بعث عزوف رئيس «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري، عن الترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة، رسائل متناقضة حيال الدور المستقبلي للطائفة السنية، أكبر طوائف لبنان، الذي يعيش نظامه على مبدأ التوازن والتوافق بين طوائفه.
فوسط الضجيج الناجم عن الأصوات الخائفة من الانكفاء السني، في سنة مصيرية للبنان ستشهد انتخابات برلمانية في ربيعها، ورئاسية في خريفها، إذا لم يحصل فراغ رئاسي في نهايتها، كما درجت عليه الأمور في آخر 15 سنة، ثمة من يجد إيجابية تحول «التهديد إلى فرصة»، كما يقول رئيس سابق للحكومة في وصف الحراك الحاصل بين القيادات السنية، والهادف إلى إيجاد صيغة تسمح بقيادة الحراك الانتخابي السني بمعزل عن وجود الحريري وتياره الذي قاد الساحة السياسية السنية منذ مطلع التسعينات.
وتنطلق الأسئلة من كون مشاركة الطائفة السنية في المشهد الانتخابي، حتى هذه اللحظة، لن تتسم بقوة مركزية قادرة على خوض الانتخابات في جميع الأراضي اللبنانية تحت شعار واحد، حيث يبدو أن زعامات مناطقية تخوض الانتخابات، ويلتقي بعضها على عناوين سيادية وإنمائية، وتؤكد معظمها الالتزام بـ«الثوابت العربية، ومواجهة التمدد الإيراني»، وذلك في العناوين الاستراتيجية التي ترفعها، إلى جانب عناوين داخلية مثل الالتزام بالتنمية ووضع لبنان على سكة التعافي والتفاوض مع صندوق النقد الدولي والدفع بالإصلاحات.
غير أن غياب القوة المركزية، كما كانت عليه في الدورات السابقة التي كانت فيها «كتلة المستقبل» تمثل أغلبية التمثيل السني في البرلمان، ستنتج عنها كتل صغيرة تحتاج إلى توافقات لتشكيل جبهة موحدة في الاستحقاقات المقبلة، لا سيما انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتكليف رئيس جديد للحكومة.
غير أن هذا الحراك دونه محاذير عدة، كما يقول رئيس سابق آخر للحكومة، فقيادة الانتخابات تحتاج إلى مرجعية وآلية وماكينة فعالة، بالإضافة إلى من سماهم «الأحصنة» التي ستخوض السباق الانتخابي، وهذا غير ممكن في هذه الحال، خصوصاً أن دار الفتوى ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، يبدوان غير راغبين بالدخول إلى «زواريب الانتخابات»، مفضلين الحفاظ على الدور الوطني الجامع للقيادة الدينية للطائفة.
ووسط انكفاء رؤساء الحكومات السابقين عن المشهد، تضاعف حضور دار الفتوى وانخراطها في المشهد السياسي على خط تثبيت دور السنة والحفاظ على وجه لبنان العربي والالتزام بالثوابت العربية، كما تدعو دار الفتوى إلى «معالجة الأمور بالتعاون والتشاور ووحدة الصف ولم الشمل، في ظل الظروف المصيرية التي يمر بها البلد»، حسب ما نُقل عن المفتي دريان هذا الأسبوع. وأعلن دريان أخيراً أن «دار الفتوى كانت وستبقى قائمة بدورها الديني والوطني التوحيدي الذي يحفظ كيان لبنان وحقوق أبنائه، وهي مع مطالب الشعب ضمن الأطر والقوانين المرعية الإجراء التي تحفظ البلد من التراجع والانهيار»
وفي المقابل، ثمة أصوات ترى أن الارتباك الحاصل بغياب الحريري، سيكون بدوره فرصة للخروج من الأزمة الوطنية الكبرى، ويستدلون على ذلك بمتانة الموقف الوطني للطائفة، كما يعبر الوزير السابق نهاد المشنوق، وبإمكانية «بروز قيادات سنية جديدة»، كما يقول الوزير السابق أشرف ريفي.
ويبدو أن هناك من يراهن على «انكفاء السنة» عن الانتخابات في إعادة لسيناريو مقاطعة الانتخابات من قبل المسيحيين في عام 1992، لكن القيادات السنية الأساسية لا تزال مصرة على نفي هذا السيناريو، من دون أن يتبلور بعد السيناريو الواقعي، الذي يتوقع أن تظهر معالمه خلال الأسابيع المقبلة.
المشنوق يبدي اقتناعه بعدم قدرة «حزب الله» على اختراق كبير في الطائفة، فيما يستدل الخبراء الانتخابيون إلى واقع محاولة استفادة «حزب الله»، بالإشارة إلى حجم تأثير الصوت السني في دوائر كثيرة، لا سيما في بيروت، وعكار (شمال لبنان) والبقاع الشمالي والبقاع الغربي والأوسط (شرق لبنان) وفي دائرة الشوف في جبل لبنان، وفي دائرة الجنوب الثالثة في النبطية.
ومثلت الأصوات السنية في الدورات الانتخابية السابقة، وزناً انتخابياً ثقيلاً ساهم في إيصال نواب من طوائف أخرى إلى الندوة البرلمانية، لا سيما في عكار وبيروت وجبل لبنان والبقاع الأوسط والغربي، وهي ما رفع كتلة «المستقبل» بنواب من طوائف أخرى، كما ساهمت تحالفات «المستقبل» مع قوى سياسية بإيصال مرشحين لها، لا سيما «القوات اللبنانية» في الشمال، و«التقدمي الاشتراكي» في بيروت.
التهديد بالانكفاء السُنّي يتحول إلى فرصة
أكبر طوائف لبنان لا تتجه لمقاطعة الانتخابات بعد عزوف الحريري
التهديد بالانكفاء السُنّي يتحول إلى فرصة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة