جانب معظم الدفاعات الجوية وبطاريات الصواريخ. وكل ذلك دون أن تتعرض لإطلاق رصاصة واحدة، ليخرج الجيش الإسرائيلي من الهجوم بلا أي إصابة.

كما هو معروف، نفذ الجيش الإسرائيلي هذه العملية ليؤكد مكانته كأقوى جيش في المنطقة، ولإظهار أنه يرد على المساس به بمقاييس ضخمة غير مسبوقة في الحروب. كما كانت رداً على الانتقادات الداخلية في إسرائيل، خصوصاً بعد نقاط ضعفه التي ظهرت في 7 أكتوبر 2023 وخلال الحرب.

بالنسبة لنتنياهو، كانت العملية وسيلة لإثبات قوته السياسية لخصومه الذين يرونه «قائداً فاسداً ومحتالاً»، ولإظهار أنه يدير حرباً تحقق مكاسب هائلة. ومع سهولة انهيار نظام الأسد وتحطيم الجيش السوري، أصبحت هذه العملية تحقق مكسباً استراتيجياً لم تتوقعه أي مخابرات في العالم، ولم تتخيله أعتى الساحرات، حيث مهدت الطريق أمام نتنياهو للضربة التالية: إيران.

القبة الحديدية في إسرائيل تعترض الصواريخ الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

اليوم، تناقلت جميع وسائل الإعلام العبرية تصريحات صريحة لمسؤولين كبار في الحكومة والجيش الإسرائيليَّيْن، يؤكدون فيها أن «الهدف المقبل للجيش الإسرائيلي هو توجيه ضربة لإيران». وذكر هؤلاء المسؤولون أن العمليات العسكرية الجارية في سوريا تهدف إلى «تنظيف الطريق، جواً وبراً»؛ لتمهيد الطريق لضربة مباشرة ضد إيران. كما أشار البعض إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي يدرس توجيه ضربة قاصمة للحوثيين في اليمن كجزء من هذه الاستعدادات.

بالطبع، يعتقد الخبراء أن ضرب إيران «ليس بالمهمة السهلة. فهي لا تزال دولة قوية، تخصص موارد هائلة لتعزيز قدراتها العسكرية، وتتبع عقيدة لا تعترف بالهزيمة أو الخسارة».

بالنسبة لإيران، حسابات الربح والخسارة ليست محورية؛ إذ تحتفل بالنصر دون هوادة مهما كان الثمن الذي تدفعه باهظاً، خصوصاً عندما يكون الآخرون هم من يتحملون التكلفة.

وفي إسرائيل، كما في دوائر سياسية عديدة في الولايات المتحدة والغرب، يزداد الاقتناع بأن القيادة الإيرانية تدرك التحديات والأخطار المتراكمة ضدها. ويُعتقد على نطاق واسع أنها قد ترى الحل الوحيد أمامها يكمن في تسريع تطوير قدراتها النووية العسكرية، وصولاً إلى إنتاج قنبلتها الذرية الأولى.

صورة جوية تظهر سفناً للبحرية السورية استهدفتها غارة إسرائيلية في ميناء اللاذقية الثلاثاء (أ.ف.ب)

هذا الواقع يشجع إسرائيل على المضي قدماً في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، ليس فقط دفاعاً عن نفسها، بل أيضاً نيابة عن دول الغرب وحماية لمصالحها المشتركة. تدعم دول الغرب هذا التوجه. وقد بدأت إسرائيل بطرح هذا الملف منذ عدة أشهر أمام حلفائها، لكنها تطرحه الآن بقوة أكبر بعد انهيار نظام الأسد وتدمير قدرات الجيش السوري.

رغم إعجاب الغرب بالقدرات الإسرائيلية وإشادته بجيشها، الذي استطاع قلب الموازين وتحقيق مكاسب عسكرية بعد إخفاقه المهين أمام هجوم «حماس» في 7 أكتوبر، حيث يُتوقع أن تصبح هذه المكاسب مادة دراسية في الكليات الحربية، فإن هناك تساؤلات ملؤها الشكوك: هل هذه الحسابات الإسرائيلية واقعية ودقيقة؟ أم أنها تعتمد بشكل كبير على الغرور والغطرسة أكثر من التحليل المهني والتخطيط الاستراتيجي؟

إعلان مناهض لإسرائيل في طهران يظهر صواريخ إيرانية أبريل الماضي (إ.ب.أ)

وماذا سيكون موقف إسرائيل إذا تبين أن القيادة الإيرانية بدأت بالفعل الاستعداد للتحول إلى دولة نووية منذ التهديدات الأولى لها، وقد تُفاجئ العالم اليوم بإعلان تجربة نووية ناجحة، على غرار ما فعلته كوريا الشمالية عام 2007؟

وفي الداخل الإسرائيلي، تُطرح تساؤلات صعبة؛ أبرزها: «هل نخوض مغامرة كهذه، نخدم فيها الغرب وكل خصوم إيران في المنطقة، بينما ندفع نحن الثمن كاملاً؟».