الرئيس التونسي في بروكسل للدفاع عن خياراته السياسية

الرئيس قيس سعيد خلال وصوله إلى بلجيكا للمشاركة في قمة بروكسل أمس (أ.ب)
الرئيس قيس سعيد خلال وصوله إلى بلجيكا للمشاركة في قمة بروكسل أمس (أ.ب)
TT

الرئيس التونسي في بروكسل للدفاع عن خياراته السياسية

الرئيس قيس سعيد خلال وصوله إلى بلجيكا للمشاركة في قمة بروكسل أمس (أ.ب)
الرئيس قيس سعيد خلال وصوله إلى بلجيكا للمشاركة في قمة بروكسل أمس (أ.ب)

تنتظر الساحة السياسية التونسية ما ستسفر عنه زيارة الرئيس قيس سعيد إلى بروكسل (بلجيكا) من نتائج، وحضوره أعمال الدورة السادسة لقمة الاتحاد الأوروبي - الاتحاد الأفريقي، التي بدأت أمس، وذلك في أول زيارة لسعيّد إلى الخارج منذ أن أعلن عن التدابير الاستثنائية يوم 25 يوليو (تموز) الماضي، وأصدر قرارات سياسية جعلت خصومه السياسيين يتهمونه بـ«الانقلاب» على المؤسسات الدستورية، واحتكار السلطات في البلاد، خاصة بعد أن علّق عمل البرلمان، وأقال حكومة هشام المشيشي. كما حل بداية هذا الشهر المجلس الأعلى للقضاء (المنظم للسلطة القضائية).
ومنذ نحو سبعة أشهر، يمارس الرئيس سعيد الحكم بمفرده، عبر إصدار مراسيم، وتعليق أجزاء من دستور 2014، الذي سبق أن وعد بتعديله، وهو ما كان موضوع انتقادات غربية تعبيراً عن القلق المتزايد من «إسقاط المسار الديمقراطي في تونس».
ووفق عدد من الخبراء والسياسيين، فإن سعيد سيكون أمام اختبار سياسي حقيقي أمام عدد من قادة الدول الأوروبية والأفريقية، وكبار المسؤولين في كلّ من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي. ومن المنتظر أن يدافع بقوة عن الخيارات السياسية التي أعلنها في تونس، دون مشاركة بقية الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية.
وتأتي هذه الزيارة بعد صدور عدد من المواقف المنتقدة للوضع السياسي في تونس، حيث عبر جان إيف لودريان، وزير الخارجية الفرنسي، قبل أيام عن قلقه من منح الرئيس التونسي نفسه صلاحيات واسعة على حساب القضاء. في إشارة إلى قرار حل المجلس الأعلى للقضاء وإرساء مجلس مؤقت بدلاً عنه. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن لودريان قوله أمام لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الفرنسي: «لقد كانت هناك عدة إجراءات مقلقة من قبل الرئيس سعيد». وجاء الموقف الفرنسي بعد يوم واحد من موقف مماثل، عبر عنه نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، الذي أعرب بدوره عن قلق إدارة بلاده بعد قرار الرئيس سعيّد حل المجلس الأعلى للقضاء. مشدداً على أن القضاء المستقل «عنصر أساسي لديمقراطية فعالة وشفافة». ونقلت الخارجية الأميركية عن برايس قوله: «نشعر بالقلق إزاء قرار الرئيس التونسي حل المجلس الأعلى للقضاء. وقد انضممنا الأسبوع الماضي إلى شركائنا الذين نتقاسم معهم المواقف نفسها».
على صعيد آخر، كشفت منظمة «أنا يقظ» (حقوقية مستقلة) عن إحالة القضية المتعلقة بـ«عقود اللوبيينغ»، التي أبرمتها حركة النهضة خلال انتخابات 2019 على القطب القضائي المالي، بخصوص «ارتكاب جرائم الاعتداء على أمن الدولة الخارجي، وتلقي أحزاب سياسية أموالاً من جهات أجنبية». وأكدت أنها قدمت للقضاء التونسي معطيات جديدة تتعلق بهذه القضية.
من سياق ذلك، عبر أعضاء هذه المنظمة عن رفضهم لخيار رئيس الجمهورية عدم إشراك المجتمع المدني والخبراء في رسم خارطة طريق، وفي صياغة الاستشارة الوطنية. وأكدوا خلال مؤتمر صحافي عقد أمس على فشل الاستفتاء الإلكتروني، الذي طرحه سعيد على التونسيين، وأشاروا إلى العدد الضئيل للمشاركين مقارنة بتجارب سابقة، تمّ خلالها إشراك المجتمع المدني الذي عمل على حث المواطنين وتوعيتهم. واستنكرت المنظمة تفرد رئيس الجمهورية في إصدار المراسيم والتعيينات، والتغييب الكلي لدور نجلاء بودن رئيسة الحكومة.
وبخصوص حل المجلس الأعلى للقضاء، أكدت الهيئة التسييرية لمنظمة «أنا يقظ» أن الهيكل المؤقت المقترح من قبل الرئيس سعيد «بديل هزيل، وهو مؤسسة غير قادرة على إصلاح القضاء»، على حد تعبيرها.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».