أندريه سويد لـ«الشرق الأوسط»: خفت من الإعاقة بعد انفجار بيروت فغنّيت

أغنيته الجديدة «لالي» تحصد المليونية الأولى

يعزف أندريه سويد على الكمان منذ صغره  -  «لالي» تشكل انطلاقة أندريه سويد في عالم الغناء
يعزف أندريه سويد على الكمان منذ صغره - «لالي» تشكل انطلاقة أندريه سويد في عالم الغناء
TT

أندريه سويد لـ«الشرق الأوسط»: خفت من الإعاقة بعد انفجار بيروت فغنّيت

يعزف أندريه سويد على الكمان منذ صغره  -  «لالي» تشكل انطلاقة أندريه سويد في عالم الغناء
يعزف أندريه سويد على الكمان منذ صغره - «لالي» تشكل انطلاقة أندريه سويد في عالم الغناء

كان في منزله الواقع مقابل مرفأ بيروت، عندما حصل انفجار 4 أغسطس (آب)، فأصيب عازف الكمان أندريه سويد بيده وفي أنحاء جسمه، إثر سقوط حطام الزجاج عليه. فجأة شعر بأنّ يده شُلّت، فلم يعد باستطاعته أن يحركها أو أن يشعر بها. «كانت لحظات فظيعة ومرعبة، إذ كنت قبل دقائق قليلة أقف على شرفة منزلي، وأتساءل عن سبب الدخان المتصاعد من ناحية المرفأ مقابل بيتي»، يوضح سويد لـ«الشرق الأوسط». ويتابع: «بعد نقلي إلى المستشفى أوعز إلي الأطباء بأخذ قسط من الراحة إلى حين تحسن وضع يدي وأناملي. وبعد عملية جراحية أجريت لي عملت بنصيحة الأطباء، سيما أنّ الخوف تملكني من إمكانية اصابتي بإعاقة دائمة». بقي أندريه سويد على هذه الحال نحو شهرين حتى بعدما أزيلت الندوب وآثار الخياطة عن يده. «بقيت لا أستطيع تحريك أناملي، حتى عندما حاولت الإمساك بآلة الكمان خفقت ولم أتمكن من العزف عليها».
هذه الحادثة التي تركت بآثارها الجسدية والنفسية على الموسيقي أندريه سويد، دفعته للتفكير بتغيير مجال عمله. فهو يمارس هوايته موسيقياً وعازف كمان منذ نحو 25 عاماً. رافق فنانين كثيرين في حفلاتهم الغنائية كإليسا وراغب علامة وحتى مع الراحل ملحم بركات. كان يحلم بأن يعود إلى مهنته ويعزف على الكمان من جديد. «وكي لا أشعر بالإحباط واليأس، قررت التحول إلى الغناء لأنّ فكرة إصابتي بإعاقة دائمة كانت بمثابة هاجس عندي».
بالفعل أصدر سويد أولى أعماله الغنائية «لالي»، وكانت المفاجأة أنّها حصدت مليون مشاهدة في ظرف 5 أيام. «طبعاً الأمر فاجأني لأنّ الناس تعرفني كعازف، فكنت قلقاً من رد فعلهم، وعمّا إذا سيتقبلونني كمغنٍ. ولكن النتيجة جاءت لتبرهن أنّهم أعجبوا بالأغنية، خصوصاً أني اليوم استعدت عافيتي وصرت قادراً على العزف من جديد».
يخبرنا سويد بقصته مضيئاً على الناحية الإيجابية في تجربته، أكثر من سلبياتها. فيؤكد أنّه رفض الاستسلام والانزواء والعيش مع همومه ومحورها الأساسي توقف مهنته كعازف. وهل يعني ذلك أنك تخليت عن العزف وأصبحت مطرباً؟ يرد: «مطرب كلمة كبيرة، لا أعتقد أن صوتي يستحق هذه الصفة. لا شك أنّ لدي أذناً موسيقية جيدة وصوتاً مقبولاً، لكن شعوري بتحدي إصابتي وبتجاوزها أثرا علي بشكل كبير. وأنا متأكد من أنه يلزمني وقت طويل كي أجيد الغناء كما العزف. وبما أنّ قوتي عادت إلى يدي وأناملي، فسأكمل مشواري في الغناء وفي الموسيقى معاً».
ابتكر سويد من الموسيقى وبالتحديد من عزفه على آلة الكمان أسلوباً جديداً في الفن. «كنت أجعل أوتار الكمان تغني فيتفاعل معها المستمعون بشكل كبير، يصفقون أو يرقصون فرحاً. اليوم تغير الوضع صرت أعزف وأغني في آن، فتتناغم نوتات الموسيقى وتتداخل مع بعضها كي تؤلف مشهدية فنية تنبض بالحياة والأمل».
تأثر سويد بعازفي كمان لبنانيين وأجانب فكان يراقبهم منذ كان طفلاً هو الذي يبلغ اليوم 29 عاماً. ويقول: «لطالما لفتني عازف الكمان جهاد عقل، فهو من أوائل الموسيقيين المحليين الذين استخدموا الكمان في وصلات عزف فردية (سولو) أمام الجمهور. تأثرت به، ولكنني اتبعت أسلوباً مغايراً في عملية العزف. اتجهت نحو الأغاني الشبابية والحديثة، لا سيما الرائجة منها بعيداً عن الأصيلة والشعبية التي اعتمدها عقل. ومن بين الفنانين الذين أعزف أغانيهم على الكمان في حفلاتي ناصيف زيتون وراغب علامة. وأحاول دائماً أن أطبعها بأسلوبي في العزف فتتبدل إلى حدٍ كبير».
إضافة إلى جهاد عقل، يبدي سويد إعجابه بعازف الكمان العالمي أندريه ريو، ويحب طريقته في العزف. «كما تعلمت كيف أنشر موسيقاي على قناة (يوتيوب) أسوة بموسيقيين غربيين كـ(بيانو غروب) و(تو تشيللوز)».
غبّ سويد من تجاربه في مرافقة المغنيين على المسرح كعازف كمان، خبرة كبيرة في عالم الفن والغناء معاً. «هذه التجارب زودتني بفكرة شاملة عن الفن والغناء والزواريب والأسواق الخاصة. فهي وفرت لي فرص السفر إلى بلدان عديدة من خلال حفلات كان يحييها المطربون النجوم الذين أرافقهم. فعرفتني على عالم الموسيقى بشكل أوسع وأكثر شمولية. كما صرت أكثر حذراً من ارتكاب أخطاء قد تصادف من يعمل في هذا المجال. وأكثر ما كان يزعجني في عملي عازفاً، هو أسلوب تعامل المطربين مع فريقهم الموسيقي. بعضهم مع الأسف لا يكنّون له التقدير المطلوب بل يعاملونه بأسلوب يقلل من شأنه. غالبية العازفين في فرق موسيقية مع الفنانين يعانون من نفس الموضوع. ناهيك عن أنّ ما يتقاضاه العازف، مقارنة مع أجر الفنان لا مجال فيه للمقارنة، فهناك فرق شاسع بين الاثنين. وأعترف أنه لا عدل في العلاقة بين العازف والمطرب، وتشوبها الكثير من الأخطاء».
يشير سويد إلى أنّ الخلفية الدراسية التي يتمتع بها عادة الموسيقي هي أهم من تلك التي يملكها الفنان. فالموسيقي المحترف عليه أن يدرس ويتخصص، كما حاله هو الذي تخرج في معهد الموسيقى الوطني. ومع ذلك فهو لا ينال حقوقه، ولا يُقدّر لا معنوياً ولا مادياً. ويتابع: «من الفنانين الذين عملت معهم ضمن فرقهم الموسيقية وأعجبت في كيفية تعاملهم مع العازف، السوبر ستار راغب علامة. تعلمت منه الكثير إن على المسرح أو في استوديو التسجيل. فهو صاحب أخلاق دمثة ومتواضع وخفيف الظل. عملت معه نحو ست سنوات، وكانت معاملته لنا نحن الموسيقيين ممتازة وكان يقدر ما نقوم به».
أغنية «لالي» التي ينطلق معها اليوم سويد في عالم الغناء هي من كلمات وألحان عمر ساري وتوزيع الموسيقي عمر صباغ. وتأتي بعيد انضمامه إلى شركة الإنتاج «ميوزك إذ ماي لايف» لإدارة أعماله، فيما تتولى شركة «وتري» التوزيع الرقمي. وقد صورها فيديو كليب بإدارة المخرج ريشا سركيس. ويحاكي سويد من خلالها الحبيبة، وتعد من الأغاني الشبابية الحماسية. «رغبت أن أدخل الفرح إلى قلب سامعها خصوصاً أنّنا نمرّ في فترة لا تدعو إلى التفاؤل. وقد نجح المخرج ريشاً في أن يحمّلها صوراً تبعث على الشعور بالإيجابية».
ينتظر اليوم سويد الأصداء التي ستتركها أغنيته الجديدة «لالي» على الساحة، كي يبدأ في التحضير لعمل ثانٍ. ويختم: «جاهدت وتعبت وحيداً كي أشق طريقي في عالم الفن والموسيقى. ولكن اليوم ومع فريق محترف يرافقني في شركة «ميوزك إذ ماي لايف»، صرت أسير بخطوات واثقة، وسأعود إليها بالطبع مع ولادة عملي الجديد».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».