محمد المهدي يستعرض رحلته «من الأحساء إلى القاهرة» بلغة تجريدية

أعمال تجريدية تدعو للتأمل والسلام الداخلي
أعمال تجريدية تدعو للتأمل والسلام الداخلي
TT

محمد المهدي يستعرض رحلته «من الأحساء إلى القاهرة» بلغة تجريدية

أعمال تجريدية تدعو للتأمل والسلام الداخلي
أعمال تجريدية تدعو للتأمل والسلام الداخلي

رحلة من الأحساء إلى القاهرة مسكونة بالذكريات والمؤثرات والنجاحات المختلفة خاضها التشكيلي السعودي محمد المهدي وسردها أيضاً في مجموعة من اللوحات الفنية التي يحتضنها معرضه الفردي الخامس المستمر حتى 25 فبراير (شباط) الجاري بغاليري «وهبة» بالقاهرة.
وعبر 28 لوحة يغلب عليها الطابع التجريدي، يتيح الفنان للمشاهدين مساحات واسعة وثرية من التواصل مع الحياة من دون حثهم على تفسير واضح لفنه.
تعكس اللوحات تأثير نشأة المهدي وثراء تجربته وتنوع مجالات عمله على لوحاته، فتشعر بالحضور الطاغي لينبوع إلهامه ومسقط رأسه «الأحساء» مدينة الجنان الخضراء الطبيعية الممتدة والعيون المحفوفة بالحقول وبساتين النخيل، إضافة إلى حبه الشديد للقاهرة، وتقديره البالغ للحركة الفنية بها.
يقول المهدي لـ«الشرق الأوسط»: «ولدت في الأحساء بالمملكة العربية السعودية، وهي واحة خضراء جميلة ومياه صافية، تربينا فيها منذ الصغر على حب الجمال وغرس الفن داخلنا، الذي ظل يلاحقني حتى عند التحاقي بالقوات الجوية إلى أن قدمت استقالتي بعد سنوات طويلة ومهمة من العمل، وصارت هناك نقلة كبيرة في حياتي ما بين مجالي هندسة الطيران والفن».
وأضاف أن «الرسم طاقة روحية، تركت عملي من أجله، رغم أنني كنت أشغل وظيفة مرموقة للغاية؛ ذلك لأن الفن بالنسبة لي جزء مكمل لحياتي، وسبب يعطيني الأمل، ويشعرني بأن الحياة لا تزال أمامي طويلة، أستطيع أن أحقق فيها أحلاماً ونجاحات كثيرة؛ ففي اللحظات التي أرسم فيها أشعر كما لو كنت في عنفوان شبابي، كل يوم أريد شيئاً جديداً ومعنى جميلاً، وأخرج الروح الشبابية المكنونة داخلي من خلال لوحة، لأن الفن هو نفسه حياة واستمرارية وموضوعاته وأفكاره وإبداعاته متجددة ولا تنتهي».
ووفق المهدي، فإنه استقر مجدداً في الأحساء بعد نحو 30 سنة من السفر والتنقل والغربة بسبب ظروف عمله: «كان من أهم الأشياء التي فعلتها بعد رجوعي هو إقامة معرض لي غلب عليه مشاهد من معشوقتي الأحساء، ومن ثم عشت بينها وبين مدينة القاهرة التي أقدرها كثيراً، وأتمتع فيها بصداقات عزيزة إلى قلبي لمدة 5 سنوات، وأثناء ذلك عرضت نشاطي الفني في القاهرة بعد نجاح معرضي في الأحساء، حتى أربط بين المكانين الرائعين، فأقمت معرضاً بالإسكندرية، وآخر بمتحف أحمد شوقي بالعاصمة، كما عرضت أعمالاً فنية في تكساس، إلى أن قررت إقامة هذا المعرض الجديد تحت عنوان «رحلة من الأحساء إلى القاهرة».
حضور الأحساء يبرز بوجه خاص في بالتة ألوانه التي انتقت ألوان الطبيعة فيها بعناية، ومن ضمنها البني والأزرق، يقول: «البني هو الأرض الممتدة في الأحساء، التي تتمتع بجبل اسمه جبل القارة، بكهوفه التي تضفي هالة من العراقة، وتحتل مكانة مميزة في قلوب شعب المملكة؛ فهي منحوتة نحتتها الرمال وجعلت فيها مغارات باردة في الصيف ودافئة في الشتاء، لتبدع منظراً جمالياً خيالياً، غني بالألوان التي تبهر الجميع، ومنها البيج والبني اللذان تأثرت بهما كثيراً، وأستعين بهما في أعمالي، كما أخذت من أشجار النخيل الموجودة فيها اللون الأخضر، مثلما أخذت الأزرق من لون السماء والمياه الصافية بها».
إلى هذا يضفي المهدي في لوحاته الكثير من ملامح روحه ورؤيته لما يحيط به، فتأتي الأعمال مجسدة للتغيرات الحاصلة في الحياة ولسلامه الداخلي؛ فيعد التأثير البصري للون على عين المشاهد، والتساؤل اللاحق حول ماهية اللون والشكل معاً مدخلاً لتسليط الضوء على مثالين جديرين على استكشاف الكيفية التي يمكن للفن التجريدي من خلالها إنتاج لغة بصرية جديدة للكشف عن المزيد من الأفكار والتجارب غير المعتادة في حياتنا.
ومن هنا يأتي تأثير القاهرة بكل زخمها الثقافي ومكانتها الفنية على معرضه عبر إلهامه وتحفيزه على اختيار التجريدية أسلوباً لأعماله بالمعرض، يضيف المهدي في سياق حديثه: «تزخر القاهرة بعدد كبير من النقاد والأكاديميين والمشاهدين المتذوقين للفن، ما يحفزني على تقديم أعمال تجريدية وإبداع ما بعد الحداثة، وأنتظر خوض حوارات فنية وفكرية ممتعة معهم تعيدني إلى المعرضين السابقين لي بمصر خلال السنوات القليلة الماضية».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».