جدة: «الشرق الأوسط»
تحظى الدراسات المتعلقة بدماغ الإنسان بالكثير من الاهتمام، لا من الأوساط العلمية فحسب، بل أصبحت تستقطب الخيال الجماهيري على نحو متزايد لكون هذا الجزء من الأعضاء البشرية لا يزال الأكثر غموضاً.
أجزاء الدماغ
الدماغ البشري له ثلاثة أجزاء رئيسية: المخ، الذي يشكّل نحو 85% من إجمالي وزن الدماغ وهو الجزء المسؤول عن كل ما له علاقة بالتفكير واللغة. والمخيخ، ويتحكم في التوازن والثبات وتنسيق الحركة. وجذع الدماغ، وله السيطرة على الوظائف الذاتية كالتنفس والهضم ومعدل القلب وضغط الدم.
ومع التقدم العلمي والتكنولوجي بات العلماء قادرين على كشف الكثير من أسرار دماغ الإنسان. ففي السعودية وعلى مدى السنوات الخمس الماضية تم إجراء الكثير من التجارب في مختبرات جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) منها على سبيل المثال تطوير مخطط حسابي لصورة أكثر وضوحاً لوظيفة الدماغ يبيِّن بشكل فعال النشاط المترابط بين أجزائه المختلفة. وهذا التحديد الصحيح للوحدات الـمُنشَّطة والـمُعطَّلة سيساعد على تحسين فهمنا لوظيفة الدماغ البشري، سواء في الأشخاص الأصحاء أو المرضى. وفي بحث آخر تم إعادة بناء نماذج ثلاثية الأبعاد للخلايا النجمية التي تخزّن الطاقة، وتمنح الخلايا العصبية الطاقة على مستويات متعددة. ويشير هذا العمل، على نحو متزايد، إلى احتمال تطوير عقاقير يمكن أن تساعد هذه الخلايا على أداء وظيفتها بشكل أفضل خلال الحالات المرضية، مما يساعد الدماغ على التعافي في أثناء السكتة الدماغية أو مرض ألزهايمر.
تنوع وظائف الدماغ
أخيراً تمكن باحثو «كاوست» من إنتاج نموذج يُعبّر عن تنوع وديناميكيات وظائف الدماغ على نحو أفضل عبر تحليل نشاط الدماغ في موضوعات متعددة باستخدام إحصائيات معقدة. يمكن لهذه الطريقة أن تساعدنا على فهمٍ أفضل للإدراك البشري والتعرّف على حالات الدماغ غير الطبيعية الكامنة وراء الكثير من الأمراض العصبية.
يستخدم علماء الأعصاب تقنية غير جراحية تُسمَّى التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي (fMRI) لقياس تنشيط الخلايا العصبية في الدماغ عن طريق اكتشاف التغيّرات الموضعيّة في تدفق الدم وأكسجين الدم بمناطق دماغية مختلفة. وقد أتاح هذا للباحثين رؤية «مجتمعات» متشابكة من التجمّعات أو العقد العصبية المترابطة بكثافة والتي تستجيب للمحفزات ذاتها مثل الكلام، أو الاستجابة لأسئلة الذاكرة، أو المشاهد البصرية.
وقال قائد المجموعة البحثية، البروفسور هيرناندو أومباو، أستاذ الرياضيات التطبيقية والعلوم الحاسوبية ورئيس قسم الرياضيات التطبيقية والعلوم الحاسوبية بـ«كاوست»: «يتمثَّل النهج الحديث الحالي في استخدام (نموذج كتلة) عشوائي لتفسير شبكات الدماغ، ولكنه يعطي فقط وصفاً ثابتاً لوظائف الدماغ، وهذا غير واقعي لأن وظائف الدماغ تتغير بديناميكية مع استجابة الدماغ للمحفزات الجديدة». وأضاف: «لذا شرعنا في تطوير إطار عمل إحصائي مُوحَّد جديد يمكنه وصف البنية المجتمعية لشبكات الدماغ الوظيفية ويساعد على فهم كيفية تباينها بين الأفراد».
وتشير النماذج الحاليّة لبنية المجتمعات الدماغية المتشابكة إلى أن كثيراً من وظائف الدماغ متناسقة، مما يعني أن عمل الدماغ مُقسَّم إلى مناطق معالجة معلومات متخصصة منفصلة في الدماغ.
المشكلة، كما يوضح أومباو، كانت تكمن في أن التحليل التقليدي لوظيفة الدماغ يجري في المعتاد عن طريق ملاءمة النماذج لموضوعات فردية، وهذا يمكنه التقاط بنى مجتمعية موضعية أو (متناسقة). ولكن هذا غير مناسب تماماً لالتقاط وظائف التكامل غير المتناسقة، والتي تتطلب وضع خرائط المعلومات ومقارنتها بين موضوعات متنوعة في ظل محفزات مختلفة.
ولحلّ هذه المشكلة، لجأ فريق البحث -ومن بينهم ميني تانغتانغ، الطالبة في «كاوست» إضافةً إلى المتعاون منذ فترة طويلة الدكتور تشي مينجج تينغ تينغ، من جامعة «موناش» في ماليزيا، وزميلة ما بعد الدكتوراه السابقة في «كاوست»، الدكتورة بلقيس سمدين، التي قادت الدراسة- إلى استخدام «طريقة تعظيم نمطية متعددة الطبقات». كيَّف الفريق هذه الطريقة –التي اقتُرح استخدامها أخيراً على الشبكات الاجتماعية- لاكتشاف البنى المجتمعية الدماغية الشائعة المشتركة بين الموضوعات المختلفة.
وقالت سمدين: «كشف نموذجنا عن تنظيم مجتمعي أكثر تنوعاً، بالإضافة إلى البنية المتناسقة النمطية في شبكات الدماغ المرتبطة بمعالجة اللغة والوظائف الحركية». وأضافت: «وعلى سبيل المثال، وجدنا مجتمعاً يشبه النواة في شبكة اللغة يبدو أنه يؤدي وظيفة تكاملية بين المجتمعات الطرفية في نصفَي الدماغ الأيسر والأيمن خلال عملية فهم اللغة. ويستطيع نموذجنا التقاط تفاعلات أكثر تعقيداً بين المجتمعات، وهي تفاعلات على صلة بمخزون وظيفي أوسع من وظائف الدماغ».