نازحو الأنبار في بغداد يدفعون ثمن دخول «مندسين»

العثور على جثث ثمانية منهم.. وتفجيرات قرب منازل يقيم فيها اللاجئون

عراقيون يعاينون أمس آثار تفجير وقع الليلة قبل الماضية في منطقة المنصور ببغداد (إ.ب.أ)
عراقيون يعاينون أمس آثار تفجير وقع الليلة قبل الماضية في منطقة المنصور ببغداد (إ.ب.أ)
TT

نازحو الأنبار في بغداد يدفعون ثمن دخول «مندسين»

عراقيون يعاينون أمس آثار تفجير وقع الليلة قبل الماضية في منطقة المنصور ببغداد (إ.ب.أ)
عراقيون يعاينون أمس آثار تفجير وقع الليلة قبل الماضية في منطقة المنصور ببغداد (إ.ب.أ)

بالإضافة إلى المفخخات التي ضربت مناطق مختلفة من بغداد مساء أول من أمس فإن أصوات الانفجارات التي بدت غامضة لم تنقطع طيلة الليل.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه المصادر الأمنية الرسمية أن أصوات الانفجارات كانت عبارة عن قذائف هاون سقطت في مناطق مختلفة من بغداد إلا أنه طبقا للمعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مصادر أمنية مطلعة طلبت عدم الكشف عن هويتها «باستثناء قذائف الهاون التي سقطت في منطقة سويب جنوب بغداد فإن باقي الانفجارات في بعض أحياء بغداد لا سيما جانب الكرخ كانت عبارة عن عبوات ناسفة انفجرت بالقرب من منازل يقيم فيها نازحون من محافظة الأنبار»، مشيرا إلى أن «هذه العبوات الناسفة جاءت بعد نحو يومين من ظهور كتابات على جدران بعض المنازل تهدد النازحين بالخروج من بغداد».
وأكدت المصادر الأمنية المطلعة أن «السبب الذي يقف خلف ذلك هو أن هناك شعورا لدى الكثير من الجهات والفصائل المسلحة بأن موجة السيارات المفخخة التي بدأت تضرب مناطق مختلفة من بغداد إنما جاءت بعد موجة النزوح الكبير من أهالي الأنبار إلى العاصمة مما يعني أن هناك أعدادا كبيرة من المندسين دخلوا مع العوائل النازحة وأنهم تمكنوا من الحصول على كفيل بسبب وجود خلايا نائمة لهم في بغداد سهلت دخولهم أكثر مما سهلت دخول عوائل نازحة لا ناقة لها ولا جمل فيما يجري».
وكان رئيس مجلس محافظة الأنبار صباح كرحوت طالب أمس الحكومة المركزية بفتح تحقيق بجميع الحوادث التي يتعرض لها نازحو المحافظة في بغداد من تهديد وقتل. وقال كرحوت في تصريح صحافي إن «مجلس محافظة الأنبار يطالب الحكومة المركزية ووزارة الداخلية بفتح تحقيق بجميع الحوادث التي يتعرض لها نازحو المحافظة في جميع مناطق بغداد من تهديد وقتل على يد مجموعات إرهابية وإجرامية»، داعيا إلى «توفير الأمن والأمان والحماية اللازمة للأسر النازحة والمهجرة التي تسكن جميع مناطق بغداد».
من جهته، أكد عضو مجلس عشائر الأنبار التي تقاتل «داعش» فارس الدليمي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «ما يحصل لنازحي الأنبار في بعض مناطق بغداد ورغم ما يصاحبه من تهويل إعلامي صحيح ومؤسف جدا حتى لو كان مجرد حالات فردية رغم أن قناعتنا أن الأمر تعدى ذلك خصوصا أن من يقوم بذلك عناصر خارجة عن القانون بينما لم تتمكن الحكومة من لجم هذه العناصر». وأضاف الدليمي أن «هذه الممارسات جعلت أهالي الأنبار بين نارين؛ نار (داعش) في الرمادي ونار الميليشيات المنفلتة في بغداد، الأمر الذي أدى بهم إما إلى التوجه إلى كردستان وإما العودة إلى الرمادي لأن موتهم في بيوتهم أهون عليهم من الموت في الغربة».
وعثرت قوة أمنية على ثماني جثث تعود لرجال من أسرة واحدة نازحة من محافظة الأنبار جنوب غربي بغداد. وقال مصدر في الداخلية إن «قوة من الشرطة عثرت، على ثماني جثث تعود لرجال من أسرة واحدة نازحين من محافظة الأنبار هم الأب وأبناؤه وأبناء أخيه مرمية في إحدى الساحات المتروكة في منطقة حي الجهاد»، مبينًا أن «الجثث بدت عليها آثار طلقات نارية». وأضاف المصدر أن «ثلاثة من القتلى كانت بحوزتهم هويات أحوال مدنية تم التعرف من خلالها على أسمائهم ومنطقة سكناهم».
من جهته، أكد نعيم الكعود، شيخ عشيرة البونمر في محافظة الأنبار، أن القتلى الثمانية من عشيرته وطالب رئيس الوزراء حيدر العبادي بفتح تحقيق في الواقعة. وأضاف أن «مجموعة مسلحة اقتحمت، أحد منازل الأسر النازحة والمهجرة من الأنبار والتي تسكن منطقة حي الجهاد في بغداد، واختطفت 8 أشخاص من الأسرة جميعهم رجال بينهم 4 من أفراد الشرطة». وأضاف أن «المجموعة أخذت المخطوفين إلى مكان غير معروف، ولكن تم العثور على جثثهم قرب مدرسة العباس في منطقة حي الجهاد، وعليها طلقات نارية في الرأس والصدر».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.