الانقلابات العسكرية والتحديات الأمنية تهيمن على قمة الاتحاد الأفريقي

TT

الانقلابات العسكرية والتحديات الأمنية تهيمن على قمة الاتحاد الأفريقي

يعقد قادة الدول الأفريقية اليوم (السبت) قمة هي الخامسة والثلاثون للاتحاد الأفريقي، ورغم كونها «قمة عادية» إلا أنها تأتي في «ظروف استثنائية» تعيشها القارة، بعد تصاعد وتيرة العنف والانقلابات العسكرية، وتزايد بؤر التوتر إثر مصاعب اقتصادية واجتماعية وسياسية متزامنة، ساهمت جائحة كوفيد – 19 في تفاقهما، حيث تشير تقارير إلى أن أكثر من 282 مليون أفريقي يعانون من الجوع. القمة تتزامن مع مرور عشرين عاماً على تأسيس الاتحاد الأفريقي، الذي جاء ليحل مكان «منظمة الوحدة الأفريقية» عام 2002، وهي فرصة لنقاش ما حققه الاتحاد بعد عقدين من العمل من أجل مواجهة التحديات الماثلة أمام القارة السمراء، في ظل سيطرة نظرة «متشائمة» على شعوب القارة، وخاصةً الشباب المتوجه بكثرة نحو «الهجرة»، ومن المنتظر أن يقدم العاهل المغربي محمد السادس، خلال القمة، تقريراً عن «الهجرة»، بصفته رائدا في مسألة الهجرة بالاتحاد الأفريقي. تشمل أجندة القمة عدة ملفات ساخنة، حددت خلال الدورة الأربعين للمجلس التنفيذي لوزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، التي انعقدت هذا الأسبوع في أديس أبابا، وكانت تحت شعار «بناء مرونة التغذية بالقارة الأفريقية: تسريع رأس المال البشري والتنمية الاجتماعية والاقتصادية»، ورغم الشعار التنموي والاقتصادي إلا أن وزراء الخارجية ركزوا في نقاشاتهم على الملفات الأمنية والسياسية. وجاء في تقرير صادر عن الاتحاد الأفريقي أن القضايا المهيمنة تشمل «معالجة الآثار المدمرة لجائحة كوفيد، والتهديدات المتزايدة الناجمة عن انعدام الأمن إثر النزاعات والإرهاب والتغييرات غير الدستورية للحكومات في الدول الأفريقي»، وقال التقرير إن القارة «تشهد تراجعا خطيرا في الديمقراطية بسبب الانقلابات العسكرية»، وذلك بعد انقلابين في دولة مالي وانقلاب في كل من غينيا وبوركينا فاسو، ومحاولة فاشلة في غينيا بيساو، بالإضافة إلى وضع «غير دستوري» في تشاد إثر مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي أبريل (نيسان) 2021. وقالت وزيرة الخارجية السنغالية عايشاتا تال صال، التي ترأست اجتماع وزراء الخارجية، إن «عودة التغييرات غير الدستورية تقوض أسس الدول الأفريقية وجهود التنمية في القارة»، وأضافت أنها «متفائلة بأن القمة ستجعل قادة قارتنا يجددون التزامهم بالعمل على أن يتركوا لجيل المستقبل قارة يعمها السلم، وتركز على التقدم الاجتماعي والاقتصادي»، ولكن الوزيرة السنغالية أكدت أن «الفقر والتخلف هما مصدر عدم الاستقرار في القارة».
وتغيب عن هذه القمة دول مالي وغينيا وبوركينا فاسو، التي جمد الاتحاد الأفريقي عضويتها بسبب استيلاء جيوشها على الحكم، ولكن من المتوقع أن تناقش خلال القمة آليات جديدة لاستباق الانقلابات العسكرية ومنعها، في ظل أصوات تقول إن العقوبات الحالية «غير كافية». كما سيناقش القادة الأفارقة ملف الإرهاب الذي توسع في مناطق جديدة من الساحل والقرن الأفريقي والبحيرات الكبرى في أفريقيا الاستوائية، وانتقل من ظاهرة وافدة ليتوطن في القارة، وفي هذا الإطار سيقدم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال القمة تقريراً عن التطرف العنيف والإرهاب في القارة.
وتتضمن أجندة القمة ملف بؤر التوتر المتزايدة في الدول الأفريقية، حتى أن إثيوبيا التي تستضيف القمة تعيش منذ أكثر من عام على وقع حرب طاحنة بين حكومة آبي أحمد وجبهة تحرير إقليم التيغراي، بل إنه قبل أشهر كادت الجبهة أن تدخل العاصمة أديس أبابا، حيث يقع مقر الاتحاد الأفريقي الدائم، ورغم انتصار آبي أحمد إلا أن الوضع ما يزال مضطربا، وهو ما يفرض الملف على طاولة قمة الاتحاد الأفريقي الذي عين الرئيس النيجيري السابق أولوسيجون أوباسانجو، مبعوثا للأزمة.
وفي ظل كل هذا التوتر والعنف، جاءت جائحة كوفيد لتزيد الوضع سوء في القارة، حيث يعتبر التطعيم منخفضاً للغاية، على حد وصف الاتحاد الأفريقي الذي يسعى قادته إلى وضع خطة من أجل إنتاج اللقاح داخل القارة، عبر آليات من ضمنها «الوكالة الأفريقية للأدوية» و«الصندوق الأفريقي لاقتناء اللقاحات»، ولكن أكثر ما يشغل قادة أفريقيا هو التداعيات الاقتصادية للجائحة إذ توصل وزراء الخارجية في تقريرهم الذي سيقدم إلى القادة اليوم، إلى أن القارة بحاجة إلى 454 مليار دولار من أجل تجاوز الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الجائحة.
ويشير التقرير إلى أن الدين في إجمالي الناتج المحلي ارتفع من 40 في المائة عام 2014 إلى ما يقرب من 70 في المائة اليوم، وفيما كانت 4 دول أفريقية فقط معرضة بشدة لضائقة الديون عام 2014، فإن 17 دولة معرضة اليوم لخطر كبير من ضائقة الديون، بينما هناك 4 دول تعاني بالفعل من ضائقة الديون.
وفي ظل الصعوبات الاقتصادية تتحدث أرقام الاتحاد الأفريقي عن فقدان الاقتصادات الأفريقية من 3 إلى 16 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي سنويا بسبب الجوع وسوء التغذية، ولكن «الخطر الأكبر» لهذه الأزمة هو الارتفاع المتزايد لأسعار المواد الغذائية، فأصبح «خطر الاضطرابات الاجتماعية أكثر وضوحاً في العديد من دول القارة»، على حد تعبير تقرير صادر عن الاتحاد الأفريقي قبيل القمة.
ومن المنتظر أن يقدم سيريل رامأفوزا، رئيس جنوب أفريقيا، تقريراً خلال القمة حول «مستقبل الحكامة في أفريقيا»، يتوقع أن يتطرق فيها لهيكل الحكم الأفريقي ولأجندة 2063، بالإضافة إلى تمويل الاتحاد ومساهمات الدول الأعضاء، والعمل على الاستغناء عن التمويلات الخارجية التي تمثل حالياً النسبة الأكبر، خاصةً تلك المقدمة من الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتثير الكثير من الجدل والشكوك حول «استقلالية» المنظمة القارية.
وبعيدا عن المشاكل الداخلية للقارة الأفريقية، يتوقع أن يناقش القادة الأفارقة قرار منح إسرائيل صفة «مراقب» داخل الاتحاد الأفريقي، بعد إعلان وزارة الخارجية الإسرائيلية تقديم سفيرها لدى إثيوبيا، أوراق اعتماده كمراقب لدى الاتحاد، ما أثار انقساما داخل الاتحاد حين اعترضت عليه دول معتبرة أن الخطوة تمت دون الالتزام بأنظمة الاتحاد الأفريقي التي تفترض التشاور المسبق مع الدول الأعضاء، وتجنب القضايا المختلف عليها. ويعترض على منح إسرائيل صفة مراقب عدة دول من أبرزها الجزائر وجنوب أفريقيا ونيجيريا، وهي دول وازنة داخل الاتحاد.



«فاغنر» تعتقل 6 موريتانيين وسط مخاوف من «انتهاكات»

عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
TT

«فاغنر» تعتقل 6 موريتانيين وسط مخاوف من «انتهاكات»

عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)

اعتقلت وحدة من مقاتلي «فاغنر» الروسية الخاصة 6 مدنيين موريتانيين على الأقل في إحدى القرى الواقعة داخل الشريط الحدودي بين موريتانيا ومالي، وفق ما أكدت مصادر محلية وإعلامية موريتانية، الثلاثاء.

وقالت المصادر إن مجموعة من مقاتلي «فاغنر» دخلوا قرية لقظف، الواقعة على بُعد 40 كيلومتراً إلى الجنوب من مدينة باسكنو، أقصى جنوب شرقي موريتانيا، غير بعيد عن الحدود مع دولة مالي. مؤكدةً أن جميع سكان قرية لقظف يحملون الجنسية الموريتانية، رغم أن القرية تقع داخل شريط حدودي «غير مرسَّم»، وبالتالي تتداخل فيه صلاحيات البلدين: مالي وموريتانيا.

موريتانيان معتقلان من طرف مجموعة «فاغنر» (إعلام محلي)

وبسبب غياب ترسيم الحدود، نفَّذ الجيش المالي المدعوم من قوات «فاغنر»، خلال العامين الأخيرين، عمليات عسكرية كثيرة داخل الشريط الحدودي، ضمن ما تطلق عليه مالي «مطاردة العناصر الإرهابية»، لكنَّ هذه العمليات راح ضحيتها عشرات المدنيين الموريتانيين.

اقتحام واختطاف

وصفت المصادر المحلية ما حدث أمس في القرية بأنه «عملية اختطاف» تعرَّض لها ستة مواطنين موريتانيين، فيما تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صور وأسماء «المختطفين»، وكان بعضهم يحمل بطاقة تعريفه الموريتانية.

وحسب المصادر نفسها، فإن قوات «فاغنر» اقتحمت القرية خلال تنظيم سوق محلية أسبوعية، وأطلقوا وابلاً من الرصاص في الهواء، قبل أن يجمعوا رجال القرية، ويقرروا توقيف 7 أشخاص، أفرجوا عن واحد منهم لاحقاً، كما صادروا خمس سيارات رباعية الدفع وعابرة للصحراء، تعود ملكيتها إلى رجال من القرية.

في غضون ذلك، نشرت الصحافة المحلية أن قوات «فاغنر» نقلت الموقوفين الستة إلى مدينة نامبالا، داخل أراضي مالي، وسلَّمتهم للجيش المالي، وسيجري نقلهم إلى العاصمة باماكو، «تمهيداً لإطلاق سراحهم»، على حد تعبير صحيفة محلية.

رعب «فاغنر»

خلال العامين الأخيرين قُتل عشرات الموريتانيين على يد الجيش المالي وقوات «فاغنر» الروسية، داخل الشريط الحدودي بين البلدين، وحتى داخل أراضي مالي، وهو ما أسفر عن برود في العلاقة بين البلدين، كاد يتطور إلى قطيعة نهائية.

وقُتل أغلب هؤلاء الموريتانيين بطرق بشعة، من بينها الحرق والدفن في قبور جماعية، مما أشعل موجة غضب عارمة في الشارع الموريتاني، لكنَّ الماليين برَّروا ذلك بالحرب التي يخوضونها ضد الإرهاب، والتي دعت الموريتانيين إلى اصطحاب هوياتهم، والابتعاد عن مناطق الاشتباك.

قوات موريتانية على الحدود مع مالي (أ.ف.ب)

ومنذ أكثر من عامين، تجري معارك عنيفة بين الجيش المالي المدعوم من «فاغنر» من جهة، و«جبهة تحرير ماسينا» التابعة لتنظيم «القاعدة» في منطقة على الحدود مع موريتانيا، وتحدث مطاردات تنتهي في الغالب داخل الشريط الحدودي.

شريط حدودي رمادي

يمتد الشريط الحدودي بين البلدين على أكثر من ألفي كيلومتر، وبعمق يزيد على 10 كيلومترات، حيث تقع فيه عشرات القرى التي يقطنها سكان من البلدين، دون تحديد إن كانت موريتانية أم مالية.

وحاول البلدان ترسيم الحدود عدة مرات منذ الاستقلال عن فرنسا قبل ستين عاماً، لكنَّ هذه المحاولات لم تُفضِ إلى نتيجة، ليشكل البلدان بعد ذلك لجنة مشتركة لتسيير الحدود.

وسبق أن هددت السلطات الموريتانية، التي احتجت على ما يتعرض له مواطنوها، بالرد والتصعيد أكثر من مرة، وطالبت في الوقت ذاته مواطنيها بالانسحاب من هذه المنطقة، حتى تنتهي المعارك. لكنَّ سكان المنطقة الحدودية من البدو، المشتغلين بتربية الأبقار والإبل والأغنام، ويعيشون منذ قرون على التحرك في المنطقة، بحثاً عن الماء والمرعى، لا يمتلك أغلبهم أي أوراق مدنية، وبعضهم الآخر يحوز الجنسيتين؛ الموريتانية والمالية.

ومع تصاعد استهداف الموريتانيين، زار قائد الجيش المالي نواكشوط، مطلع مايو (أيار) الماضي، وعقد لقاءات مطولة مع قائد الجيش الموريتاني ووزير الدفاع، أسفرت عن تشكيل لجنة مشتركة، والاتفاق على تنسيق العمليات على الأرض.

الرئيس الموريتاني أجرى مشاورات مع المسؤولين في مالي لمنع تسلل أي إرهابيين محتملين إلى أراضي بلاده (أ.ف.ب)

وكان الهدف من هذا التنسيق، حسبما أعلن الطرفان، هو منع تسلل أي إرهابيين محتملين إلى أراضي موريتانيا، لكن أيضاً تفادي أي استهداف للموريتانيين بالخطأ داخل الشريط الحدودي. ومنذ ذلك الوقت لم يُقتَل أي مواطن موريتاني داخل الشريط الحدودي، فيما تراجعت بنسبة كبيرة تحركات قوات «فاغنر» في الشريط الحدودي، وتعد عملية توقيف الموريتانيين (الثلاثاء) الأولى من نوعها منذ ستة أشهر.