«نشر غسيل» مسرحية تعتمد على الفن الجماعي

تتناول الطبقية الاجتماعية بأسلوب ساخر

«نشر غسيل» مسرحية تعتمد على الفن الجماعي
TT

«نشر غسيل» مسرحية تعتمد على الفن الجماعي

«نشر غسيل» مسرحية تعتمد على الفن الجماعي

كان من المتوقع أن تُعرض مسرحية «نشر غسيل» من تنظيم جمعية سيناريو للفنون والتعليم في شهر يناير (كانون الثاني) الفائت. ولكن مع تزايد عدد الإصابات بـ«كورونا» والطقس العاصف الذي ساد لبنان في تلك الفترة، تقرر تأجيلها إلى 11 فبراير (شباط) الحالي. تُقدم المسرحية على خشبة «دوار الشمس» في بيروت، ضمن عرض مخصص لأهل الصحافة. وستُصوّر كي تعرض «أونلاين» في وقت لاحق، حسب البرمجة التي تضعها «سيناريو».
يشارك في المسرحية مجموعة من الممثلات غير المحترفات التقين في مشروع لجمعية «سيناريو». بعضهن جاء من البقاع وبيروت وأخريات تم اختيارهن من جنسيات أخرى، سوريات وفلسطينيات يعشن في لبنان. إضافة إلى تلك النساء، اختيرت مجموعة من النيبال والفلبين وإثيوبيا. وتحكي المسرحية التي صممتها المشاركات بأنفسهن وأخرجتها سارة عطا الله، عن عدد من العاملات في مصبغة تحت الأرض. ولأنّ زبائن هذا المكان ينتمون إلى الطبقة المخملية شكّلت ثيابهم المرسَلة إلى المصبغة من أجل التنظيف المتنفس الوحيد للعاملات.
توضح مخرجة العمل سارة عطا الله في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «اخترنا الموضوع بعد تمارين عدة جمعتنا مع المشاركات. ومن خلال فكرة أزياء الأثرياء المرسلة إلى المصبغة، سنشهد أحداث مسرحية ساخرة. نقوم برحلة مليئة بالمواقف الاجتماعية ترتكز في كل مرة على واحد من هذه الأزياء».
وتعد «نشر غسيل» من المسرح الجماعي المعروف بالأجنبية بـ«Divising theatre». وهو من الفنون المسرحية التي لا ترتكز على نص جاهز، بل على مجموعة أفكار تولد بين المشاركات تحت إشراف المدرب.
على مدى أربعة أشهر، ومن خلال تمارين مختصة بهذه التقنية الفنية، ولدت موضوعات المسرحية. فجمعية «سيناريو» تدرج في برنامجها السنوي أعمالاً فنية خاصة بالنساء. وعادة ما تكون أحداث هذه المسرحيات مرتبطة ارتباطاً مباشراً بأفكارهن وهمومهن ومشكلاتهن. وبعد إقامة لقاءات عدة تُغربل الأفكار لتنبثق منها شخصيات وأحداث العمل. وهو ما ينعكس إيجاباً على أوضاع النساء المشاركات، فيستفدن من التجربة على الصعيدين الشخصي والاجتماعي.
خليط من مشاهد لا كواليس فيها، حيث تقف المشاركات مجتمعات طيلة وقت عرض العمل على الخشبة، نتابع موضوعات منوعة. بينها ما يتطرق إلى الهجرة والفساد والطبقية ونظام الكفالة، إضافة إلى الحريات بشكل عام.
«كل ما نشاهده يدور في قالب ساخر وارتجالي يعكس وجهة نظر المشاركات وتجربتهن في الحياة». تقول عطا الله التي لم تجد صعوبات تذكر خلال تمرينها للممثلات. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»، «لم نصادف أي عائق في عملنا على الرغم من التنوع الثقافي والاجتماعي اللذين يطبعان المشاركات. حتى أنّ اللبنانيات بينهن، وهن طالبات جامعيات أخذن على عاتقهن ترجمة الحوارات من العربية إلى الإنجليزية والعكس؛ كي تستوعبه جميع النساء على اختلاف مشاربهن، لا سيما السيدات من الفلبين والنيبال».
الديكورات والإضاءة في المسرحية هي وحدها التي تتبدل في سياق القصة، فتلون مشاهد العمل بمشهدية تكمل محاور المسرحية المليئة بمواقف ساخرة وكوميدية.
وتقول الفلبينية ميريام برادو، المشاركة في العمل وهي أم لولدين، إنّ تجربتها في هذا العمل كانت شاملة. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»، «استطعت من خلالها التعبير عن أحاسيسي وأفكاري وطموحاتي. كما سمحت لي بالتواصل مع أشخاص رائعين، لا سيما الممثلات الآتيات من منطقة البقاع. هذه المسرحية ساعدتني لتجاوز مخاوفي وقلقي، وأتمنى أن أعيد الكرّة مع جمعية سيناريو مرة جديدة».
أمّا السورية لينا درويش، فهي تنتمي إلى جمعية «نساء الآن»، تقول، إنّ تجربتها في المسرحية، فتحت أمامها آفاقاً منوعة. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»، «كل حركة في جسمي، ونبرة في صوتي، عبّرت فيها عن مشاعري، وفضفضت من خلالها عن كل ما في أعماقي. كنت أجهل قبل هذ التجربة كيف أتحدث عن همومي، لكنّ التمثيل كان علاجاً من نوع آخر. ولعل هذا العمل الذي يعتمد الفن الجماعي أسهم في تعريفي على ثقافات جديدة أفتخر بها».
يذكر أن مسرحية «نشر غسيل» تقام بالتعاون مع جمعيات «نساء الآن»، و«أليانس» (تحالف عاملات المنازل)، ودار الأيتام الإسلامية. أمّا تمويلها فيعود إلى الصندوق الكندي لدعم المبادرات المحلية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».