باشاغا يبدأ مشاورات لتشكيل حكومة ليبية... والدبيبة يتمسك بالسلطة

«مجلس الدولة» يتراجع عن موقفه ويعتبر تغيير رئيس الوزراء «غير نهائي»

رئيس «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة خلال استقباله نظيره الفلسطيني محمد أشتية في طرابلس أمس (أ.ف.ب)
رئيس «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة خلال استقباله نظيره الفلسطيني محمد أشتية في طرابلس أمس (أ.ف.ب)
TT

باشاغا يبدأ مشاورات لتشكيل حكومة ليبية... والدبيبة يتمسك بالسلطة

رئيس «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة خلال استقباله نظيره الفلسطيني محمد أشتية في طرابلس أمس (أ.ف.ب)
رئيس «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة خلال استقباله نظيره الفلسطيني محمد أشتية في طرابلس أمس (أ.ف.ب)

بينما جددت حكومة الوحدة الليبية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، تمسكها بالبقاء في السلطة، أعلن فتحي باشاغا، رئيس الوزراء المكلف، بدء مشاوراته مع مختلف الأطراف السياسية في مناطق البلاد لتشكيل حكومته الجديدة.
والتزم المجلس الرئاسي، برئاسة محمد المنفي، الصمت حيال هذه التطورات السياسية المتسارعة، لكنه أعلن أمس عن ترحيب اللقاء المشترك، الذي عقده مع خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، بالتقارب بين مجلسي النواب والدولة، والتأكيد على دعم خريطة الطريق، والحفاظ على الزخم الشعبي لإجراء الانتخابات، على أسس دستورية صحيحة لعبور المرحلة الانتقالية.
وجاء الاجتماع بعدما سجل مجلس الدولة تراجعاً لافتاً عن موقفه بتأييد حكومة أغا الجديدة، وقال في بيان له مساء أول من أمس، بمناسبة الذكرى 11 لثورة 17 فبراير (شباط)، إن «التعديل الدستوري الثاني عشر، الصادر عن مجلس النواب، وكذلك تغيير رئيس الوزراء، هي قرارات غير نهائية، لأن هناك كثيراً من الملاحظات حولها»، موضحاً أن قراره بالخصوص «سيكون خلال جلسة رسمية، وبشفافية كاملة... بعيداً عن أي مكاسب سياسية ومصالح ضيقة قد يُفكر فيها البعض».
وكان أعضاء في مجلس الدولة قد تحدثوا عن تعرضهم للتهديد، بسبب تزكية باشاغا لرئاسة الحكومة، وقالوا في شكوى رسمية إلى النائب العام إنهم تلقوا تهديدات مباشرة لعقد جلسة جديدة للمجلس للتنصل من هذه التزكيات والتوافقات مع مجلس النواب.
في غضون ذلك، وبينما أعلن المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب عن جلسة مرتقبة للمجلس الاثنين المقبل، بهدف تمرير حكومة أغا، واصل الدبيبة ممارسة عمله رئيساً للحكومة، وأكد لدى ترؤسه أمس اجتماعاً لها في العاصمة طرابلس، استمرار الحكومة في تنفيذ برامجها لتوفير الخدمات للمواطنين بكل المدن والمناطق. وأعلن تكليف وزيرة العدل بتشكيل فريق قانوني مستقل لصياغة قانون للانتخابات، بالإضافة إلى تخصيص 2.5 مليار دينار للبلديات بموجب مقترح من وزير الحكم المحلي.
كما دعا الدبيبة وزراءه إلى الاستمرار في تنفيذ برامج الحكومة لخدمة المواطنين بشكل متساوٍ في جميع المدن. وتحدث عن ترسيخ حيادية مؤسسات الدولة، والنأي بها عن المناكفات السياسية، متعهداً بالكشف للمواطنين عن كل مصروفات الحكومة لتحقيق الشفافية.
وفي إشارة إلى مجلسي النواب والدولة، قال الدبيبة خلال اجتماع مجلس الوزراء العادي الثاني لهذا العام، الذي عقد أمس في مقر رئاسة الوزراء بطرابلس، إن «هناك من عطل العملية الانتخابية، ولا يهمهم سوى التمديد لأنفسهم، ولن نكون رهينة لهم. وسنعمل على الوصول إلى إجراء الانتخابات، ولن نعود إلى الوراء. كما لن نسمح بتمرير مؤامرة التمديد، وقطار الانتخابات قد انطلق بالفعل»، مضيفاً: «إننا لن نسمح باستمرار المراحل الانتقالية، وتمديد عمر الأجسام الحالية، وسنعلن عن خطة عودة الأمانة للشعب نهاية هذا الأسبوع».
كما عقد الدبيبة اجتماعاً مع محمد أشتية، رئيس الوزراء الفلسطيني، وعقدا مؤتمراً ناقشا خلاله العلاقات الثنائية، والتطورات الأخيرة في القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى سبل دعم الشعب الفلسطيني.
بدوره، قال محمد حمودة، الناطق باسم «الوحدة»، إن حكومته «تتمتع بالشرعية القانونية محلياً ودولياً، وهي مستمرة حتى التسليم لحكومة منتخبة»، مشيراً إلى أن «تسمية وتكليف رئيس الحكومة من اختصاص المجلس الرئاسي حصرياً، بموجب خريطة الطريق التي أقرها ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف»، مؤكداً أن إجراء سحب الثقة من الحكومة «مقيد بالاتفاق السياسي بموافقة مجلس الدولة، وتصويت 120 نائباً من البرلمان، وهو ما لم يحدث»، حسب تعبيره.
فى المقابل، أعلن أغا في كلمة مساء أول من أمس، أن مشاوراته الحالية لتشكيل حكومة ستضمن المشاركة السياسية الفاعلة لجميع الأطراف، مشيراً إلى تلقيه كثيراً من الاتصالات بالتهنئة من دول وصفها بالصديقة والشقيقة، وقال إنها «أبدت دعمها لتشكيل الحكومة الجديدة... ونحن ماضون في تشكيل الحكومة، وسيتم تقديمها لمجلس النواب في الزمن المحدد، ونأمل في أن تنال الثقة، وستتم عملية التسليم والتسلم وفق الطرق السليمة».
في سياق ذلك، أعلن 40 من أعضاء مجلس النواب في بيان مشترك، أمس، رفضهم تمسك الدبيبة بالسلطة، وطالبوا أغا بالإسراع في تقديم تشكيلته الحكومية لنيل الثقة، منتقدين ما وصفوه «رغبة الدبيبة في الانقلاب على الشرعية، التي منحته الثقة لحكم البلاد من أجل بقائه في السلطة»، واتهموه بـ«إفساد عرس الانتخابات بعد أن فشلت كل محاولاته في استعادة ثقة مجلس النواب». كما حثوا بعثة الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي على احترام الشرعية، وعدم التدخل في الشأن الداخلي لمجلسي النواب والدولة.
ومن جهته، دعا «تجمع قادة ثوار ليبيا» أمس، للتظاهر أمام مقر مجلس النواب في مدينة طبرق، ومقر البعثة الأممية في العاصمة طرابلس، اليوم، للمطالبة بإسقاط مجلسي النواب والدولة، في وقت استمرت فيه حرب البيانات المتبادلة والداعمة لحكومتي الدبيية وأغا، وسط فوضى سياسية على الرغم من تشديد ستيفاني ويليامز، مبعوثة الأمم المتحدة، وتوماس بيردال ممثل النرويج الخاص إلى ليبيا، خلال اجتماعهما أمس في طرابلس على أهمية الحفاظ على الهدوء والاستقرار في البلاد.
وقالت ويليامز إنها أعربت عن امتنانها لدعم النرويج لجهود الوساطة، التي تبذلها الأمم المتحدة كعضو في مجلس الأمن.
وكانت ويليامز قد امتنعت بعد اجتماعها مع الدبيبة وأغا مساء أول من أمس، عن إعلان موقف محدد من صراعهما الجاري حول منصب رئيس الحكومة.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.