«هروب»... الإنسانية المأزومة بالثقة

مسلسل لبناني ـ كويتي من 10 حلقات على «شاهد»

كارول عبود وشجون الهاجري... علاقة الكيد والغيرة
كارول عبود وشجون الهاجري... علاقة الكيد والغيرة
TT

«هروب»... الإنسانية المأزومة بالثقة

كارول عبود وشجون الهاجري... علاقة الكيد والغيرة
كارول عبود وشجون الهاجري... علاقة الكيد والغيرة

عشر حلقات من المسلسل اللبناني الكويتي «هروب» على «شاهد»، من بطولة شجون الهاجري. الكلّ في حالة فرار، تتجلّى حيناً وتتوارى أحياناً. ينطلق العمل من الذاكرة النازفة لبطلته، ويمرّ على معضلة تشرذم العلاقات واهتزاز الثقة. حبكة تخلط الأوراق، لترمي الورقة الأخيرة غير المُتوقّعة.
تحوم الشكوك حول الجميع، فلا أحد يضمر نيات حسنة تجاه البطلة. القصة: تعيش «ميرا» (الهاجري) ذكريات معذّبة جرّاء انتحار الأم وإهمال الأب. تجرّ انكسارات طفولتها معها إلى حاضرها، بقدرة معدومة على التخلّص من الصور. يجتمع حولها الطمّاعون بثروة أبيها (قحطان القحطاني بشخصية «أبو ناصر»)، فتسقط الأقنعة. للجميع مصلحة في إزاحتها وتصدّر المشهد. تُفبرَك لها محاولة قتل حبيبها السابق (بديع أبو شقرا بشخصية «عصام»)، وفي الطريق لإثبات براءتها، تتغيّر حياتها.
شجون الهاجري من الممثلات المسيطرات على أدوارهن. هروبها الحقيقي ليس المسافات التي تقطعها في الطبيعة اللبنانية وهي تحاول الاحتماء من الغدر، ولا هروبها من السجن في لحظة صراع مع العدالة؛ بل هو هروب من رأس مثقل وجراح مثخنة. ومما يخربط حياة المرء في الصغر، فيستحيل ترتيبه في الكبر.
الهروب جماعي، فالشخصيات كلّها بوجهين على الأقل. يدّعي الزوج «جاسم» (محمد العلوي) الحب تجاه «ميرا» ثم يكشّر عن أنيابه. لكل غاية، يبلغها بأي وسيلة، كـ«فاديا» (كارول عبود)، صديقة «ميرا» المزعومة. ترقص على حبلين، تداعب رأس الأفعى، وتُفرّط بالأمانة. تقودها عقد نقصها إلى تصفية الواقفين في طريقها. أينما تكون كارول عبود، لا يمكن للأحداث أن تبقى عادية. في العينين، يتنزّه مكرها. منذ البداية، وعلامات الاستفهام مطروحة حول علاقتها بـ«ميرا». تناديها بـ«شقيقتي الصغرى»، وتذكّرها بأنّها الابنة التي لم تُنجبها. وفي الحقيقة، تورّطها وتتآمر عليها. صداقة الكيد والغيرة.
المسلسل من كتابة حنين عمر وإخراج جميل لمحمد جمعة (إنتاج «إيغل فيلمز»). من الأعمال التي تطرح الأسئلة وتعيد تعريب الأشخاص: مَن يستحق ومَن لا يستحق؟ مَن الحقيقي ومَن الكاذب؟ لم يبقَ خلف «ميرا» سوى الطاعنين في الظهر. شابة تبحث عبثاً عن وجودها في عالم غير منصف، فتتأكد أنّ السعادة ليست في المال ولا المنازل الفخمة والغزل المنمّق. هي في الأمان والثقة. وفي الإحساس بالوجود الإنساني. شجون الهاجري على مدى عشر حلقات، هاربة من حقيقة أنّ الحياة لا تتسع للتواقين إلى السكينة.
أصل العلّة في العائلة، انسجامها أو تفككها. أمضى "أبو ناصر" العمر في مراكمة أموال لا تلتهمها النيران، وعلى الرغم من دهائه في إدارة شركاته، تستولي على مشاعره «سمر» (جيسي عبدو)، شابة بسنّ ابنته، هاربة من فقر ماضيها، عينها على ما يملك غيرها. بدأت سكرتيرة وانتهت زوجة رجل الأعمال الشهير وسيدة قصره. الخلطة هنا من كل شيء: التسلّق، والدناءة، والتجاوُز، وصولاً إلى القتل في المرحلة الأخيرة. فـ«فاديا» تتحوّل إلى قاتلة (لم يتوقف المسلسل عند خلفية الشخصية وماضيها)، من أجل الانتصار لكبريائها الأنثوي، بعدما أوهمها «جاسم» بحبّ لا أساس له، كغطاء لتستّرها على ارتكاباته المفضوحة. وحين يتخلّى عنها، تقرّر ردّ الصاع، فتُورّط «ميرا» في محاولة قتل حبيبها السابق، وتوهم «جاسم» بأنهما معاً في غرفة فندق واحدة.
تحضر بيروت في الخلفية الجمالية للعمل، عبر ذاكرة «ميرا» وأيامها الحلوة على الكورنيش وهي تعزف على الغيتار. لحضور المدينة عطرٌ في المسلسل، والثلاثي الكويتي؛ الهاجري، والعلوي والقحطاني، لم يظهروا «دخلاء» على التركيبة اللبنانية، بل أفراد ضمن النسيج، تبحر بهم الظروف إلى بيروت وتعلّقهم بمصيرها.
على المقلب الآخر، يحوم باسم مغنية بشخصية المحقق، حول «ميرا» وأصابع الاتهام المُصوّبة نحوها. تشاركه رحلة التحرّي، الكوميدية أمل طالب في أول أدوارها التمثيلية خارج الفكاهة. مغنية، فنان في علاقته مع الشخصية، يدفعها في اتجاهه ويلقي القبض عليها. ورغم أنّ شخصية المحقق أصبحت راسخة في معظم المسلسلات، فله خبرته في تحريكها، خصوصاً أنّه أدّاها سابقاً، باختلاف السياق والخلفية، بمسلسل «سرّ» مع داليدا خليل وبسام كوسا.
لا يشاء المسلسل إعدام الثقة تماماً بالجنس البشري، بل يترك شقوقاً تنبت منها علاقات إنسانية صافية. اختزالان بمثابة ضوء يخرق الجدار المشيّد بين المرء و«الآخرين»: ليليان نمري بشخصية «فهيمة»، والراحل بيار جماجيان بشخصية «المحامي يوسف». يجعل المسلسل من العلاقة الفجائية المولودة بين «ميرا» الهاربة و«فهيمة" التي تفتح لها بابها، مقدّمة لترابط روحي عميق لا غاية له ولا مصلحة، وهو من أصفى العلاقات البشرية. فحين لا يبقى لـ«ميرا» أحد، بعد انتحار الأم وبرودة الأب وخديعة الزوج وخذلان الصديقة، يبعث الله العوض. ليليان نمري وفية للشخصيات، ممثلة «منّا وفينا«. وبيار جماجيان في المسلسل، أثرٌ طيب بعد الرحيل.
الكل في مكانه، مُقنِع بوجوهه وما خلفها. يمتد الأداء التمثيلي المُتقن من شجون الهاجري وقحطان القحطاني ومحمد العلوي، إلى جيسي عبدو التي تنضج في الأدوار. بديع أبو شقرا بصمة في المَشاهد القليلة، ومرور يُحسب لمجدي مشموشي ودوري السمراني. كارول عبود ساحرة حتى في شرّها.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».