أثارت أنباء متداولة عن تراجع القيمة السوقية لشركة «ميتا» - (فيسبوك) سابقاً - تساؤلات حول شعبية «فيسبوك» ومستقبل «ميتافيرس»، في ظل تزايد المنافسة مع تطبيقات أخرى مثل «تيك توك»، وتأثير قيود الخصوصية التي تفرضها شركة «أبل» على أرباح «فيسبوك» من الإعلانات. ويرى خبراء الإعلام والمتخصصون أن شركة «ميتا» قد تكون مُقبلة على سنوات صعبة، وأن سبب هذا التراجع تنفيذ «فيسبوك» سياسات جديدة فيما له علاقة بالخصوصية، في حين أشار آخرون إلى أن «فيسبوك» ستبقى المنصة الأشهر والأكثر تأثيراً.
مع بداية الشهر الحالي هبط سعر سهم شركة «ميتا» بنحو 26 في المائة، لتخسر الشركة 240 مليار دولار في يوم واحد، وذلك بعد ساعات من صدور تقرير عن أرباح الشركة كشفت فيه «تراجعاً في الأرباح خلال الربع الأخير من العام الماضي»، إضافة إلى «انخفاض عدد المستخدمين النشطين لتطبيق (فيسبوك) في الولايات المتحدة وكندا».
في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أرجع رائف الغوري، المتخصص في مجال تقنية المعلومات والمدرب الإعلامي السوري العامل في الإمارات، سبب تراجع القيمة السوقية لشركة «ميتا» إلى ما وصفه بـ«تأثير قوة الكلمة». وأردف أن «الأسواق المالية يمكنها أن تهتز صعوداً أو هبوطاً بناء على خبر... وكان الخبر هنا يستند إلى عدة عوامل، هي: المكالمة الجماعية التي أجراها مارك زوكربيرغ مؤسس (فيسبوك) مع محللي سوق الأسهم، والإعلان عن النتائج ربع السنوية التي خالفت توقعات المستثمرين... إذ تضمنت أنباء عن تراجع عدد المستخدمين اليوميين النشطين لـ(فيسبوك) للمرة الأولى بعد 18 سنة من تأسيس المنصة، إضافة إلى ميزة شفافية تعقّب التطبيقات التي أطلقتها شركة (أبل)، والتي تتيح للمستخدمين حظر التطبيقات من تتبّع سلوكهم على الإنترنت، وأخيراً ازدياد شعبية منصة (تيك توك)».
أما الباحث الإعلامي المصري، محمد الصاوي، فقال إن «هذا التراجع سببه تنفيذ (فيسبوك) سياسات جديدة كلياً فيما له علاقة بالخصوصية». وأوضح الصاوي لـ«الشرق الأوسط» أن «فيسبوك سيصبح الموقع الأكثر ربحية في المستقبل، خاصة مع قرب إطلاق (ميتافيرس)، الذي سيكون نقلة نوعية في عالم الواقع». وذكر أن «الوقت وحده سيحدد استمرار تراجع قيمة (فيسبوك) من عدمه»، وإن كان يُجزم بتعافي «فيسبوك» مجدداً.
في هذا الشأن، أجمل تقرير حديث لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، المشاكل التي تواجه «فيسبوك» في 6 نقاط، هي:
- المنافسة مع تطبيق «تيك توك».
- تراجع نمو عدد مستخدمي تطبيق «فيسبوك».
- تحديثات «أبل» المتعلقة بالخصوصية، التي تؤثر سبياً على إعلانات «فيسبوك».
- تحويل المعلنين ميزانياتهم إلى منصات أخرى، من بينها «غوغل».
- الإنفاق الهائل على «ميتافيرس».
- تعرّض الشركة لملاحقات قانونية بسبب الاحتكار.
عودة إلى الغوري الذي أوضح أن «عائدات الإعلانات تُشكل المصدر الرئيسي لدخل (ميتا)، وفي إطار المنافسة الشرسة بينها وبين (أبل)، طرحت شركة أبل ميزة شفافية تتبع التطبيقات التي تخيّر المستخدم إن كان يرغب في السماح للتطبيقات، ومنها (فيسبوك) بتتبعه من أجل توجيه الإعلانات له أو لا. وبالطبع فإن رفض هذا الشرط من جانب المستخدمين، يؤدي إلى تجفيف المصدر الرئيسي لدخل (فيسبوك) ألا وهو الإعلانات». أما الصاوي فيشدد على أن «تحديثات أبل، من أسباب تراجع القيمة السوقية لـ(فيسبوك)... لا سيما أن خصوصية مستخدمي (فيسبوك) هي العملة الأساسية في هذا العالم. بالتالي، سيكون على موقع (فيسبوك) تعديل سياساته عاجلاً أم أجلاً من أجل جذب أعضاء جدد».
في مجال متصل، عندما أعلن «فيسبوك» عن تغيير اسم الشركة المالكة للموقع الشهير إلى «ميتا»، فإنه وجه استثماراته إلى «ميتافيرس» وتكنولوجيا الواقع الافتراضي والمعزّز، باعتباره الجيل المقبل لـ«الإنترنت». وهنا، بينما يرى خبراء الإعلام والمتخصصون أن «إنفاق (فيسبوك) السخي على هذه التكنولوجيا أحد أسباب خسارته الحالية»، يقول محمد الصاوي إن «فيسبوك قادر على المنافسة وتوظيف كل ما يحدث حالياً بطريقة استثمارية في إطلاق (ميتافيرس)». وحول هذا الأمر، يؤكد رائف الغوري أن «زوكربيرغ يراهن على أن (ميتافيرس) هو الجيل التالي من الإنترنت... وأن فيه جزءاً كبيراً من الاقتصاد الرقمي العالمي. لذا حوّل زوكربيرغ جزءاً كبيراً من موارد الشركة نحو هذا الهدف، واستقطب مهندسين من شركات منافسة مثل (غوغل) و(أبل)، مما زاد من نسبة العاملين في الشركة إلى نحو 23 في المائة، إضافة إلى عمله على إنشاء أضخم نظام حاسوبي في العالم لتشغيل ميتافيرس، وهو ما يستنفد الجهد والمال والوقت». ومن ثم، يتساءل الغوري حول «ما إذا كان الوقت يعمل لصالح (فيسبوك) في هذا السباق، وسط قلة صبر المستثمرين، وتراجع عائدات الإعلانات» من دون أن يستبعد مواجهة «فيسبوك» «سنوات صعبة».
ثم أن للغوري رأيه بشأن اعتبار خبراء الإعلام والمتخصصين المنافسة مع «تيك توك» من أسباب تراجع قيمة «فيسبوك» وشعبيته، خاصة بين الأجيال الأصغر سناً، من دون توقعهم أن تقضي هذه المنافسة على «فيسبوك» كموقع للتواصل الاجتماعي. فهنا يقول: «من المرجح أن يحافظ جيل المخضرمين على استخدامهم (فيسبوك)، في حين تتزايد شعبية (تيك توك) لدى الأجيال الأصغر سناً، إذ إن معظم مستخدميه ممن تقل أعمارهم عن 30 سنة. وهذا ما يعني تفوقاً مستقبلياً لـ(تيك توك)».
وحول الفارق بين منصتي الموقعين، يشرح الغوري قائلاً: «تيك توك منصة لمشاركة مقاطع الفيديو القصيرة، ولقد نجحت في إيصال فيديوهات المستخدمين للملايين، مع محدودية التكلفة الإعلانية، حيث لا تتجاوز 20 دولاراً في اليوم، أي أقل من الإعلان على أي منصة أخرى... وهي حالياً الموقع الأول زيارة على شبكة الإنترنت، متجاوزة محرك البحث «غوغل». أما «فيسبوك» فهو منصة اجتماعية غنية بأدوات وأساليب المشاركة، كالنصوص والصور والصوت والفيديوهات واستطلاعات الرأي وغيرها من الأدوات التي تسهّل تبادل المعلومات والأخبار وتبادل المعرفة بأدوات ميسرة، ويتجاوز عدد مستخدميه نصف عدد سكان الكرة الأرضية». وبالفعل، يرى الصاوي أنه «ما زال في جعبة (فيسبوك) الكثير، فهي شركة دائمة التطوير والتحديث، ولا يمنع هذا من استمرار المنافسة، وحتى مع خسارتها الأخيرة، لا تزال المنصة الأشهر والأكثر تأثيراً في كل أنحاء العالم».
من جهة ثانية، حذرت شركة «ميتا» في تقريرها السنوي، الموجّه إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية من أن «الشركة قد لا تكون قادرة على تقديم خدماتها (فيسبوك) و(إنستغرام) في الاتحاد الأوروبي، ما لم يُعتمَد اعتماد إطار عمل لنقل البيانات، ولم يسمح للشركة استخدام الاتفاقيات الحالية لنقل البيانات بين الولايات المتحدة وأوروبا، وذلك بينما تخضع فيه الاتفاقيات الحالية لنقل البيانات إلى مراجعات في الاتحاد الأوروبي، بعد إلغاء الاتفاق السابق في منتصف 2020».
الغوري يشدد في هذا الصدد على أن «البيانات هي نفط المستقبل... وكما تختلف وتتفق الدول حول إنتاج النفط وتوزيعه، كذلك سيكون الحال مع البيانات. إن شعوب أميركا وأوروبا وصلت حالياً إلى هذا المستقبل». ثم يضيف: «الخلاف حول نقل البيانات ليس بين شركتين؛ بل بين قارتي أوروبا وأميركا، وسيجري البت في هذا الأمر عندما تصدر مفوضية حماية البيانات في آيرلندا قرارها خلال النصف الأول من العام الحالي، ولذا تأتي تهديدات (فيسبوك) من باب قرع جرس التنبيه».
ويتابع الغوري أنه «لا يتوقع أن توقف (ميتا) تطبيقاتها في أوروبا... خاصة أن الخلاف ليس على نقل البيانات؛ بل على مستوى هذه البيانات وعمقها»، مرجحاً أن «التوصل إلى اتفاق إطاري ما بين الجهات القانونية حول هذه التفاصيل، لضمان استمرار تقديم الخدمات الرقمية وتطوير الحلول المبتكرة التي تعيش وتزدهر على نمو البيانات وتبادلها». ومن جانبه، يرى الصاوي أن «(فيسبوك) عبر هذه التصريحات، يمارس نوعاً من الضغط على مشتركيه في أوروبا، وعلى متخذي القرار. ذلك أن علاقته مع مستخدميه قوية، ولا يمكن أن تنتهي في غضون أسابيع».
تساؤلات بشأن شعبية «فيسبوك» ومستقبل «ميتافيرس»
تساؤلات بشأن شعبية «فيسبوك» ومستقبل «ميتافيرس»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة