«بيروت الثانية» أمام اختبار المزاج الانتخابي بعد عزوف الحريري

جمعية «الأحباش» تدرس فك تحالفها مع «حزب الله» تفادياً للعقوبات

TT

«بيروت الثانية» أمام اختبار المزاج الانتخابي بعد عزوف الحريري

لن يكتمل المشهد الانتخابي في دائرتي بيروت الثانية والثالثة (11 مقعداً نيابياً) ويبقى عالقاً على ما سيقوله زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في رسالته إلى اللبنانيين في الذكرى السابعة عشرة لاستشهاد والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، مع أن مصادره تؤكد لـ«الشرق الأوسط» بأنه لن يخرج عن الإطار العام الذي كان رسمه لمحازبي التيار الأزرق وجمهوره وأعلن فيه تعليقه للعمل السياسي وعزوفه عن خوض الانتخابات النيابية من دون أن يدعو إلى مقاطعتها، كحال الرئيس تمام سلام الذي كان السباق في عزوفه.
ولم يُعرف ما إذا كانت دعوته لعدم مقاطعة الانتخابات ستُترجم بالإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع بعزوف المنتمين إلى تيار «المستقبل» عن الترشُّح لخوضها ومدى انعكاسه على المزاج الشعبي البيروتي، وهذا ما يشغل بال القوى السياسية التي تتحضّر لتركيب لوائحها الانتخابية بعد أن تنتهي من إنجاز تحالفاتها، وإن كانت بمعظمها تميل إلى عدم خوض الانتخابات بلوائح مكتملة لأن ما يهمها تأمين الحواصل والأصوات التفضيلية لمرشّحيها لضمان حصولهم على أكبر عدد من المقاعد النيابية.
وتقول مصادر بيروتية مواكبة للمشاورات الجارية بين معظم القوى السياسية التي لم يتم حتى الساعة تظهيرها إلى العلن بأن المعركة الانتخابية ستشهد إعادة خلط الأوراق بغياب مرشحي التيار الأزرق، إلا إذا ارتأى من يدور في فلكه السياسي، وتحديداً من المستقلين الترشُّح لما يتمتع به من حيثية عائلية وسياسية على غرار ميل عدد من النواب في عكار ممن لا ينتمون إلى «المستقبل»، وإن كانوا أعضاء في كتلته النيابية، إلى الترشُّح لخوض الانتخابات.
وتؤكد المصادر البيروتية لـ«الشرق الأوسط»، أن الغموض لا يزال يكتنف ما ستقرّره العائلات التي تدين بالولاء للحريرية السياسية وهي تواصل لقاءاتها لاتخاذ القرار المناسب، خصوصاً أن نادي رؤساء الحكومات بالتفاهم مع المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان ليس في وارد التدخُّل في تركيب اللوائح ولا في اختيار المرشّحين بتزكيته أحدهم على الآخر.
وتلفت إلى أنهم لن يتدخّلوا، وأن ما يهمهم إعادة لملمة الوضع وتحضيرهم الأجواء لمواجهة مرحلة ما بعد انتهاء الانتخابات، نظراً لأن المجلس المنتخب هو من ينتخب رئيس جمهورية جديداً خلفاً للحالي الرئيس ميشال عون، إضافة إلى دوره في إعادة تكوين السلطة.
وتؤكد أن نادي رؤساء الحكومات لن يكون طرفاً في الانتخابات في بيروت لانتزاع مقعد نيابي من هنا أو هناك، وتستغرب ما أخذ يشيعه البعض من أن الرئيس فؤاد السنيورة يدرس الترشُّح لخوض الانتخابات على رأس لائحة من المرشحين، وتقول إن ترشُّحه ليس مطروحاً وإن من يروّج لمثل هذه الشائعات يريد أن يوحي بوجود نيّة لديه لوراثة الحريري في محاولة لإحداث إرباك داخل التيار الأزرق من جهة، ولوضع رؤساء الحكومات في مواجهة لا أساس لها من الصحة مع الحريري.
وتعتبر أن إجماع رؤساء الحكومات ومعهم المفتي دريان على عدم مقاطعة الانتخابات يعفيهم من مسؤولية دعوة الناخبين للمشاركة لأن القرار يعود لهم وحدهم، ومن غير الجائز رمي الكرة في مرماهم، لأن الرؤساء ليسوا في وارد تقديم جوائز ترضية مجانية بالنيابة عن البيارتة في إقبالهم على صناديق الاقتراع أو في إحجام من لا يريد منهم المشاركة في العملية الانتخابية.
لذلك فإن المبارزة الانتخابية ستشهد منافسة حامية بين عدة لوائح أسوة بتلك التي حصلت في دورة الانتخابات الماضية مع فارق أساسي يعود إلى غياب «المستقبل» عنها، وإصرار المجتمع المدني على خوضها وإن كان يواجه مشكلة بتوحيد صفوفه لخوضها بلائحة موحّدة وببرنامج عمل موحد يدعو فيه إلى التغيير بمنع المنظومة الحاكمة أو الطبقة السياسية من احتكار التمثيل البيروتي في الدائرتين الثانية والثالثة.
ويبدو من الواضح حتى الساعة أن «الثنائي الشيعي»، كما تقول المصادر نفسها، سيخوض الانتخابات مع احتفاظه بترشيح النائبين عن المقعد الشيعي أمين شري ومحمد خواجة من دون أن يحسم أمره بالتعاون مع «التيار الوطني الحر» في ظل علاقته المتدهورة برئيس المجلس النيابي نبيه بري، ولم يُعرف ما إذا كان «حزب الله» سيضغط لتعويم تحالفه مع حليفه النائب جبران باسيل في بيروت على قاعدة الإبقاء على بعض الدوائر الانتخابية المختلطة موضع خلاف بين حركة «أمل» و«التيار الوطني».
وبالنسبة إلى جمعية «المشاريع الخيرية الإسلامية - الأحباش»، بدأ يتردّد في الشارع البيروتي بأن الجمعية تدرس إمكانية فك تحالفها الانتخابي المزمن مع الثنائي الشيعي، وتحديداً «حزب الله» لاعتبارات محلية انطلاقاً من تفاديها الإبقاء على تحالفها معه كي لا تستفز المزاج البيروتي وهي تتطلّع لاختراق جمهور التيار الأزرق وكسب تأييد بعضه لمرشحيها.
وربما ينطبق ميلها إلى فك تحالفها مع «حزب الله» على «التيار الوطني الحر»، برغم أن باسيل قام بزيارة لمركز الجمعية في محلة برج أبي حيدر في بيروت في محاولة لكسب ودّها لعلها تتبنى ترشيح من يقترحه لخوض الانتخابات عن المقعد الإنجيلي.
لكن يبقى الأهم في موقف «الأحباش» من تجديد تحالفها مع الثنائي الشيعي في حال اتخذت قرارها النهائي ويكمن في أنها ترغب بتفادي تعريض ناخبيها في بلاد الاغتراب إلى عقوبات أميركية، وتحديداً في ألمانيا إذا تحالفت مع «حزب الله»، خصوصاً أن لدى جمعية المشاريع مؤسسات فاعلة فيها.
وقد تضطر «المشاريع» للتعاون مع العائلات الكردية ذات الثقل الانتخابي في بيروت، برغم أن السواد الأعظم من ناخبيها يقيم في ألمانيا وعدد من الدول الإسكندنافية، لكن اضطرارها لفك تحالفها مع الحزب لا يعني أبداً خروجها من محور «الممانعة»، وبالتالي ستكون مضطرة لاتخاذ قرار بالانفصال وإنما بالتراضي.
وفي المقابل فإن النائب فؤاد مخزومي يميل إلى تشكيل لائحة انتخابية، وهو يدرس حالياً تحالفاته، وهذا ما ينسحب أيضاً على «الجماعة الإسلامية» وجمعية «سوا للبنان» المدعومة من بهاء رفيق الحريري، إضافة إلى الحراك المدني الذي لم ينخرط حالياً في حمى المنافسة الانتخابية باستثناء مجموعة «بيروت تقاوم» التي أعلنت منذ أيام عزمها على خوض الانتخابات، فيما تدرس مجموعة «بيروت مدينتي» الخيارات الانتخابية، وكانت خاضت الانتخابات البلدية في بيروت وسجّلت رقماً لا بأس به في مواجهة مع تيار «المستقبل» والأحزاب.
وعليه، فإن بيروت تغرق حالياً في مناورات انتخابية يراد منها جس نبض القوى والمجموعات العازمة على خوض الانتخابات في محاولة لاستدراج العروض التي لن تكون نهائية إلا بعد أن يقول الحريري كلمته، ما يعني أن خريطة التحالفات ستظهر تباعاً، وإنما في النصف الثاني من الشهر الحالي الذي يُفترض أن تكرّ فيه سبحة الترشيحات التي ما زالت محصورة بعدد لا يتجاوز أصابع اليد.
ويبقى السؤال عن نسبة المقترعين في بيروت الثانية والثالثة ذات الثقل السنّي والتأثير الشيعي والحضور الرمزي للمسيحيين، لأن عدد المقترعين يبقى محدوداً قياساً على عدد الناخبين، والأمر نفسه لعدد المقترعين الدروز وموقف الثنائي الشيعي من إصرار الحزب «التقدمي الاشتراكي» على الاحتفاظ بالمقعد المخصص له. لذلك يصعب الإجابة على السؤال لأن الناخبين السنة هم من يتحكّمون بمسار المنافسة الانتخابية.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.