أجرى الرئيس الأميركي جو بايدن أمس (الجمعة)، سلسلة من الاتصالات الجماعية والفردية بقادة دول حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، في تصعيد للضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة في «الساعات الأخيرة» على روسيا، لحضها على الامتناع عن غزو أوكرانيا، أو على الأقل لكشف خططها في هذا المجال. وقال مسؤول في البيت الأبيض للصحافيين إن المحادثات «تركزت حول تعزيز روسيا للقوات العسكرية على الحدود مع أوكرانيا وتنسيق الجهود المشتركة والمستمرة لمتابعة سياسات الردع والدبلوماسية». وتأتي هذه المكالمات في ظل الأنباء عن اندلاع المزيد من الاشتباكات بين الانفصاليين المدعومين من روسيا والأوكرانيين، في إقليم دونباس، وتقديرات وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، عن بلوغ عدد القوات الروسية المحتشدة حول أوكرانيا، أكثر من 190 ألف جندي، وخطط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للإشراف على إطلاق صواريخ ذات قدرة النووية اليوم (السبت)، في تدريبات تجريها روسيا لأسلحتها الأكثر تدميراً.
وقال البنتاغون إن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، أجرى اتصالاً بنظيره الروسي سيرغي شويغو، أمس (الجمعة)، داعياً إياه إلى وقف التصعيد في الأزمة الأوكرانية. وجاء في بيان البنتاغون أن «أوستن دعا إلى وقف التصعيد وعودة القوات الروسية التي تطوّق أوكرانيا إلى قواعدها، والعمل على إيجاد حل دبلوماسي». هذا والتقى أوستن نظيره البولندي في وارسو، وعقد اجتماعاً منفصلاً مع الرئيس البولندي أندريه دودا، لمناقشة الأنشطة العسكرية الروسية في أوكرانيا وحولها، بما في ذلك في بيلاروسيا. وأعرب الوزير في بيان عن تقديره لالتزام بولندا القوي بالدفاع والردع لحلف الناتو، بما في ذلك التزامها المستمر «بأهداف الإنفاق الدفاعي لحلف الناتو واستضافة القوات الأميركية». وأضاف البيان أنه تم الاتفاق على أهمية الحفاظ على العلاقة الأمنية الوثيقة بين الولايات المتحدة وبولندا للدفاع والردع على طول الجناح الشرقي لحلف الناتو. هذا وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنها وافقت مبدئياً على بيع بولندا 250 دبابة أميركية من نوع «أبرامز»، و«تجهيزات ذات صلة»، وأسلحة ومعدات من بينها آليات ومدافع وذخائر أخرى بقيمة 6 مليارات دولار. وأوضحت الوزارة أن الصفقة التي لا تزال تحتاج إلى موافقة الكونغرس، ومن شأنها أن تسمح لبولندا «بمواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية» في أوروبا. وأضافت في بيان أن «اقتراح البيع هذا سيعزز السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة عبر المساعدة في تحسين أمن حليف في حلف شمال الأطلسي، وهو أحد عناصر الاستقرار والتقدم الاقتصادي في أوروبا».
وكان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، قد أعلن أيضاً الموافقة على الصفقة المزمعة لنظيره البولندي ماريوس بلاشتشاك. وزادت الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة من إمداد أوكرانيا بالأسلحة ونشرت آلاف العسكريين الإضافيين في أوروبا الشرقية. كما أدى الانتشار الأخير لما مجموعه 4700 عسكري أميركي إضافي في بولندا إلى رفع الوجود العسكري الأميركي في البلاد إلى نحو 10 آلاف عنصر. وأكدت وزارة الخارجية في بيانها أن الصفقات الجديدة للأسلحة والمعدات العسكرية «لن تغيّر التوازن العسكري الأساسي في المنطقة».
واعتبر رد الرئيس بايدن على السلوك العدواني العسكري الروسي على طول الحدود مع أوكرانيا، اختباراً لقدراته على بناء تحالف، يمكن أن يساعد في تجنب كارثة محتملة في أوروبا. ويقول الحلفاء إن إدارة بايدن غيّرت نهجها في أعقاب أزمة «صفقة الغواصات» مع أستراليا التي أساءت إلى العلاقة مع فرنسا، أحد أبرز حلفاء الولايات المتحدة، والانسحاب الفوضوي من أفغانستان صيف العام الماضي.
تغيير في سياسات واشنطن الإقليمية
وتساءل مراقبون عن أسباب هذا «التغيير» الجوهري في تعامل واشنطن مع «الأزمات الإقليمية»، في ظل قرار الإدارات المتعاقبة منذ الرئيس باراك أوباما ودونالد ترمب وصولاً إلى بايدن، حشد طاقاتها لمواجهة صعود الصين. وعُدّ نشر القوات الأميركية لتعزيز دفاعات حلف الناتو، وتكثيف تبادل المعلومات الاستخبارية عن أنشطة روسيا حول أوكرانيا، «لإبقاء الحلفاء الأوروبيين على صفحة واحدة»، مع التهديد بفرض عقوبات اقتصادية شديدة على موسكو في حالة حدوث غزو، تغييراً دراماتيكياً في سياسة الخروج من تلك الأزمات، سواء في أوروبا أو منطقة الشرق الأوسط. ونقلت محطة «سي إن إن» عن مسؤول أميركي كبير ومسؤول كبير في الحكومة الأوكرانية، أن الولايات المتحدة أطلعت الجيش الأوكراني على أحدث تقييم استخباري، يشير إلى أن روسيا تواصل الاستعدادات لغزو أوكرانيا. وشدد بايدن لأعضاء فريقه في مجلس الأمن القومي على «الحاجة إلى مشاركة هذه المعلومات مع الحلفاء»، وفقاً لمسؤولين في البيت الأبيض على دراية بالمناقشات. وعدّ قرار رفع السرية عن المعلومات حول استخدام روسيا المحتمل حجة «الاستفزازات الأوكرانية الزائفة» والمعلومات المضللة لتبرير هجومها، وتحرك القوات الروسية وخططها، أنه كان عنصراً مهماً في جهود إدارة بايدن لمنع الغزو، حسب مسؤولين في البيت الأبيض. وقال المسؤولون إن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، الذي كان مستشاراً كبيراً لنائب الرئيس بايدن عام 2014 عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، كان من أبرز الدافعين لهذا النهج. وتعهد مسؤولو الإدارة بعدم تكرار ما حصل عام 2014، وأنهم بدأوا في التخطيط منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
التواصل مع الأوروبيين
وفيما أشاد مسؤولون أوروبيون بالنهج الجديد الذي يتبعه بايدن مع الأزمة الأوكرانية، تلقى أيضاً دعماً قوياً من قيادات الحزب الجمهوري، رغم حثهم على فرض «عقوبات وقائية» قبل حصول أي غزو محتمل، قائلين إن الإدارة لديها القدرة على التصرف بسرعة. وقال المسؤولون الأوروبيون إنهم يقدّرون أن إدارة بايدن قد تواصلت مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي في بروكسل، وكذلك مع العواصم الأخرى، لمواجهة تداعيات الأزمة الأوكرانية، الأمر الذي لم يجرِ في العام الماضي. وقال زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش مكونيل: «لقد كان الرئيس محقاً في التأكيد أن العالم لن يتجاهل أو يقف مكتوف الأيدي إذا حاول فلاديمير بوتين غزو جارته». ورغم الفشل في التوصل إلى اتفاق بشأن العقوبات، مرّر أعضاء مجلس الشيوخ قراراً غير ملزم من الحزبين، «يشجع الوحدة بين حلفاء منظمة حلف شمال الأطلسي» ودعم فرض «تكاليف كبيرة» على روسيا في حالة حدوث غزو. وقال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، إن القرار «يرسل رسالة قوية جداً إلى السيد بوتين مفادها أن مجلس الشيوخ الأميركي والديمقراطيين والجمهوريين من جميع الآيديولوجيات المختلفة، متّحدون في الدفاع عن أوكرانيا بالطرق التي تراها الإدارة مناسبة». وقال السيناتور الديمقراطي كريس كونز، وهو أحد الأصدقاء المقربين من الرئيس بايدن: «بعد غزو شبه جزيرة القرم وضمها عام 2014، ما يجري في دونباس، ثم بعد تدخل عام 2016 في انتخاباتنا، أود أن أزعم أننا لم نردّ بالقوة الكافية».
وفيما يسعى بايدن إلى طمأنة الحلفاء، بدا واضحاً حرصه على طمأنة الأميركيين من تداعيات الأزمة الأوكرانية، على قطاع الطاقة، في ظل الارتفاع الحاد في أسعار البنزين والغاز، في حال نفّذت روسيا تهديداتها العسكرية. وقال بايدن إن الغزو الروسي لأوكرانيا لن يكون «مؤلماً» للأميركيين، في إشارة إلى التأثير المحتمل على أسعار الطاقة، وأنهم يفهمون أن «الدفاع عن الديمقراطية والحرية لا يخلو من التكلفة».