هبة باردة، هبة ساخنة: هكذا يمكن توصيف التكتيك التفاوضي الذي يسخره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تعامله مع الغربيين وبينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يبذل جهوداً مكثفة لمنع انفجار الوضع في أوكرانيا وتعرضها لغزو روسي أو لعمليات هجينية متعددة الأشكال.
فبعد أن أعلن قصر الإليزيه عن الاتفاق لعقد قمة تضم الرئيسين الروسي والأميركي عقب اتصالين يوم الأحد مع الأول واتصال واحد مع الثاني، تراجعت موسكو نصف خطوة بقولها إن الحديث عن القمة «سابق لأوانه» من غير أن تغلق الباب نهائياً أمام حصولها. ولخصت مصادر الإليزيه أمس الجدل بشأن القمة بقولها إن ما تحقق نهاية الأسبوع هو «قبول مبدأ القمة وهو ما أكده البيت الأبيض ولم ينفه الكرملين».
أما الهبة الساخنة الثانية فمتعلقة بالوضع على خط وقف النار شرق أوكرانيا. فبعد أن أعلن قصر الإليزيه أن الرئيس إيمانويل ماكرون اتفق مع نظيره بوتين على الدفع باتجاه احترام اتفاق وقف النار على الخط الفاصل بين مناطق قوات الانفصاليين شرق أوكرانيا وإعادة تفعيل ما يسمى اللجنة الثلاثية «روسيا وأوكرانيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا» وكذلك «آلية نورماندي» «التي تضم فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا»، جاء الحديث عن الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك اللتين أعلنتا استقلالهما بشكل أحادي ليعيد الأمور مسافة إلى الوراء.
وتقول المصادر الرئاسية إن خطة ماكرون تقوم على مرحلتين: خفض التصعيد ونزع فتيل اندلاع الحرب من خلال انسحاب القوات الروسية المحيطة بأوكرانيا من الجنوب «شبه جزيرة القرم» ومن الشرق «الحدود المشتركة بين البلدين» ومن الشمال «الحدود الأوكرانية ــ البيلاروسية» إلى ثكناتها وتبريد خط الهدنة بين الانفصاليين والقوات المركزية.
والمرحلة الثانية تقوم على توفير الشروط الضرورية من أجل إطلاق مفاوضات حول موضوع الأمن في أوروبا الذي يتضمن توفير الضمانات الأمنية لكافة الأطراف بما فيها أوكرانيا وإيجاد حلول للمطالب الروسية الأساسية التي هي وقف تمدد الحلف الأطلسي إلى الشرق وتحديداً إلى أوكرانيا وسحب البنى العسكرية ومنظومات الصواريخ التي نشرها الحلف منذ أن بدأت بلدان أوروبا الشرقية بالانضمام إلى صفوفه.
والطريق إلى ذلك وفق باريس يمر من خلال القمة الثنائية الروسية ــ الأميركية تليها القمة الموسعة التي غرضها إعادة صياغة صورة الأمن والاستقرار في أوروبا. وتجدر الإشارة إلى أن 14 بلداً أوروباً انضم إلى النادي العسكري الغربي منذ انهيار حلف وارسو وتداعي الاتحاد السوفياتي بحيث أصبح الحلف يتشارك الحدود مع روسيا في دول بحر البلطيق الثلاث «إستونيا ولاتفيا وليتوانيا». وانضمام أوكرانيا له يعني تطويقاً شبه كامل من ناحية الغرب فيما الأطلسي يحاذيه من الجنوب عبر تركيا. يضاف إلى ما سبق، أن باريس كانت تأمل، وفق بيان الإليزيه وما أفادت به مصادره ليل الأحد ــ الاثنين، أن يحصل اجتماع بين وزيري خارجية فرنسا وروسيا سريعاً للنظر في التحضير للقمة التي سعى إليها ماكرون وحظي بموافقة مبدئية عليها من بايدن وبوتين. لكن في المحصلة، سيحل اجتماع لو دريان ــ لافروف يوم الجمعة في باريس ولكن سيعقب اجتماع لافروف ــ بلينكن الخميس في جنيف، الأمر الذي ينزع عنه جانباً من أهميته. ومع ذلك، قالت الخارجية الفرنسية أمس، إن الوزيرين سيقومان بـ«مشاورات تحضيرية للقمة التي اتفق عليها من حيث المبدأ» بين بوتين وماكرون وبين الأخير وبايدن. ومن جانبها، قالت المصادر الرئاسية إن «هناك حاجة لكل الطاقات الإيجابية» لتجاوز المخاطر الراهنة وإن الرئيس ماكرون يلعب دور «المسهل» ويبذل كل طاقته «لمنع وقوع حرب وتوفير شروط التفاوض من أجل الأمن في أوروبا». وبحسب الإليزيه، فإن المستشار الألماني أولاف شولتز الذي يرأس مجموعة السبع للدول الأكثر تقدماً سيدعو إلى اجتماع عبر تقنية الفيديو يوم الخميس القادم وإن مشاورات إضافية ثلاثية ستحصل بين وزراء خارجية فرنسا وروسيا والولايات المتحدة. يضاف إلى ذلك أن ماكرون، رغم اقتراب إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة «جاهز» لكل أنواع الاتصالات المفيدة.
وفي واشنطن، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس جو بايدن وافق «من حيث المبدأ» على الاجتماع مع الرئيس الروسي لمتابعة المسار الدبلوماسي. وقالت جين ساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض في بيان مساء الأحد إن الرئيس بايدن ملتزم بمتابعة المسار الدبلوماسي حتى لحظة بدء الغزو. وأشارت إلى أن بايدن وافق من حيث المبدأ على لقاء مع الرئيس بوتين بعد لقاء وزير الخارجية بلينكن ونظيره الروسي لافروف في وقت لاحق الأسبوع الحالي «إذا لم يحدث غزو». وقال بيان البيت الأبيض إن إدارة بايدن مستعدة للدبلوماسية وأيضاً لفرض عواقب وخيمة إذا اختارت روسيا الحرب بدلاً من ذلك.
تقول المصادر الرئاسية الفرنسية إن باريس «تبذل آخر جهودها والأكثر كثافة من أجل تجنب السيناريو الأسوأ في وقت تبدو المخاطر على أشدها» مضيفة أن الاهتمام ينصب على خط المواجهة من أجل تحييده كذريعة لعمليات عسكرية واسعة. ولأن «لا حرب اليوم بين أوكرانيا وروسيا، فهذا يدفعنا إلى مضاعفة الجهود الدبلوماسية للمحافظة على فرصة السلام وإطلاق مفاوضات مفيدة لأمن كافة الأطراف». وتضيف باريس أن جهود ماكرون أفلحت في «توفير أفق دبلوماسي عنوانه قمة أميركية ــ روسية تستكمل بقمة تجمع كافة الأطراف المعنية بالسلام والأمن في أوروبا وفق صيغة يتعين الاتفاق عليها»، بيد أنها تبقى مشروطة بعدم حصول غزو روسي وأن تتناول الملفات الرئيسية أي أمن أوكرانيا وأمن أوروبا.
ورغم أن المصادر الفرنسية تعترف بأن الشروط «غير متوافرة»، فإنها تبدو «متفائلة» حيث ترى أن تحفظ الكرملين يتوازى مع الطرح الفرنسي ولا يناقضه لجهة الحاجة إلى تحضير الملفات أولاً.
وكشفت المصادر الفرنسية أن ماكرون هو من اقترح على بايدن يوم الجمعة الماضي، قمة مع بوتين لغرض «تأخير الحرب أو منع اندلاعها» وأن بايدن طلب منه لاحقاً تقديم العرض إلى الرئيس الروسي الذي قبلها. وخلاصة الإليزيه أن «كل يوم يمر من غير حرب هو مكسب للسلام» وما يحصل أن الرئيس الفرنسي الذي يتحدث للجميع «يتحمل مسؤولياته ويسعى لتوفير شروط التفاوض».
وخلاصة المصادر الفرنسية أنه اليوم «يمكن الذهاب نحو القمة» الروسية ــ الأميركية ثم جمع الأطراف وأن «على بوتين الاختيار» بين انعقادها من عدمه. وكان هذا الكلام قبل اجتماع مجلس الأمن القومي وموافقته على الاعتراف بالجمهوريتين. وحتى مساء أمس، لم يصدر عن باريس ردة فعل على هذه المسألة التي من شأنها إعاقة إن لم يكن القضاء على الجهود الفرنسية. ورداً على سؤال حول إمكانية أن تعمد فرنسا إلى تقديم أسلحة إلى أوكرانيا وهم ما لم تفعله حتى اليوم، فإن الإليزيه يرى أن توفير الأسلحة مهما يكن نوعها وتكون كمياتها «لن يبعد خطر الحرب وأن أولوية باريس بالتفاهم مع الرئيس الأوكراني هي توفير شروط تراجع التصعيد والذهاب إلى المفاوضات».
الرئيس الفرنسي يلعب دور «المسهّل» وهدفه منع حرب في أوروبا
الإليزيه: ماكرون اقترح القمة على بايدن... والأخير طلب منه عرضها على بوتين
الرئيس الفرنسي يلعب دور «المسهّل» وهدفه منع حرب في أوروبا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة