سنوات السينما

سنوات السينما
TT

سنوات السينما

سنوات السينما

للحب قصة أخيرة (1985)‬
■ فيلم رأفت الميهي هو واحد من عدد ملحوظ من الأفلام الجيدة التي طرحتها السينما المصرية ما بين 1985 و1986 لكنه أكثرها تميّزاً في موضوعه كما في شكل هذا الموضوع، يوازيه مرتبة في الإجادة ذلك «الطوق والأسورة» لخيري بشارة.
حكاية زوج مريض اسمه رفعت (يحيى الفخراني) وزوجته سلوى (معالي زايد) التي تكن له حباً كبيراً. ومحاولتهما تبيان الحقيقة في شأن الشيخ التطاوي الذي نصح الناس الزوج بزيارته بعدما تنبأ له الجميع بموت قريب. رفعت مصاب بمرض في القلب والمشكلة هي أن الزوج الذي جرّب العلم من دون نجاح، في النهاية لم يبقَ أمامه سوى أن يستجيب لتقاليد متوارثة تعتقد أن هناك أولياءً يستطيعون شفاء المرضى بمجرد اللجوء إليهم وعن طريق تعويذات وابتهالات مصحوبة ببعض المال (أو ربما الطعام) لهم.
يقوم رفعت بزيارة الشيخ التطاوي ويخرج من عنده ويصف لزوجته ما شاهده وشعر به: «اللي شفته شيء قبيح جداً يا سلوى. مخلوق ظهره مقوس، إيديه ورجليه مليانة قشف. عينيه مغمضة على طول من الرمد المزمن. مخلوق متكوم على كرسيه في ركن الزاوية. ريحة النتانة طالعة منه. لما قربت منه حسيت إنه مافيهوش أي حاجة تدل على إنه ولي، أو حتى شيخ طيب ممكن يعمل معجزات. ماقدرتش أقف أُصاده، ولما قالوا لي أدّم وبوس إيده ماقدرتش. ادّيتهم ضهري وخرجت».
الفيلم إدانة لتخلّف المعتقدات وللإرث الذي ما زال ملايين الناس (حول العالم) يعيشون في داخله. تخلف هو حصيلة فقر وجهل وبيئة تطلب الرجاء بولوج عالم تلك المعتقدات والخدع المصاحبة لها.
ينجح الميهي في رسم المأزق الناتج عن اكتشاف احتمال موت زوجها. لكن هذا المأزق ليس الطرح الوحيد الذي ورد في فيلم الكاتب والمخرج الراحل. هناك الطبيب (عبد العزيز مخيون) الذي يعيش في كنف تلك الظلال الغريبة التي يفرضها مرض والدته. هي منذ خمسة عشر عاماً طريحة الفراش. يداويها ويعالجها ويؤمّن لها احتياجاتها الدنيوية المختلفة (إطعام، استحمام، إلخ...) متحملاً قسوة الوضع. هو بائس يائس ولا يعرف السعادة إلا عندما تموت والدته في ليلة كان يجامع فيها امرأة غازية.
المشهد التالي لذلك للطبيب وهو يتمشى سعيداً وقد غيّر هندامه. موت والدته منحه الحياة. وهناك قطع آخر ذو دلالة نراه في مشهد يلي مشهد حب بين الزوجين وقد شارفت أزمتهما على الانضواء وهو قيامها برش الحديقة بخرطوم المياه.
يسعى الميهي لدفع مقارنة بين حكاية الزوجين وحكاية الطبيب ويكتشف أن الثلاثة يتداولون أزمة نفسية وعاطفية كبيرة. في الوقت ذاته، ينجلي «للحب قصة أخيرة» عن فيلم رومانسي. ربما فيه مشاهد عُدّت (بشهادة البعض على الأقل) فاضحة، لكنها مغلّفة برقة أوضح.
«للحب قصّة أخيرة» هو فيلم عن الحياة والموت كرديفين متلازمين أساساً يعبّر عنهما الميهي في مشهد مرور مركب بجنازة وآخر بعرس فوق صفحة النيل. الجنازة مسيحية والعرس إسلامي. يوظّف المخرج هذا المشهد ليؤكد على التآخي واللبنة الواحدة بين الطائفتين. يسود الخشوع ذلك اللقاء العابر فوق المركبتين وينتقل إلى المتفرج بأحاسيس صادقة.
■ حين انطلق رأفت الميهي (1946 - 2015) صوب السينما اختار كتابة السيناريو أولاً. وضع سيناريو «جفّت الأمطار» لسيد عيسى (1967)، ثم «غروب وشروق» (1970) الذي كان أول تعاون بينه وبين كمال الشيخ. هذا التعاون أنجب لاحقاً اثنين من أفضل أعمالهما معاً وهما: «الهارب» (1974)، و«على من نطلق الرصاص» (1975). «للحب قصّة أخيرة» كان ثالث فيلم من إخراجه بعد «عيون لا تنام» (1981) و«الأفوكاتو» (1983).


مقالات ذات صلة

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز