مواجهات في «الشيخ جراح» بعد افتتاح نائب متطرف مكتباً فيه

الرئاسة الفلسطيني توجه لدعم الأهالي... و{حماس} و{الجهاد} تحذران تل أبيب

صدامات بين فلسطينيين ومتطرفين يهود في القدس الشرقية الأحد (وفا)
صدامات بين فلسطينيين ومتطرفين يهود في القدس الشرقية الأحد (وفا)
TT

مواجهات في «الشيخ جراح» بعد افتتاح نائب متطرف مكتباً فيه

صدامات بين فلسطينيين ومتطرفين يهود في القدس الشرقية الأحد (وفا)
صدامات بين فلسطينيين ومتطرفين يهود في القدس الشرقية الأحد (وفا)

تفجرت مواجهات جديدة في حي الشيخ جراح في القدس هي الأعنف بين الفلسطينيين، وقوات الشرطة ومستوطنين منذ عدة شهور، على خلفية افتتاح عضو الكنيست المتطرف ايتمار بن غفير، مكتبا برلمانيا له في أحد منازل الحي، في خطوة قالت الرئاسة الفلسطينية إنها ستواجهها، وحذرت معها حركتا حماس والجهاد تل أبيب «من اللعب بالنار».
واشتبك فلسطينيون مع قوات إسرائيلية ومستوطنين، طيلة يوم أمس، وليلة السبت/ الأحد، مستخدمين الأيادي والحجارة والزجاجات والكراسي، ما خلف مصابين وجرحى ومعتقلين.
وبدأ التوتر مع إعلان بن غفير مساء السبت، أنه سينقل مكتبه إلى حي الشيخ جراح وإلى منزل متنازع عليه في أرض عائلة سالم العربية، قبل أن يهب الفلسطينيون لحماية المنزل وتهاجمهم قوات الاحتلال ومستوطنون. واعتدت الشرطة على المقدسيين عدة مرات بالضرب والدفع، ورد متظاهرون اللكمات، في وقت كان يوجه لهم المستوطنون شتائم مستفزة، ثم تحولت ساحات الشوارع إلى أماكن للمواجهات شهدت عمليات هجوم على منازل وسيارات وتجمعات. وقال فلسطينيون، إن المستوطنين المتطرفين هاجموهم وهاجموا منازلهم وعائلاتهم، وقال المستوطنون العكس، زاعمين أن فلسطينيا دهس أحدهم قبل أن يقول أحدهم في إفادته، إنه تعرض لرذاذ الغاز، وفقد السيطرة على سيارته.
وعزز بن غفير، التوتر الأحد إلى أقصى حد، عندما فتح مكتبه في الحي مع حشد كبير من المستوطنين ودعم أكبر من قوة شرطية إسرائيلية قمعت أهالي المنطقة المحتجين.
وقالت الشرطة إنها صدت أعمال الشغب، بعد تجاهل تحذيرات الشرطة وأمر تفريق المظاهرة الذي أصدره ضابط شرطة في مكان الحادث. «واضطرت الشرطة إلى استخدام وسائل لتفريق المظاهرات»، وأعلنت عن اعتقالها متظاهرين.
أما بن غفير، فقال متحديا الفلسطينيين، إنه يفتتح مكتبه في منزل المواطن اليهودي طال يوشفاييف، دعما له في مواجهة الفلسطينيين وبعد أن تعرض منزله للحرق عدة مرات.
وادعى بن غفير أنه مستهدف وأنه جرى إطلاق النار على حي «جفعات هافوت» في كريات أربع حيث يسكن. ونشر النائب المتطرف، بياناً جاء فيه، أنه «يعتزم مساعدة السكان ومنحهم شيئاً من الأمن والدعم الذي لا يتلقونه من الدولة، وتأمين فرصة وصولهم بانتظام إلى المكتب البرلماني في الحي، لهذا الغرض، حيث سيستقبلهم بمساعدة من طاقم مكتبه». وأضاف «إذا لم تكن الشرطة موجودة - أنا سأكون هناك». وهذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها بن غفير افتتاح مكتبه في الحي، إذ حاول ذلك قبل حوالي 9 أشهر في خضم مواجهات متوترة في المكان، تسببت لاحقا باندلاع مواجهة عسكرية في قطاع غزة، وأجبر بن غفير آنذاك على إغلاق مكتبه تحت وطأة الغضب المتنامي.
ووجهت الرئاسة الفلسطينية بتقديم كل دعم ممكن لأهالي الشيخ جراح. وقال مستشار ديوان الرئاسة لشؤون القدس، أحمد الرويضي، إن حي الشيخ جراح لن يكون إلا فلسطينيا. مضيفا، أن «حكومة الاحتلال لا تتعامل مع الموضوع على أساس قانوني وإنما على أساس سياسي، وما يحدث في الشيخ جراح جريمة تستهدف أهل الحي والقدس بشكل عام، والمقصود دفع الناس إلى الخروج (من الحي) تحت حصار الخوف من المستوطنين».
وأكد الرويضي، أن تعليمات الرئيس لكل المسؤولين في القدس، أن يقفوا مع أهل الحي في محنتهم بهذه الجريمة التي ترتكب ضدهم، وأن الجميع مدرك خطورة ما يحدث وما يرتب وما يخطط له في محيط البلدة القديمة، بدءاً من الشيخ جراح وانتهاء ببلدة سلوان.
ولفت إلى وجود متابعة من أجل دعم أهالي الحي والقدس، وتوفير الحماية العاجلة لهم تجاه ما يحدث من اعتداءات تهدد حياتهم. وحمل الرويضي حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن النتائج المترتبة على هذا الاعتداء على الشيخ جراح. ودعا الرويضي المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى البدء في التحقيق الفعلي ضد هذه الجريمة وضد جرائم الاستيطان.
من جهته، اعتبرت الخارجية الفلسطينية، أن عجز المجتمع الدولي عن تنفيذ أي من القرارات الأممية بشأن القضية الفلسطينية، بات يشكل غطاء لدولة الاحتلال لتنفيذ المزيد من أطماعها الاستعمارية في أرض دولة فلسطين. وقالت الخارجية إن العدوان الإسرائيلي المتواصل على أحياء مدينة القدس ومقدساتها ومواطنيها، يهدف إلى أسرلة وتهويد المدينة المقدسة، وتغيير واقعها التاريخي والقانوني والديمغرافي.
ودعت الخارجية المجتمع الدولي ومجلس الأمن، لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لإجبار دولة الاحتلال على وقف استفرادها وتغولها على القدس، مؤكدة «أن التأخير غير المبرر في إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس، يشجع دولة الاحتلال على التمادي في تنفيذ مشاريعها التهويدية الاستعمارية في المدينة المقدسة».
أما حركتا حماس والجهاد، فقد حذرتا إسرائيل من دفع الثمن، وقالت حماس إن إسرائيل «تلعب بالنار تشتعل من أجلها كل فلسطين نصرة بكل ما تملك». وقالت حركة الجهاد الإسلامي، إن الأوضاع برمتها ستتفجر إذا بقي الاعتداء على أهالي الشيخ جراح.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.