التحرش والاحتيال والتزوير تتسلل إلى عالم الميتافيرس

تباعد اجتماعي ومساحات آمنة ضمن الحلول

Bored Ape Yacht Club إحدى منصات عالم الميتافيرس الشهيرة
Bored Ape Yacht Club إحدى منصات عالم الميتافيرس الشهيرة
TT

التحرش والاحتيال والتزوير تتسلل إلى عالم الميتافيرس

Bored Ape Yacht Club إحدى منصات عالم الميتافيرس الشهيرة
Bored Ape Yacht Club إحدى منصات عالم الميتافيرس الشهيرة

مع انتشار منصات العالم الافتراضي وإنشاء عوالم مختلفة للعب والترفيه والتجارة كلها متاحة بلمسات الأصابع وكبسات الأزرار المصحوب بارتداء نظارات الواقع الافتراضي والمعزز، ظهر عالم موازٍ للواقع، يمكن لأي شخص منّا التنقل فيه بحرية وعيش مختلف التجارب التي تحاول محاكاة الواقع. وبما أن الواقع ليس المدينة الفاضلة ونفس الأشخاص الذين يعيشون في الواقع هم أنفسهم في العالم الافتراضي فقد انتقلت أنماط التصرفات الإنسانية المختلفة إلى عالم الميتافيرس ومنصاته المختلفة ومنها التصرفات الإجرامية. وأصبح المستخدم الذي يتجول في ذلك العالم عبر أفاتار خاص به مضطراً للحذر والاحتياط.
وقد ظهرت تقارير كثيرة عن شكاوى من التحرش «الافتراضي» وبلاغات عن ألعاب تنافي الأخلاق وتحذيرات من عدم وجود ضوابط لتعرض الأطفال عبر الألعاب إلى التحرش وغيره من الممارسات التي يقوم بها أشخاص متخفون تحت شخصيات افتراضية وأفاتارات مبهمة. فعلى سبيل المثال كتبت مستخدمة لمنصة «Horizon» عن تجربتها في مدونة: «بعد 60 ثانية من انضمامي للشبكة، تعرضت للتحرش اللفظي والجنسي» حسب «فرنس برس». وأضافت: «تجربة مروعة حدثت بسرعة كبيرة وقبل أن أفكر في وضع حاجز الأمان في مكانه. وقفتُ عاجزة عن التصرف».
وحسب تقرير الوكالة فقد تحركت شركات كبرى للحد من حالات التحرش عبر تطوير مساحات آمنة داخل عوالمها الافتراضية، ومثال لذلك بدأت «ميتا»، الشركة الأم لـ«فيسبوك»، في اعتماد حد أدنى للمسافة بين التجسيدات الرمزية (أفاتار) للمستخدمين في شبكة «Horizon» للواقع الافتراضي.
وعلى هذه المنصة الانغماسية التي تسمح للأشخاص بإقامة علاقات اجتماعية افتراضياً، تتيح خاصية «Personal Boundary» («الحدود الشخصية») للمستخدمين ترك مساحة فاصلة بين تجسيداتهم الرمزية والآخرين.
كتب نائب رئيس «Horizon» فيفيك شارما، أن «الحدود الشخصية تمنع أي شخص من غزو المساحة الشخصية لصورتك الرمزية». وأضاف: «إذا حاول شخص ما التعدي على حدودك الشخصية، سيوقف النظام حركته عند وصوله إلى الحد».
وقال شارما إن خاصية الحدود الشخصية ستعمل تلقائياً كإعداد افتراضي، مشيراً إلى أنه سيظل في إمكان المستخدمين الضرب بقبضات اليد أو التفاعل بواسطة اليدين.
وتضم «Horizon» أصلاً ميزة لمكافحة التحرش تجعل أيدي الصورة الرمزية تختفي إذا حاولت لمس شخصية افتراضية أخرى بشكل غير لائق، حسب مؤسسيها.

تزوير ونسخ الأعمال الفنية والرموز
هذا في جانب الألعاب والتواصل الاجتماعي، أما عن الفنون والأعمال الفنية المنفَّذة بطريقة الرموز غير القابلة للتداول «NFT» والتي خلقت لها جمهوراً عالمياً ضخماً مهتماً بالفن الرقمي ومطمئناً لإحكام عملية التوثيق عبر تسجيل الأعمال عبر تقنية «بلوكتشين Blockchain»، فقد بدأت المشكلات في الظهور سريعاً، بما أن الأمر به أرباح مالية ضخمة فقد أصبح مطمعاً للمحتالين، وهذا ما حدث بالفعل أكثر من مرة. فقد وردت تقارير عن نسخ لأعمال فنية ورموز مشفرة تم بيعها أكثر من مرة رغم تسجيل ملكيتها. مثال على ذلك ما حدث في بداية شهر فبراير (شباط) الحالي حيث حدثت عملية سرقة ضخمة لمجموعة من «إن إف تي NFT» منها مجموعة شهيرة اسمها «Bored Ape Yacht Club tokens» والتي يمكن استخدامها أيضاً كبطاقة عضوية لنادٍ افتراضي شهير. وحسب التقارير الصحافية فقد اكتشف مستخدمو منصة «أوبن سي OPenSea» التجارية على الميتافيرس إمكانية شراء «إن إف تي» بأسعار أقل من قيمتها الأصلية، وهو ما أدى لقيام البعض بشراء الأعمال ثم إعادة بيعها بأسعار ضخمة، مثال على ذلك قيام أحد المحتالين بشراء عمل بسعر 10600 دولار ثم أعاد بيعه بـ34800 دولار. ويبدو أن الأمر نتج عن ثغرة في البرنامج التي سمحت بإعادة تسجيل الأعمال الرقمية مرة أخرى بأسعار جديدة دون إلغاء الأسعار القديمة، حسب تقرير لشركة «إلبتيك» المختصة في «بلوكتشين» والذي نقله عنها موقع «بلوكواترز».
وفي جانب آخر أوقفت منصة «سنت CENT» الرقمية، التي اشتهرت ببيعها التغريدة الأولى لمؤسس موقع «تويتر» جاك دورزي ب2.9 مليون دولار أميركي، كل تعاملاتها المالية، ذاكرةً في بيان أن السبب يعود لقيام البعض ببيع أعمال رقمية غير مملوكة لهم، وذكر مؤسس الموقع كاميرون حجازي، لوكالة «رويترز»، أن الأمر أصبح يشكّل «مشكلة أساسية» في سوق الأصول الرقمية التي تنمو بسرعة شديدة.
ورغم شهرتها إثر بيع تغريدة مؤسس «تويتر» بمليون دولار في شهر مارس (آذار) من العام الماضي فإنه في 6 من الشهر الحالي أعلنت المنصة توقف عمليات البيع. وقال حجازي لـ«رويترز» إن هناك «موجة من النشاط تحدث الآن لا يجب أن تحدث من الناحية القانونية». موضحاً أن هناك نقاطاً مهمة أو مشكلات أولها وأهمها أن أشخاصاً يبيعون نسخاً من الرموز غير القابلة للتداول (إن إف تي) من دون إثبات ملكيتها، والثانية هي قيام أشخاص بتطوير «إن إف تي» اعتماداً على أعمال فنية ليست ملكهم. ولمحاولة إيقاف تلك الممارسات المخالفة للقانون قد تلجأ المنصات إلى منع الحسابات المخالفة رغم عبثيتها، ففي هذا العالم الرقمي يُمنع حساب ويظهر مرة أخرى باسم جديد.
وليس كل عمليات الاحتيال منصبّة على «إن إف تي» والأعمال الرقمية، فقد أغرت الأرباح التي تحققها الأعمال بصيغة «إن إف تي» المحتالين بالسطو على أعمال فنية فعلية وتحويلها لأعمال رقمية وبيعها بعد ذلك. ففي شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي قرر فنان رسم الكوميك ليام شارب، إغلاق الغاليري الخاص به بعد أن سأم من تكرار سرقة أعماله على منصة «ديفيانت آرت» الإلكترونية، وقال في بيان: «ما زال أشخاص يسرقون أعمالي لتحويلها إلى صيغة (إن إف تي)».
وحسب التقارير فهناك الكثير من الأعمال الرقمية المسروقة توجد على المواقع الإلكترونية رغم وجود تعاون ما بين مواقع مثل «ديفيانت آرت» مع منصتَي تبادل «إن إف تي» و«أوبن سي» (تقدَّر قيمتها السوقية بـ13.3 مليار دولار) لتطوير نظام إنذار للحد من عمليات السرقة.
وكانت منصة «أوبن سي» قد صرّحت لـ«رويترز» الشهر الماضي بأن 80% من الأعمال بصيغة «إن إف تي» على منصتها هي «أعمال منتحلة ومجموعات مزيفة»، وقالت عبر «تويتر» إنها بصدد دراسة بعض الحلول لإبعاد المستخدمين المشبوهين.


مقالات ذات صلة

الرياض تستضيف نهائيات «فيفا» لكرة القدم الإلكترونية 2024

رياضة عالمية البطولة ستجمع أشهر الألعاب مثل روكت ليغ  وكرة القدم الإلكترونية (الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية)

الرياض تستضيف نهائيات «فيفا» لكرة القدم الإلكترونية 2024

ستشهد الرياض نهائيات بطولة الاتحاد الدولي لكرة القدم الالكترونية «فيفا» 2024  تنوعاً كبيراً في الألعاب والرياضات الإلكترونية لأول مرة في تاريخها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق ممارسة ألعاب الفيديو قد تساعد الأشخاص في حياتهم المهنية (رويترز)

ممارسة ألعاب الفيديو تساعدك في حياتك المهنية

كشفت دراسة جديدة أن ممارسة ألعاب الفيديو قد تساعد الأشخاص في حياتهم المهنية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا «بلايستيشن 5 برو»: جهاز الألعاب الأقوى في العالم

تعرف على مزايا «بلايستيشن 5 برو»: جهاز الألعاب الأقوى في العالم

يدعم تقنية «الدقة الطيفية الفائقة» المعززة بالذكاء الاصطناعي لمعالجة الصورة داخلياً

خلدون غسان سعيد (جدة)
رياضة سعودية يشارك في البطولة ألمع نجوم الرياضات الإلكترونية حول العالم (الشرق الأوسط)

الاثنين... «سيف أرينا» يحتضن كأس الاتحاد الدولي للرياضات الإلكترونية

يستعد الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية لاستضافة النسخة السادسة عشرة لكأس الاتحاد الدولي للرياضات الإلكترونية خلال الفترة من 11 إلى 19 نوفمبر الحالي

«الشرق الأوسط» (الرياض)
رياضة عالمية الأمير فيصل بن بندر بن سلطان (واس)

فيصل بن بندر بن سلطان: السعودية مركز عالمي في الألعاب والرياضات الإلكترونية

أكد الأمير فيصل بن بندر بن سلطان رئيس الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية أن الرياضات الإلكترونية والتقليدية متقاربة في روح العمل والمشاهدات والمشاركة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)