هل الحب ممنوع حتى إشعار آخر؟

لا يمكن أن ينتصر على الأحقاد المتراكمة إلا بعد أن تستنزف كل طاقتها

بلزاك  -  سبونفايل  -  ألبير كامو
بلزاك - سبونفايل - ألبير كامو
TT

هل الحب ممنوع حتى إشعار آخر؟

بلزاك  -  سبونفايل  -  ألبير كامو
بلزاك - سبونفايل - ألبير كامو

بما أن العالم كله يحتفل بعيد الحب يوم 14 فبراير (شباط) فاسمحوا لنا أن نثرثر قليلاً حول هذا الموضوع الذي يدوخ العقول، هذا إذا بقيت عقول... يرى الفيلسوف الفرنسي المعاصر أندريه كونت سبونفيل أن الحب هو المشكلة الفلسفية الوحيدة الجادة التي تستحق الاهتمام وليس الانتحار على عكس ما زعم ألبير كامو. من المعلوم أن هذا الأخير كان قد كتب هذه العبارات الشهيرة في مطلع كتابه «أسطورة سيزيف»: «لا توجد إلا مسألة فلسفية جادة بالفعل: الانتحار. بمعنى أن السؤال المطروح هو التالي: هل تستحق الحياة أن تُعاش أم لا؟ الإجابة على هذا السؤال تعني الإجابة على المسألة الأساسية للفلسفة».
كلام غريب وعجيب الشكل، أكاد أقول إنه كلام فارغ، لكاتب كبير مشهور حائز على جائزة نوبل للآداب. لا يمكن لأي شخص يعمر قلبه الحب أن يقول إن الحياة لا تستحق أن تعاش. بل لا يمكن أن يطرح هذا السؤال حتى مجرد طرح. عندما نصبح عاجزين عن الحب تصبح الحياة جحيماً لا يطاق. وربما نفكر عندئذ في الانتحار كحل وحيد لمشكلتنا الشخصية. ولكن هذا لا يحصل إلا لفئة قليلة من البشر المصابين بالإرهاق السيكولوجي، بالمرض النفسي العضال. وهؤلاء لا يستطيعون أن يحبوا بأي شكل من الأشكال. بل ويفقدون طعم الحياة. وأخطر ما في الأمر هو أنهم لا يستطيعون أن يحبوا حتى أنفسهم! لقد فقدوا القدرة على حب ذاتهم أو تقدير شخصهم وعندئذ تبرعم في أعماقهم الرغبة في الانتحار. عندئذ تفقد الحياة معناها. فمن لا يستطيع أن يحب نفسه لا يستطيع أن يحب غيره. من لا يستطيع أن يحب نفسه شخص مريض، غريق، انتهى. وبالتالي فعلى الحب نعيش، على الحب والإيمان. الحب هو الذي ينقذنا من خطر اليأس القاتل الذي يدفع إلى الانتحار. الحب هو محرك الوجود، جوهر الوجود. هذا ما يقوله لنا ليس فقط الفيلسوف أندريه كونت سبونفيل وإنما مؤسس التحليل النفسي ذاته: أي سيغموند فرويد. وبالتالي فالحب هو أصل كل الإنجازات والإبداعات على وجه الأرض. الحب يعمر القلوب، ينبت الزرع في الأرض البوار. الحب يصنع المعجزات كما تقول إحدى السيدات. ولذلك اسمحوا لي أن أطرح هذا السؤال المخيف الذي يؤرقني: هل يمكن أن ينتصر الحب على الأحقاد التاريخية الهائلة التي تكاد تشعل العالم العربي والإسلامي كله حالياً؟ بصراحة لا أعتقد. يا ليت! وذلك لسبب بسيط هو أن فلسفة التاريخ تقول لنا ما فحواه: لا يمكن للحب أن ينتصر على الكره والأحقاد المتراكمة على مدار التاريخ إلا بعد أن تأخذ هذه الأحقاد كل مداها وأبعادها، إلا بعد أن تستنفد كل طاقتها وإمكانياتها. وهذا سوف يستغرق عدة عقود من السنين، عدة أجيال. بهذا المعنى أقول إن الحب مرجأ إلى أجل غير مسمى في العالم العربي. آسف إذ أقول هذا الكلام، بل وأعتذر عنه كل الاعتذار. كنت أتمنى أن أقول العكس. ولكن هذه هي الحقيقة. لا أستطيع أن أكذب عليكم ولا على نفسي. هنيئاً للأجيال القادمة التي ستجيء بعد خمسين سنة أو حتى مائة سنة بعد أن تكون الأجواء قد نُظفت تماماً من كل هذه المنغصات والتلوثات والاستحقاقات. أما نحن؟ نحن جيل الاحتراق والعبور.
ولكن الحب بالمعنى «الضيق» للكلمة غير مؤجل لحسن الحظ: أقصد الحب الرومانسي الذي طالما تغنى به الشعراء. ولذلك نقول استطراداً على ما سبق: أكبر دليل على أنك شخص طبيعي هو التالي: هل لا تزال قادراً على الحب أم لا؟ هل لا تزال قادراً على العشق والغرام أم لا؟ إذا كنت قادراً نجوت، فزت فوزاً مبيناً. وإلا فعلى الدنيا السلام. انتهيت يا صديقي. انتهيت يا عزيزي. أكل عليك الدهر وشرب. الله يساعدك. رافقتك السلامة.
بالطبع الحب أنواع ودرجات. أول شيء يخطر على بالنا عندما نلفظ هذه الكلمة: هو حب المرأة والجمال. ولكن هناك أنواع أخرى من الحب، وأولها حب الحقيقة مثلاً. وقد يجيء مباشرة بعد حب المرأة بالنسبة للعباقرة أو ربما قبله. بل ويرى البعض أنه يشبهه إلى حد كبير. ما العلاقة بين حب المرأة وحب الحقيقة؟ هل المرأة حقيقة والحقيقة امرأة؟ بشكل من الأشكال: نعم. الحقيقة أعظم عشيقة! كل الفلاسفة الكبار يعرفون ذلك. لطالما حلموا بها على مدار التاريخ: من أفلاطون إلى أرسطو إلى ديكارت وكانط وهيغل... إلخ. لطالما ركضوا وراءها. لطالما سهروا الليالي من أجل «سواد عيونها»!... فكبار الفلاسفة والعلماء ليس لهم إلا هدف واحد: اكتشاف الحقيقة ومعانقتها بعد طول انتظار، وكذلك العاشق. وبالتالي فأين هو الفرق؟ على أي حال هناك علاقة مؤكدة بين الحقيقة والجمال. وحدها الحقيقة جميلة، ووحده الجمال حقيقي. قد تقولون: ولكن هذه فذلكات عويصة تتجاوز أفهامنا وعقولنا ونحن في غنى عنها أصلاً. ولا نعرف لماذا تتحفنا بها غصباً عنا!
لكن لنعد إلى صلب الموضوع. ماذا يقول هؤلاء العباقرة عن الحب، عن أنبل عاطفة على وجه الأرض؟ يقول بلزاك عملاق الرواية الفرنسية: «الحب كالبحر لكن بلا ضفاف». ربما كان هذا أجمل تعريف قرأته عن الحب. بالمختصر المفيد: البحر واسع عميق، بل وشديد الاتساع. من يستطيع أن يحيط بالبحر؟ ولكن رغم كل اتساعه يبقى البحر محصوراً بالضفاف. يبقى محدوداً. أما الحب فلا ضفاف له وبالتالي، فهو لا محدود ولا نهائي. بهذا المعنى فالحب أوسع من البحر بملايين المرات.
يقول القديس أوغسطين أحد الآباء الكبار للكنيسة المسيحية:
حدود الحب هي أنه بلا حدود.
بمعنى: حب محدود أو مشروط ليس حباً. عاشق ومشارط؟ عيب. تعشق حتى منتصف الطريق وتقطع الحبل فينا؟ مش معقول! اخجل على نفسك أيها المشعوذ! إما أن تعشق حتى نهاية الشوط وإما ألا تعشق أبداً. نقطة على السطر. أما أن تلعب على الحبلين أو الثلاثة فهذه مسألة أخرى. ولكن ربما كنت هنا أتجاوز حدودي وأقول القديس الكبير ما لم يقله. فهو رجل دين بالدرجة الأولى، وبالتالي فهو يقصد الحب الإلهي - لا الحب البشري. وهنا يكمن الفرق بينه وبين بلزاك. هنا يكمن الفرق بين الحب الديني - والحب العلماني. والدليل على ذلك أن القديس أوغسطين يقول أيضاً هذه الكلمات البليغة:
«هناك حبان اثنان صنعا عالمين مختلفين: حب الذات إلى درجة نسيان الله: وهذا صنع العالم الأرضي. وحب الله حتى نسيان الذات: وهذا صنع العالم السماوي».
جميل، حلو. شكراً للقديس الكبير أوغسطين. وهكذا فعل شاعرنا الكبير ابن الفارض الذي غرق يوماً ما في الحب الإلهي الذي يعمر القلب بالإيمان. وكذلك فعلت تلك القديسة الرائعة رابعة العدوية صاحبة الأبيات الشهيرة: أحبك حبين حب الهوى... شكراً لمدينة البصرة العراقية المجيدة التي أنجبت العباقرة. التصوف الإسلامي من أعظم فتوحات الأرض والسماء. التصوف الإسلامي بحر لا حدود له. وفي الختام الحب أشكال وأنواع. وبما أننا احتفلنا بعيد السنة الميلادية مؤخراً فلنتذكر إذن ما قاله السيد المسيح في الإنجيل: «المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة». ولنتذكر أيضاً ما قاله الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي:
أدين بدين الحب أنى توجهت
ركائبه فالحب ديني وإيماني
هنا على هذه الأرضية، على هذا المستوى من العلو والارتفاع، يتعانق الإسلام والمسيحية بكل تناغم وانسجام.



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».