لماذا تفشل العلامات التجارية باسم الفنانين؟

يارا دخلتها مؤخراً بمجموعة «بتحب ما بتحب»

أقراط أذن من تصميم جيري غزال
أقراط أذن من تصميم جيري غزال
TT

لماذا تفشل العلامات التجارية باسم الفنانين؟

أقراط أذن من تصميم جيري غزال
أقراط أذن من تصميم جيري غزال

قد يكون فنانون كثر من زمن الماضي الجميل فاتهم الكثير من الفرص السانحة اليوم لزملائهم من الجيل الجديد. فرص تتعلق بانتشار اسمهم بصورة أكبر، وكذلك بتأمين «تحويشة العمر» من مدخول مادي تدره عليهم تجارة معينة.
فلا الراحلة ناديا جمال ولا صباح ولا نصري شمس الدين وغيرهم عايشوا زمن وسائل التواصل الاجتماعي، كي يستنيروا منها بأفكار عملية يستفيدون منها مالياً.
من حظ فناني اليوم أنّهم يواكبون هذه الوسائل، ويطّلعون من خلالها، على ما يمكنه أن يوسع آفاق شهرتهم، مستفيدين من نجوميتهم.
وتعدّ ظاهرة إطلاق تصاميم أزياء ومجوهرات أو مساحيق تجميل وعطور كعلامة تجارية (براند) خاصة بالفنان، واحدة من الأفكار التي يتحمس لها نجوم اليوم.
أحدث فنانة عربية أطلقت مجموعة تصاميم تحمل اسمها، هي يارا. فقد أعلنت مؤخراً عبر صفحاتها الإلكترونية عن إطلاق مجموعة مجوهرات «بتحب ما بتحب». وكتبت تقول: «خلصوا كل وراق الوردة بس ما خلص الحب... إليكم مجموعتي (بتحب ما بتحب). وأكدت يارا في منشور عبر صفحاتها الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي، أنّها أحبت أن تهدي جمهورها هذه المجموعة من المجوهرات لتكون بمثابة رابط مشترك يجمعها بهم، خاصة أنّ تصميم المجوهرات كان بالنسبة لها حلماً منذ الطفولة. فهذه المجموعة من تصميمها مؤلفة من قطع الذهب الأبيض والألماس، مستوحاة من زهرة الديزي التي كانت يارا تجمعها باقات من البرية في صغرها.
الظاهرة التي أقبل عليها أكثر من فنان في السنوات الماضية لا تزال تستقطب بعض النجوم من الرجال والنساء معاً. وكان الفنان راغب علامة أول من أطلق عطراً خاصاً باسمه «نوت دامور»، عندما أعلن عنه في برنامج «أراب أيدول»، منذ نحو 9 سنوات. يومها عقد مؤتمراً صحافياً في فندق «لو غراي» وسط بيروت، واصفاً عطره بأنّه مصنوع بخلطة من حب معجبيه.
وفي عام 2019. أطلقت هيفاء وهبي علامتها الخاصة بالأزياء الجاهزة تحت عنوان «بو فوايو»، قدمت فيها أزياء الشارع بأسلوب أنثوي حملت اسم «جانب القلب». وتضمنت حينها تصاميم تليق بأسلوب النجوم الجريء الشبيه بأسلوبها. وتصدرت المجموعة السترة الجلدية المزدانة بألوان قوس قزح، وقمصان الـ«تي شيرت» العملية التي تحمل في وسطها طبعات ملونة.
أما الفنانة نادين نسيب نجيم فاختارت من ناحيتها إطلاق خط مستحضرات تجميل في فبراير (شباط) من عام 2021. وحملت المجموعة أحرف اسمها الأولى «N.N.N» وجاء مشروعها هذا بعد نحو 3 أشهر من طرحها فلتر للوجه يحمل اسمها لتجميل البشرة والوجه، عقب إصابتها بندوب في بشرتها جراء انفجار بيروت في 4 أغسطس (آب).
ولكن الملاحظ في هذا المجال هو عدم استمرارية العلامات التجارية للنجوم بنفس مستوى شهرتهم الواسعة. فهي أحياناً تحقق النجاح، ومرات أخرى يسقط المشروع بعد فترة وجيزة من إطلاقه.
فغالبية المشاهير الذين لجأوا إلى هذه الظاهرة، كانت تأخذ مجموعاتهم مساحتها من وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام بشكل آني، فتحدث ضجة حولها لتعود وتختفي عن الواجهة بعد فترة قصيرة.
ألين وطفا التي قدمت برنامج «ستايل» عبر قناة «إم بي سي»، لمدة 16 عاماً، لها خبرة وافية في هذا الموضوع، خصوصاً أنّها أقدمت شخصياً على مشروع مماثل. فهي تملك علامتها التجارية في مجموعة أزياء رياضية من نوع «جوكينغ سوت» تحمل اسم «نوتي كات». فما الذي يدفع بنجوم الفن والإعلام إلى إطلاق علامتهم التجارية في تصاميم ومجموعات معينة؟ ترد: «هو أسلوب معروف جداً في الغرب، يعتمده النجوم لتوسيع بيكار انتشارهم، وكذلك لإرضاء معجبيهم وتقريبهم من أسلوب حياتهم بشكل أكبر». وتتابع ألين وطفا لـ«الشرق الأوسط»: «هي تجربة ممتعة جربتها شخصياً، ولكن يلزمها التفرغ والمتابعة. وقد تختلف أهداف الفنان الذي يُقدم على هذه الخطوة، إذ يعتبرها بعضهم نوعاً من الـ(بريستيج) يلمع صورته. وقد يعتبرها آخرون مصدر رزق آمن بعيداً عن أي مخاطر قد يواجهونها بمهنتهم في المستقبل. ومن بين النجوم من تختارهم شركة أو مؤسسة معينة لتقدم لهم هذه الفرصة، فيستفيد الطرفان منها مادياً ومعنوياً. فيكونون بمثابة راعٍ تجاري لهم».
وما تتحدث عنه ألين وطفا حدث مع كثيرين وبينهم نانسي عجرم، التي اختارتها شركة «هواوي» للأجهزة الخلوية سفيرة لعلامتها التجارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. واحتفاءً بالشراكة مع المطربة اللبنانية، أطلقت «هواوي» يومها إصداراً خاصاً من هواتفها حمل اسم «نانسي أسيند بي 7». ويتميز الجهاز بغطاء زجاجي خاص يحمل توقيع الفنانة نانسي عجرم محفوراً على ظهر الهاتف.
ولكن، لماذا هذه العلامات التجارية تحدث زوبعة في فنجان ومن ثمّ تختفي؟ توضح ألين وطفا في سياق حديثها: «من السيء جداً ألا يتابع الفنانون إصداراتهم بشكل حثيث ودقيق. فكأنهم يعترفون بأنّهم سقطوا في الامتحان. في رأيي أنّ مشاغل الفنان كثيرة، وهو لا يستطيع أن يوفر الوقت الكافي للاهتمام بهذا النوع من الأعمال الذي يتطلب جهداً. يتحمسون للوهلة الأولى لمشاريعم، ومن ثمّ ينكفئون عنها لانشغالاتهم بمهنتهم الأساسية».
أحياناً يتدخل الفنان شخصياً بأفكار تصاميم مجموعاته مهما اختلف نوعها. ومرات يسلّم هذه المهمة لاختصاصيين شرط أن يطلع عليها قبل تنفيذها. وترى ألين أنّ داليدا زوجة الفنان رامي عياش مثلاً، هي متخصصة في هذا المجال، وتضع شخصياً تصاميمها في عالم الأزياء.
وعمّا إذا هذا النوع من الأعمال يستلزم تكلفة كبيرة تقول ألين وطفا: «ذلك يتعلق بالصنف وبعدد القطع المقدمة. فالأزياء هي أقل تكلفة من المجوهرات مثلاً. ولكن في غالبية الأوقات لا تتطلب رؤوس أموال كبيرة، إلّا في حال ارتباطها بالأحجار الكريمة والألماس».
تطول لائحة الفنانين الذين دخلوا عالم التجارة وأطلقوا ماركات خاصة بهم وتحت اسمهم. ومن بينهم مؤخراً الممثل جيري غزال الذي يقدم مجموعة تصاميم لقلادات وأساور وأقراط أذن، استوحاها من كتاباته الشعرية.
أما الممثل الفكاهي نعيم حلاوي، فهو دخل هذه الظاهرة من باب التسلية وتمضية الوقت. فقد أطلق مؤخراً مجموعته من تصاميم الأزياء التي تميل إلى الطرافة، تحمل صور شخصية «أبو عبدو»، التي اشتهر بها. ومن بينها تنانير تحمل عبارات «راديو نعيم» أو أسماء مناطق لبنانية. وقدم لتصاميمه عبر صفحته في موقع «فيسبوك»: «افتُتح اليوم متجر نعيم حلاوي الإلكتروني وتجدون فيه ما يسركم من ملابس وأفكار هدايا ممهورة بتصاميمه الخاصة وفيها لمسة فكاهية».
يقول حلاوي لـ«الشرق الأوسط»: «الفكرة راودتني خلال الحجر المنزلي فوجدت مساحة أتسلى فيها من ناحية، وتعود علي ببعض الربح المادي من ناحية ثانية. وأتعامل مع شركة خاصة (Redbubble)، تهتم بتنفيذها والترويج لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي».
جميع الأفكار التي يقدمها حلاوي في مجموعته هي من تصميمه، ويتوجه بها إلى جميع الأعمار. وتصل الراغب بشرائها (أونلاين) عبر خدمة التوصيل إلى المنزل (دليفري).



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)