هل ترك العمل خيار جيد حال إحباط الشخص من وظيفته؟

زادت نسبة الموظفين الذين أقبلوا على الاستقالة من وظائفهم بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة (أ.ف.ب)
زادت نسبة الموظفين الذين أقبلوا على الاستقالة من وظائفهم بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة (أ.ف.ب)
TT

هل ترك العمل خيار جيد حال إحباط الشخص من وظيفته؟

زادت نسبة الموظفين الذين أقبلوا على الاستقالة من وظائفهم بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة (أ.ف.ب)
زادت نسبة الموظفين الذين أقبلوا على الاستقالة من وظائفهم بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة (أ.ف.ب)

بالنسبة لمعظم الأشخاص يعد النموذج المثالي للوظيفة المناسبة هو استخدام المرء مهاراته، والاستمتاع بما يقوم به، وعمل موازنة جيدة بين العمل والحياة.
ولكن بالنسبة لكثير من الناس، فإنه من الصعب تحقيق ذلك، حيث إنه عندما يشعر المرء بالإحباط وعدم الشعور بالرضا في العمل، يشعر أحياناً بأنه يحتاج إلى ترك الوظيفة من يوم إلى آخر. وفي النهاية، يمكن أن تتحسن الأمور، أليس كذلك؟ ولكن، هل يعد ترك العمل فكرة جيدة؟ بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الألمانية.
تقول مدربة الأعمال والشؤون العقلية، أوتي جيتزن فيلاند: «على المرء ألا يتسرع في القيام بأي شيء». وعلى صعيد متصل، يرى المستشار المهني، راجنيلد شتروس أنه «إذا كنت غير راضٍ عن وظيفتك أو محبطاً فيها، فإنه يجب أن تحاول معرفة السبب وراء ذلك».
ففي حال قام الشخص المحبط من وظيفته بتركها في وقت سابق لأوانه، فإنه يخاطر بأن يشعر بعدم الرضا في مكان عمله الجديد أيضاً. وبدلاً من ذلك، يجب أن يحاول أن يسأل نفسه ما سبب الخطأ الذي يحدث في العمل، وما إذا كانت هناك احتمالية للتأثير عليه بطريقة إيجابية.
يقول شتروس: «من الضروري أن يدرك المرء أنه ليس ضحية، ولكنه لديه قدر معين من التحكم في تشكيل حياته العملية اليومية بطريقة فعالة». يجب إلقاء نظرة على أسباب الشعور بالإحباط من العمل: على المرء أن يمنح نفسه وقتاً كافياً من أجل إجراء تقييم، والتعامل مع الأسباب بطريقة منظمة وتحليلية. ويتضمن ذلك طرح أسئلة من قبيل: «هل أنا موجود في المكان المناسب؟»، و«هل أجد صعوبة في رفض المهام المطلوبة مني؟».
من المحتمل ألا تكون الوظيفة ممتعة لأن لها الكثير من المتطلبات، أو ربما لأنها لا تتطلب الكثير. أم هل سبب الشعور بعدم الرضا هو الراتب؟ يجب أن يكون أي شيء يتبادر إلى الذهن محلاً للنقاش. على المرء أن يسأل نفسه أيضاً ما هي مهاراته ونقاط قوته، وما يستمتع به في أثناء عمله اليومي. وهل هناك أي عقبات في صورة مخاوف على سبيل المثال؟ يقول شتروس: «من خلال كل ذلك، من الضروري أن يطور المرء رؤية بالنسبة لنفسه». فبمجرد أن يقوم بوضع الرؤية في مكانها، ستكون الخطوة التالية هي تنفيذها.
ستكون فكرة جيدة أن يترك المرء الوظيفة عندما... عادة ما يكون من الجيد الحديث عن الشعور بعدم الرضا من الوظيفة مع شريك الحياة، أو مع الأصدقاء. ومع ذلك، ففي أغلب الأحيان، من الممكن أن يكون الدعم المهني وطلب النصيحة من خلال المشاركة في جلسة تدريب، مفيداً أيضاً.
ويقول شتروس إن «منظوراً خارجياً دائماً ما يساعد تقريباً، حيث يتم تنفيذ الكثير من الأنماط السلوكية في العمل دون وعي».
وفي حال عدم تغيير الأمور في العمل، أو لم تتغير لسبب أو لآخر، أو إذا كانت قيم الشركة لا تتماشى مع قيم المرء الخاصة، فعندئذ يمكن أن يكون ترك الوظيفة هو الخطوة الصحيحة. ومع ذلك، فإن «ترك الوظيفة قبل الأوان قبل أن تتوفر لدى المرء وظيفة جديدة، عادة ما لا يكون فكرة جيدة»، بحسب ما تقوله جيتزن فيلاند.
ولكن في بعض الحالات، يعاني الأشخاص كثيراً، جسدياً وعاطفياً، بسبب الروتين اليومي لعملهم، لدرجة أنهم يتعين عليهم ترك الوظيفة في أسرع وقت ممكن. وتنصح جيتزن فيلاند قائلة: «إذا كان هذا هو الحال، فإنه سيكون من الجيد أن يطلب المرء المساعدة الطبية، وأن يأخذ إجازة مرضية حتى يتمكن من الراحة وأخذ بعض المسافة». وفي هذا الوقت، يمكن للمرء أن يستجمع قواه لمعالجة عملية البحث عن وظيفة أو حياة مهنية جديدة.



من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
TT

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

في الدورة الرابعة من مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، تنافست أعمال استثنائية نقلت قصصاً إنسانية مؤثّرة عن واقع المرأة في إيران وأفغانستان. وسط أجواء الاحتفاء بالفنّ السينمائي بوصفه وسيلةً للتعبير والتغيير، قدَّم فيلما «السادسة صباحاً» للإيراني مهران مديري، و«أغنية سيما» للأفغانية رؤيا سادات، شهادتين بارزتين على تحدّيات النساء في بيئاتهن الاجتماعية والسياسية.

«السادسة صباحاً»... دراما الصراع مع السلطة

يروي الفيلم قصة «سارة»، الشابة الإيرانية التي تتأهّب لمغادرة طهران لإكمال دراستها في كندا. تتحوّل ليلة وداعها مواجهةً مفاجئةً مع «شرطة الأخلاق»؛ إذ يقتحم أفرادها حفلاً صغيراً في منزل صديقتها. يكشف العمل، بأسلوب مشوّق، الضغط الذي تعيشه النساء الإيرانيات في ظلّ نظام تحكمه الرقابة الصارمة على الحرّيات الفردية، ويبرز الخوف الذي يطاردهن حتى في أكثر اللحظات بساطة.

الفيلم، الذي أخرجه مهران مديري، المعروف بسخريته اللاذعة، يجمع بين التوتّر النفسي والإسقاطات الاجتماعية. وتُشارك في بطولته سميرة حسنبور ومهران مديري نفسه الذي يظهر بدور مفاوض شرطة يضيف أبعاداً مرعبة ومعقَّدة إلى المشهد، فيقدّم دراما تشويقية.

لقطة من فيلم «أغنية سيما» المُقدَّر (غيتي)

«أغنية سيما»... شهادة على شجاعة الأفغانيات

أما فيلم «أغنية سيما»، فهو رحلة ملحمية في زمن مضطرب من تاريخ أفغانستان. تدور الأحداث في سبعينات القرن الماضي، حين واجهت البلاد صراعات سياسية وآيديولوجية بين الشيوعيين والإسلاميين. يتبع العمل حياة «ثريا»، الشابة الشيوعية التي تناضل من أجل حقوق المرأة، وصديقتها «سيما»، الموسيقية الحالمة التي تبتعد عن السياسة.

الفيلم، الذي أخرجته رؤيا سادات، يستعرض العلاقة المعقَّدة بين الصديقتين في ظلّ انقسام آيديولوجي حاد، ويُظهر كيف حاولت النساء الأفغانيات الحفاظ على شجاعتهن وكرامتهن وسط دوامة الحرب والاضطهاد. بأداء باهر من موزداح جمال زاده ونيلوفر كوخاني، تتراءى تعقيدات الهوية الأنثوية في مواجهة المتغيّرات الاجتماعية والسياسية.

من خلال هذين الفيلمين، يقدّم مهرجان «البحر الأحمر» فرصة فريدة لفهم قضايا المرأة في المجتمعات المحافظة والمضطربة سياسياً. فـ«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة، مع الإضاءة على دور الفنّ الحاسم في رفع الصوت ضدّ الظلم.

في هذا السياق، يقول الناقد السينمائي الدكتور محمد البشير لـ«الشرق الأوسط»، إنّ فيلم «السادسة صباحاً» ينساب ضمن وحدة زمانية ومكانية لنقد التسلُّط الديني لا السلطة الدينية، واقتحام النيات والمنازل، وممارسة النفوذ بمحاكمة الناس، وما تُسبّبه تلك الممارسات من ضياع مستقبل الشباب، مثل «سارة»، أو تعريض أخيها للانتحار. فهذه المآلات القاسية، مرَّرها المخرج بذكاء، وبأداء رائع من البطلة سميرة حسنبور، علماً بأنّ معظم الأحداث تدور في مكان واحد، وإنما تواليها يُشعر المُشاهد بأنه في فضاء رحب يحاكي اتّساع الكون، واستنساخ المكان وإسقاطه على آخر يمكن أن يعاني أبناؤه التسلّط الذي تعيشه البطلة ومَن يشاركها ظروفها.

على الصعيد الفنّي، يقول البشير: «أجاد المخرج بتأثيث المكان، واختيار لوحات لها رمزيتها، مثل لوحة الفتاة ذات القرط اللؤلؤي للهولندي يوهانس فيرمير، ورسومات مايكل أنجلو على سقف كنيسة سيستينا في الفاتيكان، وغيرها من الرموز والاختيارات المونتاجية، التي تبطئ اللقطات في زمن عابر، أو زمن محدود، واللقطات الواسعة والضيقة».

يأتي ذلك تأكيداً على انفتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي»، ومراهنته على مكانته المرتقبة في قائمة المهرجانات العالمية، وترحيبه دائماً بكل القضايا المشروعة.

ونَيل «أغنية سيما» و«السادسة صباحاً» وغيرهما من أفلام هذه الدورة، التقدير، وتتويج «الذراري الحمر» للتونسي لطفي عاشور بجائزة «اليُسر الذهبية»، لتقديمه حادثة واقعية عن تصفية خلايا إرهابية شخصاً بريئاً... كلها دليل على أهمية صوت السينما التي أصبحت أهم وسيلة عصرية لمناصرة القضايا العادلة متى قدّمها مُنصفون.

وأظهر المهرجان الذي حمل شعار «للسينما بيت جديد» التزامه بدعم الأفلام التي تحمل قضايا إنسانية عميقة، مما يعزّز مكانته بوصفه منصةً حيويةً للأصوات المبدعة والمهمَّشة من مختلف أنحاء العالم.