واشنطن «لا تستطيع التأكيد» أن القرشي فجّر نفسه خلال الهجوم

مسؤولون أميركيون يشيرون إلى «تلغيم» الطابق الثالث في مبنى سكنه زعيم {داعش} شمال سوريا

مطبخ البناء الذي كان يسكن فيه زعيم «داعش» قبل اغتياله في ريف إدلب (رويترز)
مطبخ البناء الذي كان يسكن فيه زعيم «داعش» قبل اغتياله في ريف إدلب (رويترز)
TT

واشنطن «لا تستطيع التأكيد» أن القرشي فجّر نفسه خلال الهجوم

مطبخ البناء الذي كان يسكن فيه زعيم «داعش» قبل اغتياله في ريف إدلب (رويترز)
مطبخ البناء الذي كان يسكن فيه زعيم «داعش» قبل اغتياله في ريف إدلب (رويترز)

قال مسؤولون عسكريون أميركيون إن زعيم تنظيم «داعش» أبي إبراهيم الهاشمي القرشي، ربما لا يكون المسؤول عن تفجير المبنى الذي هاجمته قوات الكوماندوس في قرية أطمة شمال شرقي سوريا، في 3 فبراير (شباط) الحالي.
ويشكك المسؤولون أن زعيم «داعش» ذا الساق الواحدة قد فجر نفسه وعائلته بحزام ناسف حينما وصلت القوات الأميركية، لأن إعاقته منعته من استخدام السترة الناسفة. ويعتقد المسؤولون العسكريون أن القرشي قام بتجهيز الطابق الثالث من المبنى بمتفجرات استعداداً لأي هجوم، لأن الانفجار كان أكبر اتساعاً من انفجار سترة ناسفة عادية، التي غالباً ما تحتوي على خمسة أو عشرة أرطال من المتفجرات.
ووفقاً لأربعة مسؤولين أميركيين لديهم معرفة مفصلة بالعملية، لا يزال من غير الواضح من الذي فجر الانفجار داخل المنزل، ولماذا كانت حصيلة البنتاغون لعدد القتلى تختلف عن أرقام القتلى التي أعلنتها جماعات الإغاثة التي فتشت بين الأنقاض في أعقاب تفجير المبنى المكون من ثلاثة طوابق.
وقال المسؤولون للصحافيين يوم الخميس - شرط عدم كشف هويتهم - إن القوات الأميركية قتلت القرشي وزوجته في معركة بالأسلحة النارية، وكان القرشي محصناً في غرفة صغيرة ويطلق النار من هناك، بينما كان هناك شخص آخر يطلق النار عند باب المبنى، وكشف المسؤولون أنه كانت لديهم فرصة جيدة للقبض على القرشي حياً.
وقد أعلنت الإدارة الأميركية نجاح العملية التي شاركت فيه مروحيات أميركية وطائرات هليكوبتر وطائرات أباتشي وطائرات بدون طيار من طراز «ريبر» التي توفر المراقبة الجوية. وحملت الطائرات 24 من قوات الكوماندوس الخاصة وفرقة «دلتا» المدربة على أعلى مستوى - واستمرت الغارة ساعتين فجر يوم الخميس وأدت إلى مقتل زعيم «داعش» وعائلته.
واعترف المسؤولون بعدم وجود فيديوهات لتفجير المبنى في سوريا أو المحاولات لإخراج المدنيين. وحسب المسؤولين، استجابت عائلة لديها أربعة أطفال في الطابق الأول من المنزل لنداءات القوات الأميركية والمترجمين الذين تحدثوا باللغة العربية مطالبين السكان بالخروج من المنزل، ويقول المسؤولون إنه بمجرد خروج هذه العائلة انفجر الطابق الثالث من المبنى، مما أدى إلى سقوط الجثث على الأرض.
يؤكد قادة البنتاغون أن غارة 3 فبراير التي أسفرت عن مقتل أبي إبراهيم الهاشمي القرشي، كانت «مخططة بشكل رائع، وتم تنفيذها بحذر شديد لتقليل أخطار الأضرار الجانبية». ويقول مسؤولون أميركيون، إن قرشي أو «شخصاً آخر» تسبب في الانفجار قبل دخول القوات الأميركية. ويواجه القادة العسكريون تساؤلات وضغوطاً من منظمات الإغاثة الإنسانية والمرصد السوري لحقوق الإنسان ومنظمة اليونيسيف حول ما إذا كان من الممكن تجنب وفيات إضافية في الموقع.
أحصى المسؤولون الأميركيون سبع حالات وفاة على الأقل في المبنى، بما في ذلك القرشي وثلاثة من أفراد أسرته كانوا معه، وكان أحدهم طفلاً. وأحصى المسؤولون الأميركيون ثلاثة آخرين قتلوا في الطابق الثاني من المبنى، بمن فيهم مساعد قريشي وزوجة المساعد وطفل. وقال مسؤولون عسكريون إن شخصين بالغين آخرين، يشتبه البنتاغون في أن لهما صلات بمنظمة إرهابية منفصلة، قتلا برصاص القوات الأميركية خارج مبنى منفصل بينما كانا يلوحان بالأسلحة.
لكن جماعات الإغاثة تقول إن بعض القتلى - خصوصاً الأطفال - ربما لم يتم إحصاؤهم. في يوم الغارة، ذكرت منظمة اليونيسف أن ستة أطفال على الأقل قُتلوا في أطمة ليلة الغارة «بسبب العنف الشديد»، وأن «المناطق المأهولة بالسكان المدنيين أصيبت بأضرار بالغة».
وقال مسؤولان عسكريان أميركيان، إنه لا يزال من غير الواضح سبب وجود تباينات بين عدد الأطفال الذين أحصت القوات الأميركية بين القتلى والعدد الذي أفادت به منظمات الإغاثة. وقال أحد المسؤولين «لم أر أي شيء يقودني إلى استنتاج أن هناك عدداً مختلفاً من الضحايا عما رأيناه». لكنه أقر أنه «من المؤكد أن هناك أشياء إضافية في نطاق الممكن».
كانت القوات الأميركية قد بدأت التخطيط للهجوم في سبتمبر (أيلول) الماضي، وتلقت قوات الكوماندوس والعمليات الخاصة تدريبات مكثفة لتنفيذ الغارة على نموذج بالحجم الطبيعي للمنزل الذي يقيم فيه القرشي. وقال أحد المسؤولين، إن الهدف كان قتل القريشي على قيد الحياة، وجمع أي معلومات استخبارية من المجمع «وبالطبع تجنب أي ضرر غير ضروري للمدنيين».
في الأشهر التي قضتها القوات الأميركية في مراقبة المبنى، أشارت التقارير إلى أنه لا أحد باستثناء قرشي ومساعديه وعائلاتهم لديه أي صلات بتنظيم «داعش»، أو حتى كانوا على علم بأن زعيم المنظمة الإرهابية كان يعيش في الطابق الثالث من المنزل. وقال مسؤول عسكري كبير يوم الخميس، إنهم قرروا أن «لا أحد» في القرية كان على علم بوجود قريشي، وأنه «من الواضح أنها كانت حالة اختباء على مرأى من الجميع».
وقد تولى القريشي رئاسة تنظيم «داعش» في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، بعد مقتل الزعيم أبي بكر البغدادي في غارة أميركية. وعلى عكس سلفه، لم يكن القريشي اسماً مألوفاً. وقال المسؤولون إنه لم يغادر المنزل أبداً خلال الأشهر التي شاهدتها الولايات المتحدة واستعدت للغارة.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.