العراق في حالة «انعدام وزن سياسي»

لعدم انتخاب رئيس الجمهورية... والحلبوسي يرد على تهديدات خصوم الصدر لتحالف «السيادة»

TT

العراق في حالة «انعدام وزن سياسي»

طبقاً لكل المؤشرات والتوقعات، فإن الوضع في العراق تخطى ما تسميه الطبقة السياسية العراقية «الانسداد السياسي»، إلى ما يمكن وصفه بحالة انعدام الوزن في كل شيء. ففيما تمكن التحالف الثلاثي (مقتدى الصدر ومسعود بارزاني ومحمد الحلبوسي) من تمرير رئيس البرلمان بأغلبية بدت مريحة (200 صوت من بين 220 عضواً حضروا الجلسة الأولى)، فإن خصوم هذا التحالف (الإطار التنسيقي الشيعي والاتحاد الوطني الكردستاني) تمكنوا من إفشال الاستحقاق الثاني الذي كان يتمنى الصدر وشركاؤه المضي به، وهو انتخاب رئيس الجمهورية المرشح الوحيد للحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري.
وفيما دخلت المحكمة الاتحادية على الخط بقوة بشأن صلاحية زيباري لرئاسة الجمهورية، فإن الجلسة الثانية التي كان يعرف التحالف الثلاثي بسبب «الثلث المعطل» عدم قدرته على تحقيق أغلبية الثلثين لتمرير مرشحه لم يحضرها سوى 58 نائباً هم المستقلون. التحالف الثلاثي اعتقد أنه وضع خصومه في الإطار التنسيقي ومعهم حزب الاتحاد الوطني في فخ عندما وضعت رئاسة البرلمان التي يسيطر عليها التحالف (رئيس البرلمان ونائباه الأول والثاني) فقرة انتخاب رئيس الجمهورية كواحدة من فقرتين، لكن التحالف كان أول مقاطعي تلك الجلسة. وطبقاً لما يقوله نائب عراقي سابق وقانوني في الوقت نفسه لـ«الشرق الأوسط»، فإن «هدف التحالف الثلاثي من وضع فقرة انتخاب رئيس الجمهورية في جلسة لم يحضرها أي نائب من أي كتلة لديها مرشح لمنصب رئيس الجمهورية كان لإخلاء مسؤولية البرلمان من مسألة تخطي التوقيتات الدستورية وإلقاء الكرة في ملعب القوى السياسية أولاً، ولكي ينفتح له الباب في فتح باب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية ثانية، لا سيما بعد قرار المحكمة الاتحادية منع ترشيح زيباري». ويمضي النائب والخبير القانوني، الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه، أن هذا «أتاح المجال للحزب الديمقراطي لترشيح بديل لزيباري هو ريبير أحمد بارزاني، كما أتاح المجال لعشرات آخرين ممن يرومون كسر إرادة الأحزاب والمكونات في احتكار المناصب السيادية».
وبالفعل كان عدد المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية ارتفع وفي غضون ثلاثة أيام، وهي المهلة الجديدة التي فتحتها رئاسة البرلمان، من 26 مرشحاً إلى 60 مرشحاً. وحيث لم يعلن البرلمان حتى الآن عن موعد جلسة جديدة لاختيار رئيس للجمهورية، فإن الجميع يترقب قرار المحكمة الاتحادية فيما يخص دستورية فتح باب الترشيح ثانية، حيث تنظر الآن بدعوى رفعها النائب باسم خشان بشأن ذلك. وفي حال أصدرت «الاتحادية» حكماً بإبطال فتح باب الترشيح، فإن هذا القرار في الوقت الذي يحرم فيه مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني الجديد من دخول «قصر السلام» لا يعني أن الطريق أصبحت سالكة أمام الرئيس الحالي ومرشح الاتحاد الوطني لولاية ثانية برهم صالح، بل يعني مزيداً من حالة انعدام الوزن في البلاد.
وطبقاً لما أبلغ به «الشرق الأوسط» قيادي صدري، فإن «الواقع السياسي الحالي بات يشير بوضوح إلى أن من الصعب على أي التحالفين (الثلاثي أو الإطار التنسيقي) تمرير مرشحه لرئاسة الجمهورية بسبب قرار الاتحادية الخاص بأغلبية الثلثين»، مبيناً أن «الحل لا بد أن يكون في نوع من التوافق بين مختلف الأطراف». ورداً على سؤال بشأن انتقادات خصوم التيار الصدري له بالتحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وزعيمه مسعود بارزاني الذي يتهم ببيع شحنات من النفط إلى إسرائيل، طبقاً لتوضيح المحكمة الاتحادية، يقول القيادي الصدري: «هذه الاتهامات نسمعها منذ عام 2003 وإلى اليوم، علماً بأنهم جميعاً تحالفوا مع الكرد، لأن التوضيح يشمل حكومة إقليم كردستان، وبالتالي فإن التهمة ليست لحزب أو شخص بعينه».
إلى ذلك، وبعد يوم من إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر رفضه «تهديد» حلفائه في مشروعه الخاص بحكومة الأغلبية الوطنية، أعلن رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي رفض تحالفه (السيادة) لغة التهديد والوعيد التي يستخدمها بعض الأطراف، في إشارة إلى القوى الشيعية بمن فيها الميليشيات والفصائل المسلحة القريبة من الإطار التنسيقي الشيعي. وكان الصدر قال في تدوينة له أول من أمس (الجمعة)، إنه «مرة أخرى تتصاعد أصوات الوحوش الكاسرة التي لا تعي غير التهديد. مرة أخرى يهددون الحلفاء والشركاء في حكومة الأغلبية الوطنية التي هي (لا شرقية ولا غربية)، بل يكاد نورها يضيء من جنبات العراق ومن وفيئه ونخله وترابه». وخاطب الصدر من اتهمهم بالتهديد: «ومن هنا أقول كفاكم تهديداً ووعيداً، فنحن لن نعيد البلد بيد الفاسدين ولن نبيع الوطن لمن خلف الحدود».
وفي هذا السياق، أعلن الحلبوسي ومعه العشرات من أعضاء تحالف السيادة رفضهم لغة التهديد، حيث خاطب الحلبوسي من هدد تحالفه دون تصريح أو تلميح قائلاً: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً». كما اتهم الحلبوسي ما وصفها بـ«إرادات غير منضبطة» بمحاولة «كسر هيبة الدولة». وبين الحلبوسي أنه «منذ البداية، اخترنا السياسة بديلاً عن السلاح الذي كان يرفع بوجهنا في مناطقنا ليقيننا أن العنف لا يبني الدول».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».