حالة الإعجاب بشيء ما، ترافقها غالباً الرغبة في تملكه، لذلك كانت أهمية الثقافة الفنية والتشكيلية لتحفيز سوق واقتصاد الفن التشكيلي.
وكانت سوق الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية لفترة طويلة ضعيفة نوعاً ما، فحالات اقتناء الأعمال الفنية كانت غالباً للجهات الحكومية، وبدعم مباشر من الدولة، لتشجيع الفن ودعم الفنانين.
أما حالات الاقتناء الشخصية، فكانت غالباً ترتبط بديكورات المنزل، لذا لم يكن هناك حرص على قيمة العمل الفني أو المنتج له، بقدر مناسبته المساحة التي سيعلق عليها. وذلك لا يعني عدم وجود مقتنين في السوق السعودية، بل كان هناك مقتنون كبار ولفنانين عالميين كذلك، إلا إنهم غير معروفين.
تحولت سوق الفن التشكيلي السعودية في السنوات الأخيرة، وانتعشت الحركة التشكيلية فيها نتيجة الدعم الكبير الذي حظيت به الفنون والثقافة من خلال «رؤية السعودية 2030»، وإظهار الفن السعودي في المحافل الدولية والعالمية من خلال مبادرات عدة، في مقدمتها مبادرات «مؤسسة مسك الخيرية»، وكذلك وزارة الثقافة. ولعل اقتناء الأعمال الفنية وعرضها في الجهات الرسمية ليشاهدها الفنان والمتلقي والمجتمع له أثر كبير في دعم الفنانين، ومن ذلك عرض لوحات لفنانين وفنانات سعوديات في مكتب الأمير محمد بن سلمان ولي العهد.
وقد أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي لبعض المقتنين عرض إعجاباتهم ومجموعاتهم الفنية الخاصة، كما أتاحت هذه الوسائل حالة من نشر المعرفة والثقافة الفنية، وإن كانت بسيطة، إلا إنها حالة مهمة للتأثير على المجتمع، أو حتى تعريفه بوجود هذا العالم الفني المدهش، والذي ما إن يدخله المقتني حتى يصعب عليه الخروج منه، فالاقتناء أشبه بالإدمان، والمجموعات الفنية تكبر، وتزداد قيمتها مع ازدياد خبرة المقتني وثقافته الفنية ليتم استبدال عمل بآخر.
ولا تخفى القدرة الشرائية لدى المجتمع السعودي، في جميع المجالات، وحرص الدول الأخرى عليه بسبب هذه القدرة، التي تظهر كذلك في سوق الفن التشكيلي، التي رغم حداثتها نوعاً ما، لكنها أثبتت تأثيرها، وحرص كثير من الفنانين العرب على وصول أعمالهم لهذه السوق.
ويظهر انتشار أعمال بعض الفنانين العرب، وارتفاع أسعارها بعد دخولها إلى السوق السعودية، في مقابل أعمال فنانين آخرين بتاريخ مماثل وقيمة فنية مشابهة نوعاً ما، لكنهم لم يدخلوا هذه السوق.
وقد عُرفت هذه الأسماء من خلال بعض صالات العرض المحلية التي حرصت على ترويج وتسويق أعمال هؤلاء الفنانين لدى كبار المقتنين.
علاقة الفنون بالاقتصاد علاقة تبادلية، ونفعية، وكل منهما يضيف للآخر، فمن خلال صنع قيمة اقتصادية للفن يمكن تداوله وتدويره وتحقيق منافع اقتصادية شاملة لعدد من الحلقات المحيطة، كالفنان، وصالات العرض، والمتاحف، والمحافل الفنية والثقافية والمزادات الفنية، وكل ما له علاقة بصناعة الفن وتداوله، كمحلات البراويز، والأثاث، وبيع المستلزمات الفنية، وكذلك الكتابة عن الفن، وطباعته وتسويقه. ويمكن رؤية المنافع الاقتصادية للفن في الدول الكبرى التي عرفت بفنونها، كفرنسا التي صنعت من «الموناليزا» أيقونة سياحية يفد إليها السياح من مختلف أرجاء العالم. والفنان النمساوي غوستاف كليمت الذي يفد السياح إلى فيينا لرؤية روائعه الفنية. والمتاحف الفنية العالمية التي تعدّ مناطق سياحية مهمة، مثل المتحف البريطاني، و«ميتروبوليتان» في نيويورك، و«أرميتاج» في روسيا، و«التيت» في لندن، و«اللوفر» في باريس... وغيرها.
قوة الفن وتسويقه يكون غالباً من قبل مؤسسات عالم الفن، هذه المؤسسات تشمل المتاحف والمعارض والكتابة عن الفن والمقتنين الكبار والمزادات الفنية... وغيرها، كما يمكن أن تشمل المؤثرين الذين يشيرون إلى الفنون في محتواهم. وتقاس قوة هذه المؤسسات بمدى تأثيرها، لذلك يمكن ملاحظة ارتفاع أسعار أعمال فنية لأحد الفنانين بسبب دعمه من قبل إحدى هذه المؤسسات، كمتحف، أو مزاد، أو حتى وجود أعماله لدى كبار المقتنين. لذلك يتباهى كثير من الفنانين بوجود أعمالهم لدى قادة الدول، والرؤساء، وغيرهم من شخصيات كبيرة ومؤثرة.
ولعل اقتصاد الفن التشكيلي يعتمد بشكل كبير على تعدد المؤسسات الفنية وقوتها وتأثيرها، ولذلك؛ فدعم الفن التشكيلي ينبغي ألا يقتصر على المنتج الفني فقط، بقدر ما يوجه لدعم وتسهيل عمل مؤسسات عالم الفن الأخرى، كالمتاحف وصالات الفن والمعاهد الفنية، وتعزيز الدور الاستثماري لهذه المؤسسات لما يمكن أن تحققه من منافع اقتصادية.
* كاتبة سعودية - دكتوراة في النقد الفني