قررت الحكومة الاتحادية في بغداد التفاوض والتنسيق مع السلطات المحلية في إقليم كردستان الشمالي بشأن ملف النفط بعد صدور قرار المحكمة الاتحادية، أول من أمس، الذي قضى ببطلان «قانون النفط والغاز» في الإقليم.
وطبقاً لبيان صادر عن اجتماع المجلس الوزاري للأمن الوطني الذي يرأسه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أمس (الأربعاء)، فإن بغداد قررت «تكليف وزارة النفط بالتواصل والتنسيق مع حكومة إقليم كردستان والشركات والدول المعنية، لإعداد الآليات والخطوات الكفيلة بإدارة هذا الملف، وفقاً لأحكام الدستور والمصلحة الوطنية العليا».
وأضاف أن المجلس الوزاري «خول وزارة النفط الاستعانة بالاستشاريين والخبراء من داخل العراق وخارجه لأجل وضع خريطة طريق فنية وزمنية بهذا الصدد».
وأثار القرار الذي اتخذته المحكمة الاتحادية غضب واستياء القيادات الكردية في أربيل العاصمة السياسية للإقليم، حيث رأى زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» رئيس الإقليم السابق مسعود البارزاني، أن القرار «سياسي بحت والهدف منه معاداة إقليم كردستان والنظام الفيدرالي في العراق».
وأضاف: «نحن نأمل بأن تتمكن حكومتا العراق وإقليم كردستان من التغلب على العوائق، والاتفاق على ملف النفط والغاز».
وغالباً ما يسهل على الأحزاب والكتل السياسية في دول مثل العراق التشكيك في دوافع القضاء والظروف التي يصدر قراراته وأحكامه في ضوئها، بالنظر إلى الاتهامات التي تطاله منذ سنوات؛ بالنسبة إلى تأثره وخضوعه لضغوط القوى السياسية النافذة، أو بالنسبة إلى الأوقات الملتبسة التي يختارها لإصدار أحكامه، فالحكم الأخير المتعلق بقانون نفط وغاز الإقليم، انتظر لنحو 10 سنوات على رفوف المحكمة الاتحادية ليجد طريقه أخيرا إلى الصدور في ظروف مثلت صدمة حتى بالنسبة لبعض الاتجاهات العربية المناوئة لسياسة التفرد التي ينتهجها الإقليم في استثمار حقول النفط داخل أراضيه ومن ثم بيعها في الأسواق العالمية بأسعار أقل بكثير من المعتاد.
وبحسب الحكم الذي أصدرته المحكمة؛ فإن الدعوى الأولى المقامة باسم وزير النفط الاتحادي ضد وزير الثروات الطبيعية في إقليم كردستان لعدم إيفائه بتسليم الحكومة الاتحادية الحصة النفطية المقررة إلى، تعود إلى عام 2012، وتعود الثانية المقدمة من قبل عضو سابق في مجلس محافظة البصرة إلى عام 2019. وليس من الواضح لماذا لم يتخذ أعضاء المحكمة الاتحادية السابقون حكماً في القضيتين، فيما قامت بذلك هيئة المحكمة الجديدة التي تسلمت مهامها عام 2021.
ويرى بعض المراقبين المحليين أن «أي قرار أو حكم يصدر هذه الأيام عن المحكمة الاتحادية سوف يقرأ بوصفه قراراً سياسياً، نتيجة أن البلاد تدور منذ 4 أشهر في دوامة أزمة سياسية وانتخابية».
وفي سياق الغضب المتواصل والرافض قرار المحكمة الاتحادية، أصدرت حكومة إقليم كردستان بياناً مطولاً قدمت فيه مجموعة من الحجج الدستورية والقانونية التي تدعم شرعية «قانون النفط والغاز» المعتمد في الإقليم، والتعاقدات التي أجراها بشأن استثمار وبيع النفط.
وقالت حكومة الإقليم في البيان إن «قرار (المحكمة) غير عادل وغير دستوري ويتعارض مع الحقوق والسلطات الدستورية لإقليم كردستان، وغير مقبول، وكان حرياً بالمحكمة إجراء تحقيقات أكثر توسعاً والأخذ بنظر الاعتبار مطالبات إقليم كردستان».
وأضافت أنها «لن تتنازل عن حقوق الإقليم المُثبتة في الدستور العراقي، ومن هذا المنطلق؛ فإن حكومة الإقليم ستواصل مساعيها مع الحكومة الاتحادية للتوصل إلى معالجة دستورية جذرية لهذا الملف، رغم أن حكومة إقليم كردستان طلبت وحاولت تأجيل هذه الدعوى وإعطاء فرصة أمام اتفاق حكومة إقليم كردستان مع الحكومة الاتحادية المقبلة». وتابعت أن «حكومة إقليم كردستان ستتخذ كل الإجراءات الدستورية والقانونية والقضائية للدفاع عن جميع العقود المبرمة في مجال النفط والغاز».
ورغم إعلان حكومة إقليم كردستان المتواصل عن استنادها إلى الدستور في حل المشكلات العالقة مع بغداد، فإن بيانات الرفض والتنديد بقرار المحكمة الاتحادية يظهر أنها؛ شأن معظم القوى السياسية العراقية، لا تتمسك كثيراً بالفتاوى والأحكام الدستورية إن لم تكن متطابقة من مصالحها، علماً بأن أحكام المحكمة الاتحادية المختصة بالفصل في النزاعات الدستورية باتة وغير قابلة للاستئناف.
ويميل بعض المراقبين المحليين إلى إمكانية توصل بغداد وأربيل إلى صيغة اتفاق لحل الأزمة الجديدة، ولا يستبعدون إمكانية تراجع «الاتحادية» عن بعض ما ورد في حكمها الأخير من خلال إصدار جديد مبني على دعوى قضائية معاكسة يتقدم بها الإقليم.
كان الإقليم تعرض لانتقادات عديدة في بغداد نتيجة عدم إيفائه بتعهده تسليم بغداد 250 ألف برميل يومياً من إنتاجه النفطي طبقاً لقانون الموازنة الاتحادية.
واعتبر الخبير الدستوري د. رمضان البدران أن قرار المحكمة الاتحادية بشأن عدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان «يعد خاطئاً ويعارض مبدأ دستورياً سليماً». وقال البدران إن «قرار المحكمة الاتحادية بشأن قانون النفط والغاز في إقليم كردستان، يدل على جهل المحكمة بمفاهيم كثيرة».
وأضاف: «لا يوجد في الدستور كلمة محافظة، وإنما توجد محافظات لم تنضو بإقليم، بمعنى أن الدستور بني على أن العراق سينتقل إلى بلد اتحادي وأقاليم، وأن المحافظات حالة عابرة ووقتية». ورأى أن «تفكير المحكمة الاتحادية، بأن النفط والغاز لكل الشعب العراقي ولا يجوز إدارته واستثماره إلا من قبل الحكومة المركزية، هو تفكير خاطئ».
وأكد أنه «يجوز للحكومات المحلية، وإدارات الإقليم، أن تستثمر ما لديها، لأن كل استثمار محلي هو في النهاية يصب في قوة اقتصاد البلد».
واعتبر البدران أن قرار المحكمة الاتحادية «لا يعي البعد الاقتصادي في الدستور، ولا يعي فكرة الانتقال من النظام المركزي الشمولي، إلى النظام الاتحادي».
وقضى حكم المحكمة الاتحادية الصادر بـ«عدم دستورية (قانون النفط والغاز) في حكومة إقليم كردستان رقم (22) لسنة 2007، وإلغائه لمخالفته أحكام المواد (110 و111 و112 و115 و121 و130) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005». وألزمت حكومة الإقليم بـ«تسليم كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في إقليم كردستان والمناطق الأخرى إلى الحكومة الاتحادية».
بغداد تقرر التفاوض والتنسيق مع الإقليم لإدارة ملف النفط
كردستان غاضبة من حكم المحكمة الاتحادية
بغداد تقرر التفاوض والتنسيق مع الإقليم لإدارة ملف النفط
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة