معرض في باريس عن تقاليد الزهد والتأمل في الهند

حين تصل النشوة بصاحبها إلى حد شرب كل مياه المحيط

من المعروضات 
جلسة يوغا
الآلهة سارافاتي
لوحة من مقتنيات مكتبة دبلن
من المعروضات جلسة يوغا الآلهة سارافاتي لوحة من مقتنيات مكتبة دبلن
TT

معرض في باريس عن تقاليد الزهد والتأمل في الهند

من المعروضات 
جلسة يوغا
الآلهة سارافاتي
لوحة من مقتنيات مكتبة دبلن
من المعروضات جلسة يوغا الآلهة سارافاتي لوحة من مقتنيات مكتبة دبلن

«أحمل على جسدي كل رماد العالم». هذا ما كتبه الشاعر الصوفي الهندي «كبير» (1440 - 1518)، مؤسس جماعة «أرباب كبير بانت» التي تعد من الطوائف التي ما زال أفرادها يعتمدون الزهد في معيشتهم حتى اليوم. ويمكن لمن يزور متحف «غيميه» في باريس أن يقرأ كلمات ذلك الشاعر منقوشة على لوح من المنمنمات في معرض حول رياضات اليوغا وطرائق التأمل يستمر حتى الثاني من مايو (أيار) المقبل.
ومتحف «غيميه» الواقع في الدائرة 16 من باريس له حكاية في حد ذاته، وهو يعد الحاضنة الفرنسية لفنون شرق آسيا. أسسه الصناعي والرحالة إميل غيميه في القرن التاسع عشر ليجمع فيه مقتنياته من الفنون الآسيوية وليكون مركزاً لدراسة الأديان الشرقية القديمة. ومما يعطي أهمية لمجموعة غيميه أنه اصطحب معه في رحلاته صديقه الرسام والمصور فيليكس ريغامي الذي رافقه في جولة حول العالم، ابتدأت بدول أوروبا واتجهت نحو الولايات المتحدة لحضور المعرض الكوني في فيلادلفيا، لتشمل بعد ذلك اليابان والصين والهند. وعاد الرحالة من جولاته بما يعد نواة لرسوم وصور ومشاهدات لم تكن معروفة لدى عامة الفرنسيين.
أراد غيميه، في البداية، أن يكون متحفه في مدينة ليون، مسقط رأسه، لكن الأمر استقر على العاصمة باريس واحتاج إلى ثلاث سنوات من المفاوضات مع مسؤولي الجمهورية الثالثة الذين نظروا بعين القلق إلى تأسيس متحف يهتم بكل الأديان. وتم في النهاية تخصيص قطعة أرض للمتحف قرب ساحة «تروكاديرو» كانت موقعاً لسيرك قديم. وجرى الافتتاح في خريف 1889 بحضور رئيس الجمهورية سادي كارنو وتمت تسمية غيميه مديراً له مدى الحياة.
المعرض الذي يستقبله المتحف، حالياً، يضم عشرات اللوحات والمنمنمات المستوحاة من مشاهد التأمل وأنماط الزهد لدى أتباع البوذية والهندوسية والإبراهيمية والتصوف الإسلامي، وكأنها تتوجه جميعاً للإنسان لتذكيره بأنه راحل ذات يوم. لهذا اعتزل أصحاب تلك الطرائق العالم المادي بكل فساده وشهواته على أمل الحلول في أرواح أفضل، لمن يؤمنون بالتناسخ.
من سياق المعرض الذي استغرق الإعداد له ثلاث سنوات من البحث الجماعي، يفهم الزائر الأهمية الكبيرة لممارسي «اليوغا» الذين كانوا يتمتعون بشعبية هائلة تصل إلى خشية الآخرين منهم باعتبارهم في طور التماهي المباشر مع الطبيعة كقوة خارقة. وهناك شروحات لدور تنقية الروح وممارسة الإماتة ومحاربة الرغبات لبلوغ الراحة النفسية.
هناك تماثيل للمعلم «شيفا»، الذي بلغ مراتب الآلهة، بوجوهه الخمسة ومظهره الرهيب وشعره الأشعث وعينيه الواسعتين المخيفتين، ومعه زوجته بارفاتي. إنه يجلس عارياً مثل دودة أمام كوخه الذي يتسع لمقعد واحد. فالرفاهية تقترن بالنار، ولا بد من حزام لضبط النفس يمسك بالساقين، مع التهجد بالأناشيد الدينية. إن الزاهد يبلغ المرحلة العليا وينسى نفسه وهو يحدق في السماء دون نهاية، بل ينظر في عين الشمس. وتقول الأسطورة الهندية إن أكثر الناس بلوغاً للنشوة من يستطيع شرب كل الماء الذي في المحيط.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».