سنوات السينما

جون دون باكر في «السير بفخر»
جون دون باكر في «السير بفخر»
TT

سنوات السينما

جون دون باكر في «السير بفخر»
جون دون باكر في «السير بفخر»

‫Walking Tall ‬
(1973)
العصا لمن عصى

■ حَطَّ هذا الفيلم في صالات السينما في بيروت حيث شوهد للمرّة الأولى وسط إقبال جيد هو ذاته الإقبال الذي شهده الفيلم في عروضه الأميركية رغم تباعد الثقافات والاهتمامات. هذا لأن الموضوع الماثل يتحدّث عن تفعيل القانون ضد الفاسدين بلا تفريق أين يقع الفساد وكيف.
هو قصّة مبنية على وقائع فعلية: بيرفورد بوسر كان رئيس البوليس (ذا شَرِف) في مقاطعة مكناري في ولاية تنيسي، وذلك بين منتصف الستينات حتى مطلع السبعينات. كأي رجل قانون مؤمن بواجباته هاله نجاح البعض في تجارة الكحول غير المشروعة وطاولات القمار المغشوشة وممارسات بنات الهوى من دون رادع أو خوف. هذا ما دفعه لتنظيف قسم البوليس من بعض الفاسدين ثم الانطلاق صوب تلك المواقع وتحطيم محتوياتها مستخدماً في ذلك عصا بايسبول وتصميم لا يهاب الموت. خسر زوجته في محاولة اغتيال لكنه عاد أقوى وأكثر تصميماً مما كان عليه.
في عام 1974 توفي بوسر في حادث غامض. خليفته في المنصب قال إن الحادث وقع بسبب قيادة بوسر السيارة بسرعة وهو سكير. ابنته واجهت ذلك بالقول إنه مات نتيجة خطّة موضوعة نفّذتها الجهات التي حاربها.
هناك كُتب وأغانٍ حول بوسر وعدد لا بأس به من الأفلام أولها فيلمنا هذا، «السير بفخر» الذي قام بتحقيقه سنة 1973 المخرج المخضرم فل كارلسن وقاد بطولته جون دون باكر. وبينما حقق الفيلم نجاحاً تجارياً كبيراً، شهد له بعض نقاد كبريات المجلات والصحف بالإجادة على نحو غير متوقع. إلى جانب أن مجلة «رولينغ ستون» عدّته أفضل فيلم للعام، أثنى عليه نقاد في الصحف الأميركية الكبيرة («ذا نيويورك تايمز»، «ذا فيلاج فويس» من بين أخرى) مادحين قيمته على صعيد النيّة وموضوع الفيلم الهادف لتحويل سيرة حياة بوسر إلى مثل يُحتذى به، معترفين، في الوقت ذاته، بأنه فيلم جماهيري بحت.
المفارقة المهمّة هي أن صانعيه لم ينجزوا الفيلم لكي يحصد إعجاب النقاد أو يشترك في المهرجانات آملاً بالجوائز. هو واحد من تلك الأفلام البوليسية التي تقع خارج المدن الكبيرة مع الشحنة المطلوبة للتشويق ولسرد قصّة حياة تشيد بالشرطي الذي وضع القانون ومصلحة المواطن فوق كل اعتبار.
بصرف النظر عن هذا الجانب، وحتى عن النجاح المادي الهائل الذي حققه في الولايات المتحدة، فإن حكاية بوسر ونجاح الفيلم تآلفا لصنع سلسلة من الأفلام الأخرى. في عام 1975 تم تحقيق «Walking Tall‪ - ‬2» الذي أخرجه إيرل بالامي تبعه بعد عامين «Walking Tal‪:‬ Final Chapter» لجاك ستارِت. في هذين الفيلمين قام بو ستيفنسون بلعب الدور الذي أدّاه جون دون باكر سابقاً.
بين الثلاثة، فيلم كارلسن هو الأفضل والأكثر تلقائية، يليه فيلم جاك ستارِت، ثم ذلك الذي أنجزه بيلامي.
حكاية بيرفورد بوسر ذاتها انتقلت إلى التلفزيون عبر فيلم تم إنتاجه سنة 1978 من بطولة برايان دنهي، وفي سنة 2004 قام دواين جونسون ببطولة استنساخ آخر بإقبال عادي يعود إلى أن التاريخ الحديث حفل بأفلام ذات شخصيات مشابهة ما غيّب اللمعة الخاصّة في فيلم من نتاج أحداث تلك الفترة.
■ استخدم فل كارلسن في نسخة 1973 خبرته في تحويل حكاية تنتمي إلى تيار الأفلام النقدية في تلك الفترة إلى فيلم تشويقي في الأساس من دون ظلالات سياسية دامغة. لكن هناك مشاهد توحي بالنقد من بينها مشهد يذكّر بحرائق الكوكلس كلان وبالعنصرية وفقدان النظام التصميم على حماية المجتمعات من ذوي النفوذ. كارلسن خريج سينما الأربعينات وما بعد. حقق أكثر من 60 فيلماً تنوّعت ما بين البوليسي والوسترن والمغامرة وأحسنت توظيف تقنيات السرد المعتادة لخلق التشويق المأمول منها. قليل من أفلامه عرفت تقييماً عادلاً في ميزان النقد، وأقل منها تلك التي يمكن وصفها بالرديئة. وأفضل مراحل حياته المهنية كانت في الخمسينات التي شهدت لصالحه ببضعة أفلام ذات مزايا فنية لامعة مثل: «Scandal Sheet» و«Kansas City Confidential» (تحوّل بدوره إلى أحد أبرز أفلام الفترة وما بعدها)، و«99River Street».


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز