«حزب الله» يحوّل «اليونيفيل» إلى «صندوق بريد»

اعتداءات متكررة على دوريات الأمم المتحدة باسم «الأهالي» في جنوب لبنان

«حزب الله» يحوّل «اليونيفيل» إلى «صندوق بريد»
TT

«حزب الله» يحوّل «اليونيفيل» إلى «صندوق بريد»

«حزب الله» يحوّل «اليونيفيل» إلى «صندوق بريد»

حوّلت الاعتداءات المتكررة على قوات حفظ السلام الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) البعثة الدولية إلى «صندوق بريد سياسي»، توجه عبره رسائل سياسية إلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
اعتراض دوريات البعثة الدولية لم يكن في أي وقت سابق، بهذا الكم، إذ سجلت 3 حوادث خلال شهر واحد، في ظل تأزم محلي، ومطالب دولية بنزع سلاح «حزب الله» عبر تنفيذ القرارات الدولية، بينها 1701 و1559. بموازاة تغيّر في المزاج السياسي الداخلي نحو استيعاب الحزب كقوة عسكرية في داخل البلاد. أما اللافت في حوادث اعتراض القوات الدولية، فهو ردة فعل «اليونيفيل»، التي صعّدت اللهجة ضد المرتكبين، وطالبت السلطات اللبنانية بالتحقيق وإحالة المتورطين إلى المحاسبة. وهذا مؤشر على تبدل في خطاب البعثة التي كانت تكتفي بالإعلان عن التحقيق في الأحداث، والتنسيق مع الجيش اللبناني. وجزمت في البيانات والتصريحات التي تلت الاعتداءات الثلاثة الأخيرة، بأن ذرائع السكان غير صحيحة.

في أغسطس (آب) من العام 2006، بموجب القرار الدولي رقم 1701 الذي أنهى الحرب الإسرائيلية على لبنان، أذن المجلس لقوة «اليونيفيل» باتخاذ جميع الإجراءات الضرورية في مناطق انتشار قواتها، وحسبما يقتضيه الوضع في حدود قدراتها، لضمان ألا تُستخدَم مناطق عملياتها لأي أنشطة عدائية من أي نوع كان، ومقاومة المحاولات التي تهدف إلى منعها بالقوة من القيام بواجباتها التي نص عليها تكليف مجلس الأمن. ويضاف إلى ذلك حماية موظفي ومرافق ومنشآت ومعدات الأمم المتحدة، وكفالة أمن وحرية تنقل موظفي الأمم المتحدة والعاملين في مجال المساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين المعرضين لخطر العنف الجسدي، دون المساس بمسؤوليات حكومة لبنان.
لقد شكّل هذا القرار توسعة لمهام البعثة الدولية عما كان الأمر عليه بعد تشكيل البعثة في المرحلة الأولى في العام 1978 لتنفيذ القرار 425. ومنذ ذلك الوقت، تسيّر البعثة الدولية يومياً ما يزيد عن 400 دورية، يشارك الجيش اللبناني بنسبة تصل إلى 35 دورية يومياً، ونادراً ما تعرضت القوات الدولية لاعتداءات أو محاولة عرقلة لمهامها، إلا في حالات نادرة كانت على الأغلب تحدث قبل فترة التمديد لولايتها في أغسطس من كل سنة.
لكن خلال الشهر الأخير وحده، سُجّلت 3 اعتداءات، وهو رقم كبير نسبة إلى حوادث التعرض السابقة، ما رسم مؤشرات على تبدل سياسي وميداني، سهل لهذه الأحداث. وخلال شهرين، منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تعرضت قوات «اليونيفيل» لـ3 اعتداءات منفصلة. الأول حصل في بلدة شقرا يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) على خلفية اتهام الجنود بالتقاط صور، أما الثاني فحصل في بنت جبيل في 3 يناير (كانون الثاني) الحالي؛ حيث أقدم أشخاص على مهاجمة دورية للقوات الدولية. وأما الثالث فوقع في 25 ديسمبر (كانون الأول) أيضاً في بلدة رامية الحدودية، علماً بأن الاتهامات المحلية كانت توجه إلى «الأهالي».
«الأهالي» و«حزب الله»
ترفض الدكتورة منى فياض، الأكاديمية والباحثة اللبنانية في علم النفس السياسي، الاتهامات لـ«الأهالي» بالوقوف وراء الاعتداءات، معتبرة أن هذه الذرائع «لا تنطلي على أحد»، ومشيرة إلى أن «حزب الله» يختبئ وراء الأهالي فيها. وتشرح فياض في حديث لـ«الشرق الأوسط» المسار الذي يتبعه الحزب في هذا السياق، قائلة: «(حزب الله) استطاع أن يتوصل مع مرور الوقت إلى إيجاد مراكز سلطة رديفة ومستقلة عن الدولة، أمّنت له أرضية لفرض ثنائية وازدواجية في السلطة؛ حيث يوجد الحزب وتوجد الدولة». ثم تضيف أن إحدى الوسائل الأساسية التي اعتمدها للوصول إلى هذا الأمر «التحدث باسم المجتمع المقاوم، وإعطاء اسم (الأهالي) للفئات التي يحركها من الطائفة الشيعية، بشكل خاص، كلما احتاج لخدمتها للضغط على طرف معين، كي لا يكون في الواجهة... إذ يلجأ إلى الأهالي بدلاً من أن ينزل كحزب ليقوم بالضغط بنفسه».

- دوافع سياسية
في الواقع، أثارت حوادث الاعتداء الأخيرة جملة أسئلة عن الدوافع والرسائل السياسية الموجهة للبعثة الدولية. وردّت عليها «اليونيفيل» بدعوة السلطات اللبنانية للتحقيق فيهما، وتقديم المرتكبين للعدالة. وكانت البيانات لافتة بمضمونها التصعيدي لجهة رفض «حرمان اليونيفيل من حرية الحركة»، كما جاء في بيان المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك.
الدكتورة فياض تشير إلى الاعتداء الأخير على «اليونيفيل» قبل أيام؛ حيث اعتُدي على دورية روتينية كانت تقوم بدورها، ولم تكن تدخل أي مكان ممنوع عندما اعتُرض سبيل آلياتها، وهذا استكمال لمسار سابق؛ حيث «تكررت الاعتداءات بحجة أنهم يدخلون شوارع لم يكن بالوارد دخولها من دون دخول الجيش اللبناني». وتضيف فياض أن «هذه الاعتداءات تأتي بالتزامن مع شعور أهالي الجنوب أنهم في حاجة إلى اليونيفيل، بالنظر إلى أن الأمن والسلام الذي ينعمون به منذ تطبيق القرار 1701 بعد حرب 2006 لم ينعموا به في أي مرحلة سابقة». وتتابع لافتة إلى أن الجنوب تمتع بالأمان منذ ذلك الوقت، حتى في فترة التفجيرات والتوترات التي طالت بيروت ومناطق أخرى، ولم تسجل أي حادثة باستثناء اغتيال الباحث المعارض للحزب لقمان سليم في فبراير (شباط) الماضي، مع أن المنطقة مليئة بالكاميرات، ويفترض أن يكون الحزب يعرف تفاصيل فيها.
أيضاً، توضح فياض هنا أن الحزب «استخدم معادلة (جيش وشعب ومقاومة وأهالي) ليقوم بالأمور التي تمارس الضغوط من دون أن يظهر في الصورة». وحقاً «لا يظهر (حزب الله) في صورة الاعتداءات بشكل علني، ويبرز الأهالي بدلاً منه، لأنه يريد الإيحاء بالشكل أنه يطبق (القرار 1701)».

- تغيّر في لهجة «اليونيفيل»
من جهة ثانية، بعد الاعتداء الأخير في 25 يناير، قال الناطق الرسمي باسم «اليونيفيل» أندريا تيننتي، في بيان، إن «جنود حفظ السلام لم يكونوا على أملاك خاصة، ولكن على طريق عام يسلكونه في العادة، وكانوا يقومون بعملهم لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1701 والحفاظ على الاستقرار في جنوب لبنان». وأكد الناطق الأممي أنه «بموجب القرار 1701، تتمتع اليونيفيل بحرية الحركة الكاملة والحق في القيام بدوريات داخل منطقة عملياتها». ورأى أن «الاعتداءات على الرجال والنساء الذين يخدمون قضية السلام تعتبر جرائم بموجب القانونين اللبناني والدولي»، داعياً «السلطات اللبنانية إلى التحقيق في هذه الجريمة ومحاكمة المسؤولين عنها».
في هذا السياق، يبدو هذا البيان تحولاً في تحرك «اليونيفيل» تجاه التعرض لجنودها. وحسب الدكتورة فياض، الذريعة القائلة إن الأهالي يقفون وراء الاعتداء، أو الادعاء أن جنود البعثة كانوا يصوّرون، وتم اعتراضهم، «لم تعد ذرائع يصدقها أو يتجاهلها جنود البعثة». وتلاحظ هنا أن «لهجة الناطقين باسم اليونيفيل تغيرت عن السابق، وبدأت المواجهة تتنامى... فهم يتلمسون طريقاً لتغيير المعادلة، وليصير لهم دور أفضل». أيضاً ترى فياض أن هذه التغيرات «ليست متعلقة بلبنان فقط، بل بإطار المباحثات في فيينا التي للولايات المتحدة دور كبير فيها»، آسفة لتغييب السلطات الشرعية في الجنوب؛ حيث يفترض أن يكون الجيش اللبناني هو المرجع الأساسي، ولا سلاح إلا سلاحه.

- رسائل دولية
من جانب آخر، يقرأ الباحث السياسي والعسكري اللبناني العميد الركن خالد حمادة أبعاداً تتخطى توجيه أنشطة «اليونيفيل» في منطقة جنوب الليطاني. ويتوقف عند التوقيت الذي يعتبره أكثر أهمية من الحدث نفسه، بصرف النظر عن تكراراته في الآونة الأخيرة.
إذ يقول العميد حمادة لـ«الشرق الأوسط» إن اعتراض «اليونيفيل» المتكرر «الذي بلا شك يقف (حزب الله) وراءه مرتبط بمجموعة تطورات إقليمية» تؤشر إلى متغيرات ميدانية مهمة في المنطقة، و«تسعى من خلالها إيران إلى استخدام أوراقها الإقليمية في رد فعل على انكساراتها وتعثرها في المنطقة». ويستطرد قائلاً إن الاعتداءات على اليونيفيل في لبنان «لا يمكن احتساب الجهة المسؤولة عنها على أنها (حزب الله)، بل إيران نفسها، كون الحزب هو ذراع إيرانية في لبنان».
ومن ثم، يشرح حمادة فيقول إن «كل الأوراق الإقليمية تسعى إيران لخلطها». وفي هذا الإطار، يشير إلى «التطورات العراقية لجهة تعثر العملية السياسية والمصاعب في تشكيل الحكومة، ومحاولة اغتيال رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي في وقت سابق، والاعتداءات المتكررة بالصواريخ على دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وغير ذلك، ما يؤشر إلى ردود فعل إيرانية في كل مكان تتمتع فيه بنفوذ». كذلك، يرى حمادة أن الهجوم الذي نفذه «داعش» على سجن غوران في شمال شرقي سوريا «هو واحد من الأوراق التي تستخدم إيرانياً للضغط في المنطقة»، وينضم إليها لبنان «المنهار سياسياً»؛ حيث «تستخدم ورقة اليونيفيل».
حسب العميد الركن حمادة، فإن إيران «تستخدم كل تلك الأوراق كردود فعل على تعثرها، وتنفّذها في المناطق التي تتمتع فيها بنفوذ، وهي العواصم التي زعمت في وقت سابق أنها تسيطر عليها». وبناءً عليه، فالتعرض لليونيفيل ضمن هذه السياسة الإيرانية «بالنظر إلى أن (حزب الله) هو فصيل إيراني ينفذ سياسة طهران، وليس له أي قرار خاص بمعزل عن طهران».
كذلك، إذ يشير الباحث العسكري والاستراتيجي اللبناني إلى أن الرسالة الإيرانية تفيد بأنها قادرة على تعطيل مفاعيل القرار 1701 ووضعه خارج الاستعمال «إلا حيث يريد (حزب الله)». ويرى أن لبنان «عاجز عن الرد على هذا الانتهاك أو إيقافه، ولذا يتصرف معه كما تجري العادة وفق سياسة تمييع تشبه المواقف التي يتخذها في ملفات أخرى متصلة بالحزب، مثل ردّ الدولة (وليس الحكومة) على المبادرة الخليجية التي حملها وزير خارجية الكويت إلى بيروت في الأسبوع الماضي».

- مظلة أممية
في هذه الأثناء، تتصاعد المخاوف في الجنوب من أن تؤدي تلك التعديات إلى رفع المظلة الدولية وانسحاب قوات «اليونيفيل» من لبنان، ما يفقد لبنان غطاء دولياً هو من أواخر المظلات الدولية في البلاد. ولكن حمادة، يخالف هنا هذا التقدير، إذ يرى أن القوات الدولية «ستبقى، ولن تفرض الاعتداءات انسحاب اليونيفيل»، ويضيف أن تكرار التعرض للبعثة الدولية «ستنتج عنه ردات فعل دولية، وربما اجتماعات في مجلس الأمن، وتحويل الملف إلى الفصل السابع، ما يعني مزيداً من العقوبات والتصعيد». ثم يؤكد أن مجلس الأمن «لن يرضخ لتعطيل قرار دولي ولن يسمح بابتزازه»، وفي المقابل «لا يريد الحزب أن تخرج القوات الدولية، وبالتالي يفقد ورقة ابتزاز ثمينة بين يديه»، متسائلاً: «إذا غادرت القوات الدولية، فما هي السيناريوهات؟ هل سيزيد الحزب عسكرة المنطقة التي عسكرها منذ العام 2000؟»
على هذا التساؤل يجيب العميد حمادة بأن هناك خطاً دولياً أحمر يتمثل في «إبقاء اليونيفيل»؛ حيث «تلتقي المصلحة الإسرائيلية بأن تُعهد المنطقة إلى القوة الدولية كونها ضرورة أمنية لإسرائيل، مع مصلحة إيرانية بأن تبقى القوات الدولية كورقة يجري لعبها والتفاوض على أساسها». أما عن موقف (حزب الله)، فيرى حمادة أنه «يريد الإبقاء على القوات الدولية والقرار 1701 كي يتفرغ في المقابل للداخل اللبناني، ويدفع إلى تنفيذ القرار بالنكهة الإيرانية وبما يتناسب معها، بمعنى إفراغ القرار الدولي من مضمونه وتنفيذه بما يتناسب مع أهوائه».

- مهام أمنية وإنسانية
يمنح قرار مجلس الأمن 1701 المؤرخ في 11 أغسطس 2006 قوات «اليونيفيل» مهام «رصد وقف الأعمال العدائية»، و«مرافقة ودعم القوات المسلحة اللبنانية خلال انتشارها في جميع أنحاء جنوب لبنان، بما في ذلك على طول الخط الأزرق، بينما تسحب إسرائيل قواتها المسلحة من لبنان».
كذلك، يمنح القرار هذه القوات المهام التالي...
- تنسيق الأنشطة المشار إليها في الفقرة السابقة (أعلاه) مع حكومة لبنان وحكومة إسرائيل.
- ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين والعودة الطوعية والآمنة للنازحين.
- مساعدة القوات المسلحة اللبنانية في اتخاذ خطوات ترمي إلى إنشاء منطقة، بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، خالية من أي عناصر مسلّحة، أو موجودات وأسلحة غير تلك التابعة لحكومة لبنان وقوة اليونيفيل المنتشرة في هذه المنطقة.
- مساعدة حكومة لبنان، بناء على طلبها، في تأمين حدودها ونقاط الدخول لمنع دخول الأسلحة أو الأعتدة ذات الصلة إلى لبنان من دون موافقة الحكومة.
وتظهر سجلات البعثة الدولية أنه خلال العام 2021، نفّذ عناصر «اليونيفيل» أكثر من 180 ألف نشاط عملياتي، وأكثر من 400 مشروع، كما قدّمت اليونيفيل الدعم للجيش اللبناني «الذي يعتبر الأساس للوصول إلى هدفنا في توفير سلام مستدام في جنوب لبنان».



انتخابات تونس: ماراثون سياسي... وتصعيد بين السلطات ومعارضيها

زهير المغزاوي (مواقع التواصل الاجتماعي)
زهير المغزاوي (مواقع التواصل الاجتماعي)
TT

انتخابات تونس: ماراثون سياسي... وتصعيد بين السلطات ومعارضيها

زهير المغزاوي (مواقع التواصل الاجتماعي)
زهير المغزاوي (مواقع التواصل الاجتماعي)

خلافاً للانتخابات الرئاسية التونسية السابقة، التي تنافس في دورتها الأولى قبل خمس سنوات 26 شخصية وأسفرت في دورتها الثانية عن فوز قيس سعيّد، لا تتضمن قائمة المرشحين الرسميين هذه المرة إلا ثلاثة أسماء، هم: الرئيس الحالي سعيّد والبرلمانيان السابقان زهير المغزاوي (الأمين العام لحزب الشعب) «العروبي الناصري» (59 سنة) ورجل الأعمال المهندس الليبرالي العياشي زمال (47 سنة). وعلى غرار ما سجل في انتخابات 2019، التي شارك رجل الأعمال نبيل القروي في دورها الأول وهو في السجن، يستمر إيقاف العياشي زمال المرشح «المعتمد رسمياً» الذي أصدرت محاكم عديدة ضده أحكاماً بالسجن بتهمة «تزييف تزكيات الناخبين».

في هذه الأثناء، أكّد القاضي فاروق بوعسكر، رئيس «الهيئة العليا للانتخابات» ومحمد التليلي المنصري الناطق الرسمي باسمها، أن اسم زمال سيظل مُدرجاً في قوائم المرشحين وسيعرض على الـ9 ملايين و700 ألف ناخب المرسّمين في القوائم الرسمية. وما يجدر ذكره هنا أن «الهيئة» كانت قد أسقطت رسمياً 3 مرشحين بارزين أعادتهم «الجلسة العامة للمحكمة الإدارية» للسباق، هم على التوالي: المنذر الزنادي، وزير التجارة والسياحة والنقل والصحة في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وعبد اللطيف المكي، وزير الصحة لفترتين في العشرية الماضية، وعماد الدايمي، الوزير والبرلماني السابق ما بين 2011 و2019.

معارك قانونية وسياسية

بعد اختلاط الأمور و«الأجندات»، تباينت التقييمات داخل النخب والأوساط الدبلوماسية والسياسية في تونس للعملية الانتخابية الحالية، التي أعلن رسمياً أنها انطلقت يوم 14 يوليو (تموز) الماضي.

فقد انتقد قياديون في «الاتحاد العام التونسي للشغل» بينهم أمينه العام نور الدين الطبوبي، وفي «منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان» بينهم رئيسها المحامي سامي الطريفي، «المناخ السياسي والإعلامي والحقوقي في البلاد»، واعتبروا أنه «غير ملائم لتنظيم انتخابات تعدّدية نزيهة وفق المقاييس الدولية»، خلافاً لمناخ انتخابات 2014 و2019. ولفت سامي الطاهري، الناطق الرسمي باسم «الاتحاد العام التونسي للشغل» - الذي يعدّ أكبر قوة نقابية وسياسية في تونس - خصوصاً إلى «الأجواء التي تجري فيها العملية الانتخابية»، وذلك إثر استبعاد عشرات من زعماء المعارضة والنشطاء المستقلين بسبب إيقافهم وفتح قضايا أمنية عدلية ضدهم بتهم خطيرة، بينها «التآمر على أمن الدولة» و«الفساد».

كذلك، لوّحت بلاغات رسمية باسم اتحاد النقابات بـ«سيناريو» تنظيم إضراب عام في البلاد للضغط على السلطات.

قضايا التآمر على أمن الدولة

في سياق متصل، كشف المحامي والأكاديمي اليساري والوزير السابق عبد الوهاب معطر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عن أن نحو 15 قضية «تآمر على أمن الدولة» فُتحت ضد شخصيات سياسية محسوبة على المعارضة، بعضها كان معنياً بالترشح للانتخابات.

في الوقت نفسه، قال المحامي عبد الرؤوف العيادي، زعيم حزب «وفاء»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن الإيقافات والتحقيقات شملت خلال الأشهر الماضية عشرات من أبرز السياسيين وحرمتهم من فرصة الترشح، وعدّد بين هؤلاء: القيادي في «جبهة الخلاص» المعارضة جوهر بن مبارك، والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي الوزير غازي الشواشي، والمدير التنفيذي لحزب «أمل» ومدير مكتب رئاسة الجمهورية سابقاً الوزير رضا بالحاج، إلى جانب عدد من القياديين في أحزاب «حركة النهضة» (إسلامي محافظ) و«قلب تونس» (ليبرالي) وائتلاف «الكرامة» (محافظ) وحزب «حراك تونس – الإرادة» (الذي يتزعمه الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي) وحزب المؤتمر (الذي يتزعمه المحامي والوزير السابق سمير بن عمر).

أيضاً، انتقد حسام الحامي منسّق «ائتلاف صمود»، وهو تكتل للمعارضين اليساريين، رفض ترشّحات 14 شخصية سياسية وأكاديمية ممّن قدّموا رسمياً ملفاتهم للهيئة العليا للانتخابات، وجرى استبعادهم لأسباب «إجرائية» عدة، بينها عدم تقديم نسخة من بطاقة السوابق العدلية أو وثائق تثبت أنه وقع تزكيتهم من قبل 10 آلاف ناخب أو من قِبل 10 أعضاء في البرلمان.

وفي سياق متصل، كان بين المستبعدين لهذه الأسباب رئيس جمعية القضاة الشبان مراد المسعودي، والإعلامي والسياسي المخضرم الصافي سعيد والوزير السابق للتعليم المثير للجدل والناشط اليساري ناجي جلول.

أما المحامية عبير موسي، زعيمة الحزب الدستوري الحرّ، فقد استُبعدت بسبب تعرضها للإيقاف منذ سنة، إثر تحركات شاركت فيها رفقة عشرات من كوادر حزبها، واتهمت السلطات منظميها بـ«تهديد الأمن العام».

هذا، ولم تسفر المظاهرات التي نظمها أخيراً آلاف من أنصار هذا الحزب ومن ممثلي «الشبكة التونسية للحقوق والحرّيات» - التي تضم عشرات المنظمات والشخصية المستقلة والحزبية - عن الإفراج عن غالبية الموقوفين في قضايا ذات صبغة سياسية.

كذلك فشلت ضغوط المعارضة في تغيير شروط الترشح للانتخابات، بل العكس هو الذي حصل، على حد تعبير المحامية والناشطة السياسية اليسارية دلية مصدق بن مبارك والحقوقي شاكر الحوكي والأكاديمية والناشطة النسوية اليسارية سناء بن عاشور.

معارك قضائية وسياسية

من جهة ثانية، في سياق التسارع الكبير للأحداث، فجّر السباق نحو قصر الرئاسة هذا العام سلسلة معقّدة من المعارك القانونية والقضائية والسياسية داخل البلاد، وفي أوساط الجالية التونسية في الخارج، التي تقدر بنحو مليونين، أي خُمس المواطنين.

ومن أبرز أسباب هذه المعارك، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية شاكر الحوكي، رفض «الهيئة العليا للانتخابات» تنفيذ قرار «نهائي وغير قابل للطعن» أصدرته الجلسة العامة للمحكمة الإدارية التي تضم 27 قاضياً من «أعلى رتبة» بينهم الرئيس الأول للمحكمة. ولقد نصّ هذا القرار على «قانونية ترشح الوزراء الثلاثة السابقين منذر الزنايدي وعبد اللطيف المكي وعماد الدايمي بعد قبول طعنهم في قرار إقصائهم» من قِبل ممثلي السلطة الانتخابية برئاسة القاضي فاروق بوعسكر.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الانخراط في هذه المعركة عبر الانحياز لموقف المحكمة الإدارية و«علوية قراراتها» شمل عشرات من أساتذة القانون والعلوم السياسية وعمداء الكليات وقادة «الاتحاد العام التونسي للشغل» وهيئات نقابات المحامين والقضاة والصحافيين ومنظمات حقوقية عديدة.

وفي الإطار عينه، رفع عدد من الحقوقيين بينهم القاضي السابق والمحامي أحمد صواب والإعلامي والناشط السياسي زياد الهاني قضايا عدلية أمام محكمة تونسية ضد «الهيئة العليا للانتخابات»، وشكّك صواب والهاني في استقلالية رئاسة «الهيئة» وحياديتها، طالباً من القضاء استصدار قرار ينص على «إلزامية تنفيذ قرار الجلسة العامة للمحكمة الإدارية وقضاتها الـ27» حيال الزنايدي والدايمي والمكي.

واعتبر صواب في تصريح لـ«لشرق الأوسط» أن «المحكمة الإدارية» أعلى سلطة في النزاعات الانتخابية في ظل غياب «المحكمة الدستورية»، وهي المكلفة البت في الخلافات بين المرشحين للانتخابات وسلطات الإشراف وبينها «الهيئة العليا للانتخابات». أما الهاني، فقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الرئيس الأول للمحكمة الإدارية عبد السلام قريصيعة وأعضاء المحكمة الـ27 مطالبون قانوناً بضمان توسيع قائمة المرشحين، وإن لزم الأمر عبر مراجعة روزنامة الانتخابات، أي تأجيل موعد الاقتراع العام».

ناخبة تونسية داخل مركز اقتراع (آ ف ب)

اتهامات... ومحاكمات

في هذه الأثناء، شنّ برلمانيون مقرّبون من السلطات ومن فريق الحملة الانتخابية للرئيس قيس سعيّد حملة إعلامية ضد المعارضين الذين تحرّكوا في الكواليس ونظموا مظاهرات في الشوارع للمطالبة بتوسيع قائمة المرشحين في الانتخابات لتشمل «وزراء وشخصيات من المتهمين بالتآمر على أمن الدولة».

واتّهم هؤلاء، وبينهم البرلمانية سيرين مرابط والناشط السياسي اليساري السابق رياض جراد، بعض معارضي الرئيس سعيّد بالخيانة الوطنية و«محاولة توظيف أجواء العملية الانتخابية الحالية لتمرير مخطّطات وصاية أجنبية على البلاد، بالتعاون مع عدد من نشطاء الجمعيات والأحزاب التي تحصل على تمويلات أجنبية قدّرت قيمتها بمئات مليارات من المليمات».

كذلك، قدّم 34 نائباً من أعضاء مجلس النواب مشروع تعديل «استعجالي» للقانون الانتخابي الصادر عام 2014؛ بهدف إحالة مهمة البت في «النزاعات الانتخابية» إلى المحاكم العدلية العادية لا المحكمة الإدارية، التي لا تخضع إدارياً إلى سلطة وزارة العدل ورئاسة النيابة العمومية وتتمتع باستقلالية نسبية.

من جانبه، نشر الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية تصريحات عديدة للرئيس سعيّد شكّك فيها في «وطنية» عدد من المعارضين، واتهمهم «بالحصول على تمويلات أجنبية ضخمة وبالانخراط ضمن» مؤامرة «تستهدف أمن البلاد واستقرارها».

وشكك البلاغ الانتخابي لسعيّد في صدقية منظمي التحركات الاحتجاجية على المسار الانتخابي والسياسي الحالي في الشارع وفي وسائل الإعلام المحلية والأجنبية. واتهم البلاغ هؤلاء المعارضين وبعض المرشحين «الافتراضيين» للرئاسة بـ«التبعية للخارج» وأنصارهم بكونهم «تحالف الأضداد». وأورد سعيّد على هامش اجتماعات عقدها مع وزيري الداخلية خالد النوري والعدل ليلى جفّال أن السلطات سمحت للمعارضين بتنظيم مسيرات رفعوا خلالها شعاراتهم بكل حرية «حمتها قوات الأمن»، على الرغم من كونها جمعت «خصوم الأمس» و«الأفرقاء».

فوز متوقع في انتخابات الغد للرئيس قيس سعيّد (أ ف ب/غيتي)

بدء العد التنازلي؟

وإذ ترجّح موازين القوى السياسية الحالية في تونس فوز الرئيس سعيّد بعهدة ثانية تمتد إلى 2029، تشهد كواليس السياسيين صراعاً بين تيارين كبيرين:

الأول يدعو إلى المقاطعة، وهو يضم القيادي المعارض أحمد نجيب الشابي وساسة بارزين حثّوا على مقاطعة الانتخابات، والتأهب لمعارك سياسية وإعلامية جديدة توقعوا أن تكون لصالح المعارضين، وتبدأ بعد «محطة» 6 أكتوبر التي يتوقعون أن تكون نسبة المشاركة فيها ضعيفة جداً على غرار انتخابات العامين الماضيين.

أما الآخر فيدعو إلى المشاركة بكثافة، وبين شخصياته ساسة وحقوقيون قريبون من جبهة الخلاص المعارضة، كالمحامية اليسارية دليلة مصدق بن مبارك، والحقوقية شيماء عيسى والزعيم اليساري السابق الوزير محمد عبو.