في مشهد علمي متغير باستمرار، هل يعتبر التواصل بثقة تامة أفضل طريقة لكسب ثقة الجمهور؟ يشير بحث جديد إلى أنه، في كثير من الحالات، يثق الناس بأولئك الذين هم على استعداد لقول «لا أعرف»، وفقاً لتقرير لصحيفة «ذا كونفيرسيشن».
ودرس علماء النفس نشوء ما يسمى «الثقة المعرفية» في مرحلة الطفولة - أي الثقة في أن شخصاً ما هو مصدر معلومات موثوق به وواعٍ. يتعلم الأطفال الوثوق بمقدمي الرعاية لأسباب أخرى - تتشكل روابط التعلق على أساس الحب والرعاية المستمرة.
ولكن، من الوقت الذي يبلغ فيه الأطفال 3 أو 4 سنوات، يبدأون أيضاً في الوثوق بالناس بناءً على ما يدعون أنهم يعرفونه. بعبارة أخرى، منذ وقت مبكر من الحياة، تفصل أذهاننا بين نوع الثقة المرتبطة بالحب والرعاية والثقة التي نحتاجها للحصول على معلومات موثوقة ودقيقة تساعدنا في التعرف على العالم.
* مراقبة الثقة في المختبر
عادة ما يلتقي الأطفال بأشخاص ويتعلمون الحقائق منهم - شخص واحد يبدو واثقاً والآخر يبدو غير مؤكد. لا يزال الأطفال في الدراسة في مرحلة ما قبل المدرسة، لذلك استخدم الباحثون «دروساً» بسيطة مناسبة للفئة العمرية، وغالباً ما تتضمن تعليم الأطفال مفردات جديدة. وقاموا بتنويع الخصائص المرتبطة بـ«المعلمين» لمشاهدة كيف يستجيب الأطفال بشكل مختلف.
على سبيل المثال، وجد العلماء في المختبر أن نشاط دماغ الأطفال يستجيب للاختلافات في النبرة بين الثقة وعدم اليقين. إذا علمت طفلاً يبلغ من العمر 4 سنوات كلمة جديدة بثقة، فسوف يتعلمها من مرة واحدة. لكن إذا قلت «حسناً، لست متأكداً، أعتقد أن هذا يسمى (...)، يتغير شيء ما».
يُظهر النشاط الكهربائي في الدماغ أن الأطفال يتذكرون الحدث ويتعلمون الكلمة عندما يعلمهم شخص ما بثقة. عندما يتواصل شخص ما مع عدم اليقين، فإن الطفل يتذكر الحدث ولكن لا يتعلم الكلمة.
إذا قال المتحدث إنه غير متأكد، فيمكن أن يساعد ذلك المستمع في الواقع على فصل ذاكرة شيء معين سمعه من الحقائق التي يعتقد أنه يجب أن تكون معروفة على نطاق واسع.
* آثار الاعتراف بعدم اليقين
بالإضافة إلى تكوين انطباعات دقيقة في ذاكرتك، فإن عدم اليقين الذي يتم توصيله يساعدك أيضاً على التعرف على الحالات غير المؤكدة بطبيعتها. انتقال المرض هو أحد هذه الحالات.
يُظهر بحثنا أنه حتى الأطفال في سن الخامسة يتعلمون عن البيانات غير المؤكدة بشكل أفضل من شخص يعبر عن عدم اليقين هذا بشكل صريح من شخص واثق من أن الأشياء ستعمل دائماً بنفس الطريقة.
* الثقة الزائدة مضرّة
تظهر الدراسات أعلاه أن عدم اليقين الذي يتم توصيله بشكل مناسب يمكن أن يؤثر على الثقة على المدى القصير. لكن التواصل الوبائي، على سبيل المثال، معقد بشكل أساسي لأنه لا يمكن لأحد التنبؤ بالمعلومات التي ستتغير في المستقبل. فما هو الأفضل على المدى الطويل - الاعتراف بما لا تعرفه، أو إظهار الثقة في المعلومات التي قد تتغير؟
في دراسة حديثة، أظهر الخبراء أنه على المدى الطويل، عندما يكون لديك فرصة للخطأ، فإن الثقة الزائدة تنطوي على مخاطر. شاهدت مجموعة من الأطفال في سن 4 سنوات شخصاً بالغاً اعترف بأنه لا يعرف أسماء الأشياء الشائعة: كرة، كتاب، فنجان. شاهدت مجموعة أخرى شخصاً بالغاً ادعى أنه يعرف أسماء الأشياء ولكنه أخطأ في فهمها - على سبيل المثال، وصف الكرة بـ«حذاء».
عندما اعترف البالغ بالجهل، كان الأطفال في سن الرابعة على استعداد لمواصلة تعلم كل أنواع الأشياء منه، حتى المزيد من الكلمات. ولكن عندما كان الشخص البالغ واثقاً من نفسه وغير دقيق، فقد كل مصداقيته.
* الحفاظ على الثقة بقول «لا أعرف»
الدرس المستفاد من البحث هو أن التحدث بثقة عن المعلومات التي من المحتمل أن تتغير يمثل تهديداً أكبر لكسب الثقة من التعبير عن عدم اليقين. عندما يسن مسؤولو الصحة سياسة بثقة في وقت واحد، ثم ينفذون بثقة سياسة مختلفة، بل متناقضة، فيما بعد، فإنهم يتصرفون مثل «المخبرين غير الموثوق بهم»، وفقاً للعلماء في الدراسة.
وفيما يرتبط بالتواصل الخاص بالصحة العامة، يظهر هدفان: الأول هو حث الناس على التصرف بسرعة واتباع أفضل الممارسات بناءً على ما هو معروف الآن. والثاني هو اكتساب ثقة الجمهور المستمرة وطويلة الأمد بحيث عند الحاجة إلى اتخاذ إجراء سريع، يؤمن الناس بأنهم يفعلون الشيء الصحيح باتباع الإرشادات. والخطاب المصمم لنقل اليقين على أمل كسب امتثال واسع النطاق قد يأتي بنتائج عكسية إذا كان يخاطر برهن ثقة الجمهور على المدى الطويل.