«أنتيغون شاتيلا» في مسرح المدينة في بيروت

بعد أنتيغون سوريا

مشهد من مسرحية «أنتيغون سوريا»
مشهد من مسرحية «أنتيغون سوريا»
TT

«أنتيغون شاتيلا» في مسرح المدينة في بيروت

مشهد من مسرحية «أنتيغون سوريا»
مشهد من مسرحية «أنتيغون سوريا»

بدعم من اليونيسيف ومنظمة هارتلاند آلاينس يُقدم مسرح المدينة على مدى ثلاثة أيام من 2 إلى 4 مايو (أيار) 2015، الساعة الثامنة مساءً عرض «أنتيغون شاتيلا»، إخراج: عمر أبو سعدة، واقتباس ودراماتورجيا: محمد العطار، والذي تقدمه مجموعة من النساء السوريات والفلسطينيات السوريات اللاجئات في لبنان. ويأتي العرض كخطوة ثانية في رحلة العمل مع النساء بعد أن قدمن عرض «أنتيغون سوريا» في منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2014، الذي تم إنجازه مع شركة «أبيرتا» للإنتاج بإخراج عمر أبو سعدة، وباقتباس ودراماتورجيا لمحمد العطار. ويستمر أبو سعدة والعطار مع مجموعة النساء في البناء على أسئلة رافقت رحلتهم في العرض الأول، تتعلق بمواجهات قاسية تخوضها النساء السوريات اليوم في مجتمعات اللجوء. يستمر البحث في «أنتيغون شاتيلا» في وجوه متعددة للتراجيديا السورية المعاصرة، التي تقف فيها المرأة السورية كأكثر من يدفع أثمانًا باهظة لتفاقم العنف في سوريا، وما نجم عنه من محن النزوح واللجوء. تقف أنتيغون، وهي واحدة من أعظم الشخصيات التراجيدية في الأدب المسرحي، كمثال عظيم على المواجهة بين الفرد والسلطات أيًا كانت، وتتخذ المواجهة بعدًا أعمق لأن الفرد هنا هو امرأة تخوض مواجهتها ضد السلطة بوصفها سلطة مستبدة وبوصفها أيضا مجتمعًا ذكوريًا يفرض أعرافًا اجتماعية مهيمنة. في مواجهتها هذه تنتزع أنتيغون حقها في أن تسجل روايتها عن الحرب الأهلية واقتتال الإخوة. النساء في عرض «أنتيغون شاتيلا» يقاطعن حكايتهن عن ويلات الحرب والنزوح وصعوبات الحياة في التجمعات العشوائية في لبنان مع حكاية أنتيغون. تصبح خشبة المسرح فضاءً للبحث في مفاهيم المواجهة والتضحية ومعنى البطل التراجيدي اليوم. وتتطرق المسرحية بوجه خاص إلى مشاق حياة اللجوء في لبنان، وتحديدًا في مناطقه الأكثر تهميشًا وفقرًا كمخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين. يضّم هذان المخيمان اليوم آلافًا من اللاجئين السوريين والفلسطينيين السوريين الذين تدفقوا في السنوات الأربع الأخيرة.
«أنتيغون شاتيلا» محاولة لفهم أحوال اللجوء المعقدة عبر المسرح. لنفهم أكثر عن طبيعة الحياة في المخيمات الفقيرة والمكتظة اليوم عبر مكاشفاتٍ عميقة تقوم بها النساء الممثلات. العرض هو أيضا تأكيد على دور المسرح في مواجهة الصور النمطية عن اللاجئين.



تأخذ أحلامي شكل الوطن الذي حُرمت منه

هيثم حسين
هيثم حسين
TT

تأخذ أحلامي شكل الوطن الذي حُرمت منه

هيثم حسين
هيثم حسين

أحلم بسوريا جديدة تُعاد صياغتها على أسس المواطنة الحقيقيّة، حيث ينتمي الفرد إلى الوطن لا إلى طائفة أو عرق أو حزب... أتوق إلى وطنٍ لا يُجرّم فيه الحلم، ولا يُقمع فيه الاختلاف، وطنٍ يكفل لكلّ فرد حقّه في التعلم بلغته الأم، وفي التعبير عن هويّته وثقافته من دون خوف أو وصاية أو إنكار.

أحلم بسوريا تصان فيها الحريات العامّة، حيث يصبح احترام حرّية الرأي والتعبير قانوناً لا شعاراً أجوفَ، وحيث يُحمى المواطن لا أن يُساق إلى السجون أو المنافي لمجرّد مطالبته بحقوقه. سوريا التي أتمنّاها هي التي يتساوى فيها الجميع أمام القانون، حيث لا تفضيلات ولا محسوبيات، لا فساد ينهش موارد البلاد ولا استبداد يدمّر مستقبلها.

أحلم ببلد يُدار بقوانين عادلة مستمدّة من حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، لا بقرارات فردية تُصادر الحياة برمّتها؛ حيث سيكون لكلّ فرد حقّه في التعلم والعمل والتعبير عن رأيه، وستُحترم لغات السوريّين وثقافاتهم كما تُحترم حياتهم. لن يُضطهد الكرديّ بسبب لغته، ولا أيّاً كان بسبب اختلافه أو رأيه أو معتقده، ولن يُنظر إلى الأقلّيات وكأنّها مُلاحقةٌ في وطنها، لن يكون هناك من فرق بين سوريّ وآخر. سوريا التي أنشدها ستُعيد الاعتبار إلى حقوق الجميع من دون تمييز، بحيث تُعتبر الحقوق واجبات تضمنها الدولة وتحميها.

أحلم أن تكون سوريا ما بعد الاستبداد دولة القانون والمؤسّسات، لا الفوضى والاستئثار بالسلطة. دولة تكفل لمواطنيها حرّية الاختيار وحرّية النقد، وتتيح لهم المشاركة الفاعلة في صنع مستقبلهم. لا أريد أن تُستبدل ديكتاتورية بأخرى، ولا أن يُعاد إنتاج التهميش تحت مسمّيات جديدة. أريد لوطني أن يتخلّص من إرث الديكتاتوريّة والعنف، وأن ينطلق نحو حياة كريمة يعلو فيها صوت الإنسان فوق أصوات السلاح والتناحر.

أحلم بسوريا تتجاوز «ثأراتها» التاريخية، سوريا التي تتصالح مع ماضيها بدل أن تعيد إنتاجه، فلا يكون فيها مَن يتسلّط على قومية أو لغة أو مذهب، سوريا التي تُبنى بالشراكة لا بالإقصاء.

سوريا التي أنشدها هي تلك التي لا تُعامل فيها لغة على أنّها تهديد للدولة، ولا يُعتبر فيها الكردي أو الأرمني أو الآشوري أو أي أحد آخر ضيفاً في أرضه.

لقد حُرمنا لعقود طويلة من التعلّم بلغتنا الكردية، ومن كتابة أحلامنا وهواجسنا بتلك اللغة التي نحملها بصفتها جزءاً من كينونتنا. لا أريد أن يُحرم طفل سوري - أياً كان انتماؤه - من لغته، لا أريد أن يُضطرّ أحد إلى الانكماش على ذاته خوفاً من رقابة السلطة أو وصاية المجتمع.

لا أريد أن تُلغى الذاكرة الكردية أو تُهمّش، بل أن تُعاد إليها قيمتها من دون مِنّةٍ أو مساومة، أن تُعاد اللغة إلى أصحابها الحقيقيِّين، أن تُدرَّس الكردية والعربية والآشورية وغيرها من اللغات في سوريا، وأن تكون كلّ لغة جسراً للمحبّة لا سلاحاً للتمييز.

أحلم بوطن تُرفع فيه المظالم عن كواهل السوريّين، فلا أرى مشرَّدين بين الأنقاض، ولا أسمع أنين أمّهات يبحثن عن جثامين أبنائهنّ المفقودين في كلّ مكان.

أحلم بوطن يتنفّس أبناؤه جميعاً بحرّيَّة، وطن يضمّد جراحه التي خلّفتها أنظمة الاستبداد، ويُفسح مكاناً للكرامة والحرية لتكونا أساسَين صلبَين لعقد اجتماعيّ جديد.

آمل أن تكون سوريا الناهضة من ركام نظام الأسد - الذي أعتبره تنظيماً مافيوياً لا غير - فضاءً يتّسع لاختلافنا. أن نستطيع العيش بوصفنا مواطنين كاملين، لا غرباء في أرضنا.

ولا يخفى على أحد أنّه لا يمكن بناء سوريا جديدة دون مواجهة الماضي بشجاعة وشفافية. العدالة الانتقالية ستكون الخطوة الأولى نحو تضميد جراح السوريين، لا بدّ من محاسبة عادلة لكلّ من ارتكب انتهاكات في حقّ الإنسان والوطن.

في سوريا التي أحلم بها، ستكون الثقافة حرّةً ومستقلة، مسرحاً للحوار والاختلاف، وفسحة لتجسيد التنوع السوريّ بجماله وثرائه. أحلم بروايات ومسلسلات تُحكى بكلّ لغات سوريا، ومعارض فنية تعبّر عن هموم السوريين وأحلامهم، ومسرح يضيء بصدق على المآسي والأمل معاً. الثقافة ستصبح أداة بناءٍ لا هدم، وحافزاً لإعادة اكتشاف الهوية المشتركة.

أحلم بوطن يحترم يحترم المرأة كإنسان وكشريك فعّال في بناء الحاضر والمستقبل، حيث تكون القوانين الضامنة لحقوقها جزءاً أصيلاً من بنية الدولة الجديدة. المرأة السورية التي واجهت الحرب بصبرها وشجاعتها تستحقّ أن تكون في مقدمة صفوف التغيير والنهضة.

أحلم بدولة تُوظّف مواردها لخدمة المواطنين، وتعتمد على طاقات الشباب والكفاءات السورية لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية تعيد الأمل وتكفل حياة كريمة للجميع. أحلم بوطن يعيد احتضان أبنائه المهاجرين المتناثرين في الشتات، ويفتح لهم أبواب المشاركة الفاعلة في إعادة البناء.

سوريا التي أحلم بها هي وطن يليق بتضحيات شعبها، وطن تتجلّى فيه القيم الإنسانية العليا، ويُعاد فيه الاعتبار إلى العدل والحرية والسلام.

كروائيّ تأخذ أحلامي شكل الوطن الذي حُرمت منه، وحُرم معي ملايين من السوريين من أبسط حقوقهم في الوجود، من حرية اللغة، والهوية، والانتماء الذي لم يكن يوماً خياراً، بل قيداً مفروضاً.

قد تبدو أحلامي رومانسيّة وبعيدة المنال، لكنّ الأحلام هي بذور المستقبل، وهي الأسس التي سنبني عليها غدنا المنشود.

هل سيظلّ هذا كلّه حلماً مؤجّلاً؟ ربّما. لكن، على الأقلّ، صار بإمكاننا كسوريّين أن نحلم!

* روائي سوري