إردوغان يطلق مبادرة للوساطة بين روسيا وأوكرانيا بزيارة كييف غداً

المعارضة التركية كشفت عن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في 2021

الرئيس التركي يزور كييف الخميس ويطلق مبادرة للوساطة بين روسيا وأوكرانيا (الرئاسة التركية - د.ب.أ)
الرئيس التركي يزور كييف الخميس ويطلق مبادرة للوساطة بين روسيا وأوكرانيا (الرئاسة التركية - د.ب.أ)
TT

إردوغان يطلق مبادرة للوساطة بين روسيا وأوكرانيا بزيارة كييف غداً

الرئيس التركي يزور كييف الخميس ويطلق مبادرة للوساطة بين روسيا وأوكرانيا (الرئاسة التركية - د.ب.أ)
الرئيس التركي يزور كييف الخميس ويطلق مبادرة للوساطة بين روسيا وأوكرانيا (الرئاسة التركية - د.ب.أ)

يقوم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بزيارة إلى كييف غداً (الخميس) في مسعى لإطلاق وساطة بين أوكرانيا وروسيا حول التوتر بينهما بشأن إقليم دونباس الذي تدعم موسكو الانفصاليين فيه.
وبحسب مسؤولين في الرئاسة التركية سيلتقي إردوغان الرئيس فولوديمير زيلينسكي لبحث تخفيف التوتر مع روسيا التي يتهمها الغرب بحشد آلاف من قواتها على حدود أوكرانيا تمهيدا للحرب، وسينقل إليه رسائل بشأن الحفاظ على السلام في المنطقة ومنع تصاعد التوتر والصراع.
وعلى الجانب الآخر، يتوقع أن يزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تركيا للقاء إردوغان في وقت لاحق من فبراير (شباط) الحالي لبحث الأمر نفسه.
ورغم أن تركيا تربطها علاقات جيدة بكل من موسكو وكييف، فإن روسيا نظرت في البداية بفتور إلى اقتراح الوساطة الذي أعلنه إردوغان، حيث طرح جمع الرئيسين الروسي والأوكراني على طاولة مفاوضات في أنقرة، وذلك بسبب حصول أوكرانيا على طائرات مسيرة مسلحة من تركيا تستخدمها في دونباس، إلا أن أنقرة ردت بأنها ليست مسؤولة عن طريقة استخدام مبيعات أسلحتها، وأن مبيعات الأسلحة الروسية تستخدم في العديد من مناطق الصراع في العالم.
وتقف تركيا وروسيا على طرفي نقيض في الأزمتين السورية والليبية، كما رفضت أنقرة ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا في عام 2014 بموجب استفتاء على انفصالها عن أوكرانيا. ومع وجود تعاون قوي مع روسيا في مجالي الدفاع والطاقة، باعت تركيا طائرات دون طيار قتالية لأوكرانيا، ما أثار غضب موسكو.
والأسبوع الماضي، حذر إردوغان من أن إقدام روسيا على عمل عسكري ضد أوكرانيا سيكون خطوة «غير عقلانية»، مشيراً إلى أنه وجه الدعوة إلى بوتين لزيارة تركيا لبحث الأمر. وأعلن الكرملين أن بوتين قبل الدعوة وسيقوم بالزيارة عندما يكون هناك وقت مناسب لذلك.
وأضاف الرئيس التركي أن بلاده ترغب في أن ينتهي التوتر الحاصل بين روسيا وأوكرانيا قبل أن يتحول إلى أزمة جديدة، لافتاً إلى أن بلاده دعمت منذ البداية سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، واتخذت موقفاً واضحاً ضد الخطوات الروسية التي تنال من وحدة الأراضي الأوكرانية، لا سيما ضمها شبه جزيرة القرم، مؤكداً التزام بلاده بهذا الموقف.
وأعلن المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، الخميس الماضي، أن بوتين قبل دعوة نظيره التركي لزيارة أنقرة، وأن توقيت الزيارة مرهون بالجداول الزمنية للرئيسين والوضع الوبائي، مشيراً إلى أن هذا الموضوع أثير مراراً خلال الاتصالات الأخيرة بين الرئيسين بوتين وإردوغان، وموضحاً أن هناك نوعا من التوقف في عملية انعقاد كل من اللجنة الحكومية المشتركة والهيئة العليا للعلاقات الثنائية، التي يرأسها الرئيسان بوتين وإردوغان، وأن إردوغان سبق أن أكد استعداده لاستضافة هذين الحدثين في تركيا.
على صعيد آخر، كشف تقرير لحزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، حول حقوق الإنسان عام 2021 عن أن العام الماضي شهد انتهاك حق الحياة لـ2964 مواطناً، فيما تعرض 3145 مواطناً للتعذيب وسوء المعاملة.
واعتمد التقرير الذي يصدره الحزب سنوياً، والذي أعلنه النائب سزجين تانريكولو، نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان التركي أمس (الثلاثاء)، على بيانات منظمات حقوقية محلية مثل جمعية حقوق الإنسان واتحاد الصحافيين الأتراك، إضافة إلى منظمة العفو الدولية.
ولفت التقرير إلى استمرار نهج الحكومة التقييدي تجاه الحق في التجمع والتظاهر طوال عام 2021، حيث كشف أن ضباط إنفاذ القانون تدخلوا فيما لا يقل عن 334 اجتماعاً ومظاهرة سلمية؛ ما أسفر عن توقيف 3500 مواطن على الأقل، واعتقال 325، بينهم 12 طفلاً.
وأفاد التقرير بقيام حكام الولايات بحظر الاحتجاجات السلمية لنشطاء حقوق المرأة والعاملين في مجال الرعاية الصحية والمحامين وأحزاب المعارضة 57 مرة على الأقل في 26 ولاية تركية. وذكر أن 26 صحافياً ومقدم برامج تعرضوا للعنف في عام 2021، بسبب عملهم، وخضع 250 صحافياً للمحاكمة في 130 قضية؛ ما أدى إلى اعتقال ما لا يقل عن 50 منهم.
كما وثق التقرير 925 حالة سوء معاملة وتعذيب في سجون تركيا، لافتاً إلى أن مدعي العموم يتجنبون إجراء تحقيقات فعالة في مثل هذه الادعاءات، في ظل ثقافة منتشرة للإفلات من العقاب لأفراد قوات الأمن والموظفين العموميين.
وأكد التقرير وقوع جرائم وصفها بـ«الفادحة» من النظام تجاه الأطفال؛ إذ أشار إلى أن هناك 3 آلاف طفل، 800 منهم أقل من 3 سنوات، قابعون في السجون مع أمهاتهم.
وأضاف أن 200 شخص تعرضوا للاعتقال لممارستهم حريتهم في تكوين جمعيات، لافتا إلى انتهاك حرية التعبير في 386 حالة فردية، والحكم على ما لا يقل عن 92 شخصاً، بينهم 41 صحافياً وكاتباً وناشرا، بالسجن أو غرامات قضائية بسبب خطبهم أو تصريحاتهم.
وأشار التقرير إلى أن المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون فرض ما مجموعه 71 غرامة تعسفية وتعليقاً مؤقتاً لبث وسائل الإعلام المعارضة، من بينها قنوات «خلق تي في» و«فوكس» و«تيلي 1» لمجرد تقديم محتوى أو استضافة شخصيات معارضة للحكومة، كما واجهت صحف معارضة، مثل «جمهوريت»، «إيفرنسال»، «بيرجون» و«سوزجو»، الحرمان من إعلانات المؤسسات العامة لمدة 115 يوماً.
ولفت التقرير إلى امتناع حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا عن الرد على 7067 مذكرة برلمانية خلال العام الماضي، إذ تقدم نواب البرلمان التركي بنحو 17 ألفاً و445 مذكرة برلمانية إلى الجهات المعنية، وجاء الرد على 2101 مذكرة فقط وامتنعت الحكومة عن الرد على 7067 مذكرة، وأجابت على 6691 مذكرة بعد انتهاء الفترة القانونية المحددة.
وأعادت السلطات جزءاً من المذكرات البرلمانية المتبقية، في حين أقدم النواب على سحب عدد من تلك المذكرات التي تقدموا بها، وتبين أن المذكرات البرلمانية التي لم يتم الرد عليها تضمنت مذكرات تقدم بها نواب الحزب الحاكم نفسه، حيث تقدم نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم بنحو 13 في المائة من إجمالي المذكرات البرلمانية المطروحة خلال العام الماضي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟