سادت توقعات حذرة في موسكو أمس مع انطلاق جولة المفاوضات «وجها لوجه» بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يزور موسكو في مسعى لتخفيف حدة التوتر بين روسيا والغرب على خلفية الوضع في أوكرانيا وملفات الأمن الاستراتيجي في أوروبا.
وانطلقت المحادثات فور وصول ماكرون إلى روسيا، في الفترة المسائية، وكان الكرملين مهد لها بالإشارة إلى أن الزيارة «بالغة الأهمية»، وقال الناطق باسم الديوان الرئاسي ديميتري بيسكوف إن موسكو تعول على مناقشة ملفات الوضع في أوكرانيا ومسائل الضمانات الأمنية التي تطلبها موسكو والوضع في المنطقة. وأشار إلى أن الاتصالات الهاتفية بين الرئيسين التي سبقت زيارة ماكرون لموسكو تناولت هذه المسائل، مضيفا أنه «لذلك، ننتظر أن تكون المباحثات موضوعية للغاية وشاملة».
ولاحظ بوتين في استهلال قصير سبق بدء المفاوضات خلف أبواب مغلقة أن «ملفات كثيرة يتوجب مناقشتها بشكل مباشر، قد تراكمت، برغم أن اتصالاتنا لم تنقطع خلال الفترة الماضية». وأشاد بالجهد الذي يقوم به ماكرون لـ«تخفيف التوتر حول الأمن في أوروبا، وهو أمر يقلقنا بقوة». وأشاد أيضا بالجهود التي يقوم بها الرئيس الفرنسي لتسوية «الأزمة الداخلية الأوكرانية».
ولفت بوتين إلى رمزية توقيت الاجتماع، في يوم الذكرى الثلاثين لتوقيع وثيقة حول معاهدة العلاقات الخاصة بين روسيا وفرنسا. وأضاف «يجب أن أقول إنه على مدى كل هذه السنوات، كما قلت للتو، كانت فرنسا تقوم بدور أكثر نشاطا في حل القضايا الأساسية للأمن الأوروبي».
في حين اكتفى ماكرون في مقدمة اللقاء بتأكيد أهمية مناقشة ملف الأمن، قال إنه «لا بديل عن الحوار، ولا بد أن تتصرف كل الأطراف بمسؤولية تجاه هذا الموضوع». وخاطب بوتين بالإشارة إلى سعادته «لأننا سنتمكن من إيجاد إجابة مفيدة بشكل جماعي لروسيا ولأوروبا بأكملها. الإجابة المفيدة هي الإجابة التي تسمح لنا بتجنب الحرب، بالطبع، وبناء الاستقرار ومنح الثقة للجميع».
هذه المقدمات وضعت الحوار مباشرة على المسار المتوقع في المفاوضات التي استبقها خبراء روس بتأكيد أهمية «عدم الإفراط في التفاؤل، على رغم أهمية التحركات الفرنسية والألمانية لتقليص حدة التوتر».
ورأت مصادر دبلوماسية روسية أن أهمية المحادثات مع ماكرون تنطلق من أنه «يتمتع بثقل سياسي كافٍ في أوروبا حاليا، وإن كان هذا الثقل نسبيا وليس مطلقا».
وكان بوتين وصف نظيره الفرنسي بأنه «محاور جيد». وقال معلقون روس إن الكرملين مرتاح للحوار معه لأن ماكرون «حتى لو تحدث بشدة عن السياسة الروسية، فقد حاول دائماً الالتزام باللغة الدبلوماسية» في انتقاد مبطن إلى سياسيين أوروبيين شنوا حملات قوية ضد سياسات الكرملين.
لكن التوقعات الروسية من جهود ماكرون للوساطة تبقى محدودة، و«حذرة» كما قالت المصادر، خصوصا أن الرئيس الفرنسي استبق زيارته بتحميل موسكو عمليا الجزء الأكبر من نشاط «العسكرة» على الحدود الفاصلة بين أوكرانيا وروسيا وبيلاروسيا وروسيا، وقال إن العالم يرى كيف أن المشاة والطيران يستخدمان لهذا الغرض، و«نرى أن التدريبات العسكرية تجري. في هذا الوضع الذي نعتزم لعب دور للتهدئة فيه، وتخفيف التوترات من خلال الحوار وتجنب الصراع العسكري».
كما أن الرئيس الفرنسي حمل موسكو مسؤولية اندلاع الأزمة في أوروبا أصلا، من خلال إشارته إلى أن الكرملين قام بعمل عسكري «عدواني» في عام 2008 ضد جورجيا وفي عام 2014 قام بتصرف مماثل ضد أوكرانيا من خلال ضم شبه جزيرة القرم.
لكن الأهم من النقطتين السابقتين وفقا لوجهة نظر مصدر روسي أن «ماكرون، على عكس بوتين يجري هذا الحوار بشكل عام وتبدو يداه مقيدتين»، في إشارة إلى أنه «لا يمكنه الخروج على النهج الأوروبي العام، خصوصا أن بلاده تترأس الاتحاد حاليا، كما أنه «لن يكون قادرا أن يميل بشدة إلى السعي إلى حل وسط، لأن هذا الظرف سيستخدم على الفور من قبل خصومه السياسيين في باريس، وفي الاتحاد الأوروبي، وسوف يواجه حملة اتهامات بـ(الليونة المفرطة تجاه بوتين)».
رغم ذلك، لم تستبعد مصادر روسية أن تنتج عن الزيارة «خريطة طريق» لدفع الحوار حول الأمن في أوروبا، وتخفيف التوتر مع أوكرانيا من خلال تفاهم على إطلاق حوار مجموعة «نورماندي» (روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا) على مستوى أعلى من مستوى الخبراء الذين التقوا أخيرا في باريس.
وفي هذا السياق، يبدو أن الرئيس الفرنسي يعول على تحقيق اختراق خلال الزيارة التي ستليها مباشرة زيارة إلى كييف (اليوم). وقالت صحيفة «بوليتيكو» إن الرئيس الفرنسي يعول عبر محادثاته مع نظيره الروسي على اتفاقية سلام لتسوية أزمة أوكرانيا من أجل الحصول على مكانة زعيم أوروبي «صانع سلام».
ومع إشارة الصحيفة إلى أن ماكرون يقوم عمليا بـ«مجازفة ويخوض تحديا كبيرا» لكنه «إذا نجح في ذلك، فسيكون البطل الذي منع هجوما على أوكرانيا، وأعاد أوروبا إلى الخريطة، وكل ذلك في الوقت المناسب للانتخابات الرئاسية الفرنسية في أبريل (نيسان) المقبل».
على صعيد آخر، أبرز تقرير نشرته وسائل إعلام روسية أمس، أن عمليات «تسليح الجيش الأوكراني» تتواصل بشكل نشط رغم الجهود الدبلوماسية المبذولة. ولفت إلى أن «دول الناتو تواصل إغداق الأسلحة التي تعتبر في معظمها هجومية، خاصة أنظمة الصواريخ الأميركية من طراز (جافلين)». وأشار إلى أن واشنطن أرسلت حتى الآن 6 شحنات من السلاح إلى أوكرانيا، وأنها عمليا أقامت «جسرا جويا» مع أوكرانيا لنقل شحنات أسلحة بينها أنظمة صواريخ مضادة للدبابات، وقاذفات محترقة وقنابل هجومية.
بدورها سلمت بريطانيا السلطات الأوكرانية حوالي 2200 قذيفة مضادة للدبابات. ووفقا للتقرير فقد تم تسليم أوكرانيا أكثر من 650 طنا من الأسلحة والمعدات العسكرية من بلدان أعضاء في الناتو. بما فيها بنادق قنص وذخيرة ومحطات رادار مضادة ومعدات اتصالات. ومن المنتظر كذلك أن تصل من الولايات المتحدة 5 مروحيات نقل عسكرية روسية الصنع، كانت معدة سابقا للقوات المسلحة الأفغانية.
أوكرانيا والتوتر في أوروبا على طاولة مفاوضات بوتين ـ ماكرون
الرئيس الفرنسي يأمل بـ«صانع السلام» والكرملين يشيد بزيارته
أوكرانيا والتوتر في أوروبا على طاولة مفاوضات بوتين ـ ماكرون
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة