تتعاطى القوى والأحزاب اللبنانية مع الاستحقاق الانتخابي ببرودة غير معهودة، كأن الاستحقاق المقرر في منتصف مايو (أيار) المقبل لم يحن أوانه، أو بات بحكم المؤجل، بخلاف حزب «القوات اللبنانية»، برئاسة سمير جعجع، الذي يسابق الوقت في تسمية مرشحيه ونسج تحالفاته مع أحزاب وشخصيات مستقلة تتقاطع مع مشروعه السياسي، لقلب الصورة وتغيير الأكثرية الحالية التي يسيطر عليها «حزب الله».
صحيح أن «القوات» حسم مبكراً تحالفه مع الحزب التقدمي الاشتراكي، بزعامة وليد جنبلاط، إلا أن الصورة لم تتضح بالنسبة لأحزاب أخرى، خصوصاً أن عزوف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وتيار «المستقبل» عن خوض الانتخابات خلط الأوراق، وأربك معظم الأطراف، لا سيما «القوات» بفعل تقاطع المصالح الانتخابية التي كانت تجمع الفريقين.
من هنا، يتريث «القوات» في حسم خياراته في الدوائر ذات التأثير القوي للجمهور السني. ويؤكد عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائب جورج عقيص على «المضي في خوض المعركة مع القوى والشخصيات التي نلتقي معها على المبادئ العامة والعناوين العريضة للمعركة السياسية، بما فيها الشخصيات السنية التي تحمل المبادئ نفسها». ويعترف عقيص في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بأن القوات «تحترم قرار الرئيس الحريري وخياراته، رغم أن هذا القرار خلق إرباكاً على الساحة الوطنية، خصوصاً الساحة السنية»، مؤكداً أن القوات «قرر أن يكون لديه مرشح سني في الانتخابات، وهذا قرار قاطع»، من دون أن يكشف اسمه أو في أي دائرة.
العناوين السيادية التي يلتقي حولها حزبا «القوات» و«الكتائب اللبنانية» بقيادة النائب المستقبل سامي الجميل، يبدو أنها غير كافية لنسج تحالف انتخابي، لأن التباينات بين الطرفين زادت حدتها بعد انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، من هنا يجزم النائب عقيص أن «التحالف القواتي - الكتائبي غير وارد، حتى البحث في الأمر تأخر كثيراً». ويشير إلى أن حزبه «لم يحدد تحالفاته في دوائر البقاع الشمالي والأوسط والغربي، لأن الأمر يتوقف على ما تقرره الساحة السنية ومرشحوها».
الغموض الذي يلف معظم الدوائر لا ينسحب على جبل لبنان، وتحديداً دائرة الشوف - عاليه، إذ إن التحالف بين «القوات» و«الاشتراكي» بات ناجزاً، ويجمعهما حوله مصالح حزبية ووطنية. ويقول قيادي بارز في «الاشتراكي» لـ«الشرق الأوسط»، إن «ثلاثة عناوين تحتم على الطرفين التحالف الانتخابي، هي: السيادة والاستقلال، فكرة بناء الدولة والتصدي لخطفها ومصادرة قرارها من قبل قوى إقليمية (إيران) والسعي لإحباط أجندتها، والثالث ترسيخ مصالحة الجبل (المسيحية - الدرزية التي أقامها جنبلاط مع البطريرك الماروني الراحل نصر الله نطرس صفير)». ويضيف: «لا ننسى أن القوات اللبنانية كان، ولا يزال، من أشد المدافعين عن المصالحة، بخلاف أطراف أخرى شوشت عليها، وعملت على نكء جراح الحرب الأهلية وحاولت إحياء غرائزها (في إشارة إلى التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل)». ويتحدث القيادي عن «تناغم سياسي مع القوات اللبنانية، حتى في العمل الوزاري، حيث كان ثمة تقاطع في عمل وزراء الاشتراكي والقوات في أغلب الملفات».
الوضع الانتخابي في دائرتي بيروت الأولى والثانية هو الأكثر غموضاً، ما دام أن القوى الفاعلة فيها ما زالت تحجب أسماء مرشحيها وبرامجها وحملاتها، وهذا الواقع يسري على دوائر الشمال أيضاً، من هنا يحاذر «القوات» تقديم أي معلومة عن حلفائه الشماليين. ويلفت المرشح القواتي للانتخابات عن دائرة البترون غياث يزبك، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الاتصالات قائمة مع القوى والشخصيات السيادية في كل الدوائر والمناطق، لمواجهة مشروع الانقلاب على الدستور واتفاق الطائف الذي يقوده (حزب الله) بتغطية من التيار الوطني الحر». ولا ينكر أن الطائفة السنية «لها دورها وتأثيرها في الانتخابات كما في المعادلة الوطنية». ويلفت يزبك إلى أن حزب القوات «لا يتعاطى مع الحالة السنية إلا كحالة سيادية وطنية ومؤثرة، ونحن نتطلع إلى أكبر مشاركة سنية في هذه الانتخابات، لاستكمال ما حققناه معاً منذ العام 2005». ويضيف يزبك «السياديون الحقيقيون نعرفهم ويعرفوننا»، رافضاً «غياب أو تغييب المكون السني المتميز المعتدل عن المجلس النيابي وعن المعادلة الوطنية».
ورغم أن «القوات» لم يسم مرشحاً لدائرة طرابلس أو حتى عكار بانتظار تحديد هويات المرشحين الجدد، واتضاح المشهد السني، ثمة اتفاق مبدئي بينها وبين وزير العدل الأسبق اللواء أشرف ريفي في طرابلس. ويتحدث مصدر مقرب من ريفي عن هذا التوجه، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «بعد حسم الترشح وخوض المعركة الانتخابية، سيكون التحالف مرتكزا على القوى السياسية وكل دعاة التغيير».
وأوضح أن هناك «اتفاقاً مبدئياً على مع (القوات) على التحالف في طرابلس والضنية، بانتظار تحديد الوضع في دائرة عكار»، معتبراً أن ريفي «ينظر إلى الانتخابات كمحطة مفصلية في مواجهة مشروع إيران، وتثبيت هوية لبنان العربية وعودة هذا البلد إلى الحضن العربي».
حزب «القوات» يسابق الوقت في «معركة» تغيير الأكثرية البرلمانية
حزب «القوات» يسابق الوقت في «معركة» تغيير الأكثرية البرلمانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة