موظفو القطاع العام يتوقون لصرف مساعدات أقرتها الحكومة

تدنّت قيمة رواتبهم مع انهيار سعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار

TT

موظفو القطاع العام يتوقون لصرف مساعدات أقرتها الحكومة

يعمل «حنا. م»، 28 عاماً، في أحد الأجهزة الأمنية اللبنانية منذ نحو 8 سنوات، إلا أن راتبه لا يتجاوز الـ62 دولاراً أميركياً وفق سعر الصرف الحالي في السوق السوداء والذي يسجل منذ نحو أسبوعين نحو 23 ألف ليرة للدولار الواحد. يقول حنا لـ«الشرق الأوسط»: «الوضع لم يعد يُحتمل. فلولا عملي في أحد المطاعم مساءً لما كنت قادراً على تسديد الدفعة الشهرية للمصرف ولا مصاريف الكهرباء والمياه وتأمين الطعام لعائلتي... للأسف أنا حزين على أحوالي ولكن أيضا على أحوال السلك الذي أعمل فيه ما يؤكد أن البلد يتداعى كلياً».
وبمحاولة لاستيعاب الوضع ودعم العمود الأخير الذي يُبقي مؤسسات وإدارات الدولة قائمة، أقرت الحكومة مؤخراً مجموعة مساعدات لموظفي القطاع العام فيما تبحث مساعدات إضافية من خلال الموازنة التي يتم بحثها على أن تشمل على الأرجح إعطاء راتب إضافي كامل لكل موظف لعام كامل.
وأقر مجلس الوزراء في الجلسة الأولى التي عقدها بعد توقف اجتماعاته لمدة 3 أشهر مساعدة للعاملين في القطاع العام بمن فيه كل من يتقاضى راتباً أو أجراً أو مخصصات من الأموال العمومية، بالإضافة إلى المتقاعدين، كما رفع بدل النقل لموظفي القطاع العام ليصبح 2.7 دولار أميركي بعدما كان يبلغ 0.34 سنت. كذلك أقر مبلغاً شهرياً مقطوعاً للعسكريين وشرطة مجلس النواب والضابطة الجمركية والأمن العام وأمن الدولة، قيمته مليون و200 ألف ليرة لبنانية أي نحو 52 دولاراً أميركياً.
ولا ينكر الشاب العشريني «حنا. م» أنه من شأن المساعدات التي أقرتها الحكومة «دعم صمودنا في هذا البلد وفي وظائفنا، ولكن إذا لم يتم السير بحلول جذرية للأزمة فقد يواصل الدولار تحليقه وسيصبح الراتب والمساعدات من دون قيمة تُذكر».
ومن شأن هذه الزيادات أن تسمح للموظفين بالعودة إلى مكاتبهم بعد أشهر من الإضرابات، والعسكريين والأمنيين إلى ثكناتهم ومراكز عملهم بعدما تم تقليص أيام خدمتهم بشكل كبير لعدم قدرة الغالبية الساحقة منهم على تكبد مصاريف التنقل.
ويرى الخبير المالي والاقتصادي وليد أبو سليمان، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «القطاع العام يعاني من الخمول كون الكثير من الموظفين لا يتوجّهون إلى مراكز عملهم إما بسبب ارتفاع كلفة التنقل وإما لفقدان رواتبهم قيمتها والتي أصبحت لا تتناسب مع حجم أعمالهم»، مشيراً إلى أن «عدد موظفي القطاع العام مرتفع جداً وتجب إعادة النظر به وتخفيضه، لكون الكثير منهم بلا أي إنتاجية»، موضحاً: «الدولة هي ربّ العمل الأكبر في لبنان وتتجاوز نسبة العاملين لديهم الـ25% من قوى اليد العاملة بينما لا تتخطى هذه النسبة في دول أخرى الـ10% أو 12%. ما يعني أنّ الرقم في لبنان يساوي الضعف المتعارف عليه في الكثير من الدول».
وتساءل كثيرون عن مصادر تمويل المساعدات التي أُقرّت لموظفي القطاع العام، وأشار أبو سليمان إلى أن مصدر تمويلها هي الإيرادات التي تتوقع الحكومة تحقيقها من جباية الضرائب والرسوم، «ولكن في ظلّ التضخّم المتزايد وانخفاض القدرة الشرائية، من الصعب أن تكون هذه المساعدات كافية أو قادرة على تلبية حاجات الموظفين في القطاع العام والعاملين في القطاع الخاص، فيما كان المطلوب الحفاظ على القدرة الشرائية وضبط التضخم».
ويُعد القطاع العام في لبنان فضفاضاً، وهو يضم حالياً 320 ألف موظف يشكّلون 25% من حجم القوى العاملة في لبنان، ويُضافون إلى 120 ألف متقاعد يشكّلون عبئاً إضافياً على الخزينة كونهم يتقاضون رواتب شهرية أيضاً، ما يؤدي إلى تكبد الدولة سنوياً 12 ألف مليار ليرة سنوياً كلفة رواتب للقطاع العام.
وأعلنت لجنة المال والموازنة النيابية أنه خلال الانتخابات النيابية الماضية تم توظيف 5300 موظف في هذا القطاع، علماً بأنه كان هناك قرار بوقف التوظيفات اتُّخذ عام 2017.
وأسهم تدني سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار في فقدان رواتب موظفي القطاع العام قدراتها الشرائية. وفي ظل سعر صرف للدولار يبلغ 23 آلاف ليرة، تبلغ قيمة الحد الأدنى للأجور أقل من 29 دولاراً.
ويتقاضى مثلاً موظف الفئة الخامسة راتباً يوازي 950 ألفاً، ما يساوي 41 دولاراً، بعدما كان نحو 600 دولار قبل عام 2019، أما المستوى الأعلى للأجور الإدارية، فيصل إلى 9 ملايين و85 ألفاً، ليساوي الآن 395 دولاراً.
ويتقاضى الجندي اللبناني مليوناً و296 ألف ليرة، وكان يساوي 864 دولاراً، ليصبح اليوم عند مستوى 56 دولاراً. ويصل الأجر في أعلى الهرم في السلك العسكري إلى رتبة «لواء» الذي يتقاضى 8 ملايين و455 ألفاً، ما يعادل 368 دولاراً، بعدما كان 5637 دولاراً. فيما تدنت أجور القضاة في أعلى مستوياتها من 6233 دولاراً إلى 407 دولارات.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.