أميركا تسعى لاحتواء العنف الناجم عن مقتل شاب في مركز للشرطة

إعلان للطوارئ وحظر ليلي للتجول في بالتيمور.. وسكان: ضقنا ذرعا من قتل قوات الأمن للفتيان السود دون سبب

سكان ينظفون أمام أحد المحلات التي تعرضت للنهب في بالتيمور أمس (أ.ف.ب)
سكان ينظفون أمام أحد المحلات التي تعرضت للنهب في بالتيمور أمس (أ.ف.ب)
TT

أميركا تسعى لاحتواء العنف الناجم عن مقتل شاب في مركز للشرطة

سكان ينظفون أمام أحد المحلات التي تعرضت للنهب في بالتيمور أمس (أ.ف.ب)
سكان ينظفون أمام أحد المحلات التي تعرضت للنهب في بالتيمور أمس (أ.ف.ب)

جابت شرطة بالتيمور شوارع المدينة أمس غداة أعمال عنف اندلعت في أعقاب جنازة شاب من السود قتل في مركز للشرطة، حيث أحرق متظاهرون سيارات ونهبوا متاجر. واستمر الدخان الناجم عن الحرائق يتصاعد أمس في المدينة التي تقطنها غالبية من السود في شمال شرقي الولايات المتحدة وتشمل أحياء تعيش فقرا مدقعا، بعد فرض حظر تجوال بُدئ بتطبيقه، اعتبارا من يوم أمس ولمدة أسبوع، من العاشرة ليلاً حتى الخامسة صباحًا.
وتم إغلاق المدارس لدواع أمنية، بينما بدأت السلطات رصد حجم الأضرار في المدينة التي شهدت غضب مجموعات من الشبان الذين ضاقوا ذرعًا بسلوك الشرطة إزاء الشبان السود. وأعربت سلطات المدينة وشخصيات بارزة من السود وعائلة فريدي غراي الشاب الأسود القتيل عن الاستياء من أعمال العنف التي اندلعت بعد جنازته.
وأدانت وزيرة العدل لوريتا لينش أحداث العنف وقالت إن الوزارة ستقدم أي مساعدة مطلوبة. وقالت لينش التي كانت تتحدث بعد ساعات من أدائها اليمين: «إنني أدين أعمال العنف الحمقاء من بعض الأشخاص في بالتيمور والتي نتج عنها إلحاق الأذى بسلطات إنفاذ القانون وتدمير ممتلكات وتهشيم السلام في مدينة بالتيمور». وأضافت في بيان: «سأضع كل موارد وزارة العدل لدعم الجهود لحماية أولئك الذين يتعرضون للتهديد والتحقيق في المخالفات وتأمين نهاية للعنف». وبدورها، قالت رئيسة بلدية بالتيمور ستيفاني رولينغز بلايك: «قضى الكثيرون أجيالا لبناء هذه المدينة ولا يمكن أن ندع أشقياء يدمرونها». وأضافت: «من السخف الاعتقاد أن تدمير المدينة سيؤدي إلى حياة جديدة».
وتم استدعاء تعزيزات من الحرس الوطني لميريلاند وآلاف الشرطيين فيما فرض حظر تجوال ليلا في بالتيمور لإعادة الهدوء أمس. وأعلن قائد الشرطة، أن أعمال العنف التي بقيت محصورة في حي بشمال غربي المدينة أدت إلى وقوع 15 إصابة بين عناصر الشرطة الذين نقل اثنان منهم إلى المستشفى فيما اعتقل 27 شخصا غالبيتهم من تلاميذ الثانويات. وذكرت صحيفة «ذي بالتيمور صن» نقلا عن الشرطة أن شخصين أصيبا بجروح في تبادل إطلاق النار. لكن تعذر على الشرطة تأكيد هذه المعلومات. وفور انتهاء جنازة فريدي غراي، قامت مجموعات من الشبان معظمهم تلاميذ خارجون من المدارس بمهاجمة الشرطة وقذفها بالحجارة والحصى والعصي والزجاجات وغيرها. وجرى نهب عدة متاجر وإحراقها كما تم إحراق سيارات بما في ذلك سيارات للشرطة. وقال توني لاستر (40 عاما) أحد سكان المدينة «كل هذا يحدث لأن الناس ملوا من قتل الشرطة لشبان سود دون سبب. هذا يوم حزين، ولكن كان يجب أن يحدث».
وتوعدت الشرطة بفحص أشرطة الفيديو التي التقطتها كاميرات مراقبة وسواها من أجل القبض على مثيري أعمال الشغب. وأعلن قائد الشرطة، أن قسما من التعزيزات كان منتشرًا ليل الاثنين - الثلاثاء في المدينة، موضحا أن هذه التعزيزات ستقوم بصورة خاصة بمهام الحراسة في المناطق التي تعيد إليها شرطة المدينة الأمن. وأوضح مسؤول في شرطة ميريلاند، أن الولاية طلبت تعزيزات تصل إلى خمسة آلاف عنصر إضافي.
وكان حاكم ميريلاند لاري هوغان أعلن في وقت سابق حال الطوارئ «لإعادة النظام» إلى هذه المدينة البالغ عدد سكانها 620 ألف نسمة والواقعة على مسافة ستين كلم من العاصمة الفيدرالية. وكانت مدينة فيرغسون التابعة لولاية ميزوري في وسط الولايات المتحدة، شهدت أعمال شغب مماثلة الصيف الماضي إثر مقتل شاب أسود أعزل برصاص شرطي أبيض. كما وقعت حوادث أخرى مماثلة حركت الجدل حول العنصرية في صفوف الشرطة الأميركية.
وتوفي فريدي غراي في 19 أبريل (نيسان) الحالي إثر كسر في الفقرات الرقبية بعد أسبوع على توقيفه في بالتيمور التي تعد عددا من الأحياء الحساسة. وتعد وفاته الحلقة الأخيرة من سلسلة من أخطاء ارتكبتها الشرطة وأججت التوتر بين السود وقوات الأمن في الولايات المتحدة.
وتباين العنف الذي عم بالتيمور مساء أول من أمس مع الهدوء الذي خيم على مراسم تكريم ذكرى فريدي غراي. وتجمع نحو ثلاثة آلاف شخص من أقرباء وأصدقاء ومجهولين جمعهم سود لأداء صلوات في هدوء وإلقاء كلمات أمام جثمان الشاب المسجى في نعش أبيض مفتوح محاط بباقات زهور بيضاء في كنيسة «نيو شيلو» المعمدانية. واتخذت المراسم منحى سياسيا مع كلمة ألقاها محامي العائلة بيلي مورفي، وقال فيها: «إننا مجتمعون هنا من أجل فريدي غراي، إنما أيضا لأن هناك الكثيرين من هم فريدي غراي». وأبلغ الرئيس باراك أوباما بالوضع.
ومنذ إعلان وفاة الشاب الأسود تجري تظاهرات يومية في بالتيمور وكانت المظاهرة التي جرت ليل السبت - الأحد تحولت هي الأخرى إلى أعمال عنف. وأطلقت عدة تحقيقات لتوضيح ملابسات إصابة فريدي غراي من دون أن تؤدي إلى نتيجة. غير أن شرطة بالتيمور أقرت بأن الشاب كان يفترض أن يتلقى مساعدة طبية بعد اعتقاله، وتم وقف ستة شرطيين عن ممارسة مهامهم.



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.