قاسم توكاييف... من «رئيس في الظل» إلى صاحب القبضة الأقوى في كازاخستان

دبلوماسي هادئ برزت «أنيابه» في وجه الاحتجاجات

قاسم توكاييف... من «رئيس في الظل» إلى صاحب القبضة الأقوى في كازاخستان
TT

قاسم توكاييف... من «رئيس في الظل» إلى صاحب القبضة الأقوى في كازاخستان

قاسم توكاييف... من «رئيس في الظل» إلى صاحب القبضة الأقوى في كازاخستان

يسخر الساسة أحياناً، من الأسئلة الافتراضية التي تبدأ بعبارة «ماذا لو»؟ لكن السؤال ما كان ليبدو غريباً، إذا طرح حول الرئيس الكازاخي قاسم جومرد توكاييف، الذي تعرّف عليه العالم «فجأة» أثناء الاحتجاجات الدامية التي شهدتها بلاده في الأيام العشرة الأولى من العام الجديد.
ماذا لو لم تنفجر كازاخستان بشكل مفاجئ في بداية العام؟ يبدو الجواب بسيطاً ومباشراً: ما كان قدّر للرئيس الذي ظل منذ توليه السلطة في ربيع العام 2019 متوارياً خلف «الأب المؤسس» والقائد الفعلي للبلاد، نور سلطان نظرباييف.
يبدو توكاييف المنتصر الأول في معركة دامية لم يلعب دوراً في إطلاقها، لكنه نجح في توظيفها لصالحه سريعاً. ليتحرر من قيود سلفه، ويطلق العنان لسياساته الخاصة.

تحول قاسم جومرد توكاييف، الدبلوماسي المخضرم المعروف بهدوئه الشديد، إلى زعيم فولاذي برزت أنيابه بقوة، وهو يأمر بفتح النار من دون إنذار مسبق على المحتجين الذين وصفهم بأنهم «قطاع طرق». بيد أنه في الوقت ذاته، أدار بمهارة نتائج المواجهة بعدما استتب الأمن وسيطر على الأوضاع، حتى بدا وكأنه يتحرك استجابة لـ«إرادة الجماهير».

- صعود سياسي سريع
ولد قاسم جومرد توكاييف في العام 1953 وفي فمه ملعقة من ذهب كما يقال. فهو ابن كمال توكاييف، الكاتب الكازاخي المعروف، وأحد أبطال بلاده في الحرب العالمية، الذي أمضى سنوات عمره متنقلاً في دوائر السلطة السوفياتية وختمها عضواً في هيئة رئاسة مجلس السوفيات الأعلى لكازاخستان السوفياتية (البرلمان). ويعني هذا بمعايير ذلك العهد، أنه كان قيادياً في الحزب الشيوعي وحصل طوال حياته على امتيازات واسعة جداً.
كذلك، كانت والدته تورار شاباربايفا، أيضاً من «أبطال العمل» وفقاً للمفهوم الذي كان سائداً، وعملت لسنوات طويلة في معهد ألما آتا (ألماتي) للغات الأجنبية.
لذا؛ لم يكن صعباً أن ينطلق توكاييف الابن إلى موسكو فور تخرّجه في المدرسة، وهناك قبل في «معهد العلاقات الدولية» المرموق التابع للخارجية السوفياتية في ذلك الوقت. ومن هنا وضع الشاب، الذي سيقضي كل سنوات حياته اللاحقة في دهاليز السياسة، أقدامه على طريق النجاح. لكن «الواسطة» لم تعلب الدور الأساسي في مسيرته الناجحة؛ إذ قاد تفوقه في الدراسة إلى إرساله سريعاً في بعثة إلى بكين وهو ما زال في سنة دراسته الخامسة، وفي الصين حصل كمتدرب في سفارة الاتحاد السوفياتي على أول خبرات عملية مهدت طريقه سريعاً إلى قمة النجاح.
ثم في عام 1975، التحق توكاييف بوزارة الشؤون الخارجية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية وأُرسل للعمل في السفارة السوفياتية في سنغافورة. ثم عاد بعد أربع سنوات موظفاً في الخارجية حتى اواسط ثمانينات القرن الماضي. وعندما كان الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف يطلق سياسة «الانفتاح والتغييرات الواسعة» في البلاد، كان توكاييف قد بدأ يترقّى سريعاً في المناصب في سفارة بلاده لدى بكين حتى غدا مع حلول العام 1991 مستشاراً برتبة سفير. وهناك راقب من بُعد انهيار البلد الذي يمثله. ليعود في العام التالي على الانهيار. ولكن ليس إلى موسكو هذه المرة، بل إلى الدولة الفتية في كازاخستان، التي سرعان ما عيّن فيها في العام 1992 نائباً لوزير الخارجية.
غدا توكاييف، منذ تلك اللحظة، جزءاً من النخبة السياسية الأولى في البلاد، وفي عام 1993 أصبح النائب الأول لوزير الخارجية، ليتقلد الوزارة في العام التالي. وبقي في منصبه حتى ربيع 1999، عندما حصل على ترقية جديدة غدا معها نائباً لرئيس الوزراء، وهي خطوة مهدت لتعيينه في خريف العام ذاته رئيساً للحكومة.
إلا أن الدبلوماسي المحترف لم يتمكّن من الصمود في منصب يحمله مسؤولية الأحوال المعيشية والاقتصادية للبلاد، فقدم استقالته في بداية 2002، ليستعيد حقيبة وزارة الخارجية التي ترضيه وتجنبه مواجهة السياسات الداخلية.
العام 2007 شكّل لتوكاييف بداية الانتقال الواسع إلى رأس هرم السلطة. ففيه عيّن رئيساً لمجلس الشيوخ في البرلمان، وهو شغله لسنوات قبل أن يجد «زعيم الأمة» نور سلطان نظرباييف نفسه مضطراً إلى مغادرة مقعد الرئاسة في 2019، ويومها لم يجد أفضل من الرجل الذي حاز ثقته طوال سنوات لينقله إلى سدة الرئاسة في إطار صفقة ضمنت لنظرباييف أن يبقي مفاتيح القرار السياسي والاقتصادي في يديه إلى الأبد.

- «رجل السلام» ونزع السلاح النووي
بصفته وزيراً للخارجية لسنوات طويلة، لعب توكاييف دوراً نشطاً في مجال حظر انتشار الأسلحة النووية. وكانت له بصمات أساسية في التوقيع عام 1996، على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. لكنه احتاج إلى عشر سنوات أخرى تقريباً ليوقع على معاهدة مهمة تتعلق بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في آسيا الوسطى.
في المقابل، نجح كوزير للخارجية إلى تحويل بلاده إلى منصة لإطلاق مبادرات مهمة بينها ـ في العام 2003 - مبادرة تهدف إلى دعم البلدان النامية غير الساحلية. وقاد مؤتمراً نظّم في ألماتي أسفر عن وضع خريطة طريق لتعزيز هذا المسار.
ولم يهمل الدبلوماسي المخضرم الجانب الأكاديمي في مسيرته، بل تعمد أن يدافع في العام 2001 عن رسالة الدكتوراه في المعهد الدبلوماسي الروسي نفسه، حيث ذات يوم. وحملت رسالته مضموناً يعكس اهتماماته كوزير للخارجية، فقد وضع تصوراته فيها حول «السياسة الخارجية لجمهورية كازاخستان أثناء تشكيل النظام الدولي الجديد». وكان من الطبيعي للدبلوماسي المحترف ألا يقتصر نشاطه على بلاده. وفي عام 2008 انتُخب نائباً لرئيس الجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا كرئيس لمجلس الشيوخ في برلمان كازاخستان.
ثم، بعد ثلاث سنوات، عيّنه الأمين العام للأمم المتحدة نائباً له، وغدا المدير العام لمكتب الأمم المتحدة في جنيف، والممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في مؤتمر نزع السلاح. وهو منصب حافظ عليه لسنتين قبل أن يعود إلى مقعد رئاسة مجلس الشيوخ في بلاده.

- رئيس في الظل خلف «زعيم الأمة»
مع حلول ربيع العام 2019 كان نظرباييف، الرئيس «التاريخي» لكازاخستان، أمام استحقاق تجديد الولاية أو البحث عن مخرج يمكّنه من المحافظة على مفاتيح القرار في البلاد. وهنا اختار سيناريو «الخليفة الموثوق» وأعلن للشعب أنه يرشح للرئاسة «الرجل المناسب لهذا المنصب».
قال نظرباييف في حينها، في خطاب للشعب «لقد عمل بجواري منذ الأيام الأولى لاستقلال كازاخستان. أنا أعرفه جيداً. إنه شخص أمين ومسؤول. يدعم النهج الذي سارت عليه البلاد بالكامل داخلياً وخارجياً، لقد تم تطوير جميع البرامج واعتمادها بمشاركته. أعتقد أن توكاييف هو الشخص المناسب الذي يمكننا أن نعهد إليه بإدارة كازاخستان».
هكذا رُسمت ملامح انتقال السلطة: توكاييف إلى مقعد الرئاسة. ونظرباييف إلى مقعد أعلى قليلاً. إذ نصّت «الصفقة» على أن يتولى الزعيم التاريخي منصب رئيس مجلس الأمن القومي، وأن يبقى المشرف الأعلى على سياسات البلاد. وكان لافتاً لاحقاً، أنه أثناء جلسات البرلمان، كان رئيس البلاد يجلس إلى جانب رئيس المجلس أمام الأعضاء، بينما أعدت مقصورة خاصة، تعمد مهندسوها أن تكون مرتفعة ليجلس فيها نظرباييف.
أيضاً، كانت إحدى أولى خطوات توكاييف في رئاسة الجمهورية إعادة تسمية العاصمة آستانة لتغدو «نور سلطان» تكريماً للرئيس السابق، وجرى دعم الاقتراح من قبل برلمان كازاخستان بالإجماع. وصدر المرسوم الرئاسي رقم واحد بمنح نظرباييف أعلى تقدير حكومي هو «النجمة الذهبية».
لكن خلف هذه المظاهر اللافتة، تبلور العنصر الأهم في آلية إدارة كازاخستان. وكان واضحاً أن نظرباييف انتقل من مقعد الرئاسي إلى مقعد «المرشد العام» للجمهورية بصفته الرمزية التاريخية وبسبب أنه يُحكم السيطرة مع أفراد عائلته وعدد من المقربين إليه، على كل مقاليد الاقتصاد والسياسة في البلاد.
لذا؛ عندما وقعت الأحداث الدامية في بداية 2022 تحدث كثيرون من الخبراء الكازاخيين عن استفحال مشكلة ازدواجية السلطة، وكيف أن توكاييف فشل في تمرير ولو جزءاً من سياسات إصلاحية وعد بها خلال الحملة الانتخابية الرئاسية. وبالتالي، كانت النتيجة أن التحركات الاحتجاجية سرعان ما رفعت شعارات تطالب بـ«رحيل الختيار» وهو التعبير الذي تطلقه الأوساط الشعبية على نظرباييف.
المثير أن كل أصدقاء كازاخستان وحلفائها الخارجيين كانوا يتعاملون مع واقع إدارة الأمور في البلاد، وهو أمر كان واضحاً في طريقة تعامل الكرملين مع توكاييف ومع نظرباييف. ولم يشفع للرئيس الجديد في كازاخستان أنه تعمد أن تكون موسكو وجهته في أول زيارة خارجية بعد توليه المنصب.
لم تقنع هذه الحركة الدبلوماسية الرئيس فلاديمير بوتين الذي فضّل أن يواصل خلال السنوات الثلاث اللاحقة، التعامل مع الشخص الحقيقي الذي يدير أمور كازاخستان. وهذا الأمر ظهر بوضوح قبل أسابيع قليلة من الاحتجاجات التي غيرت كل المعادلات. فخلال اجتماع لرؤساء «رابطة الدول المستقلة» عقد في بطرسبرغ في 28 ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، جاء من كازاخستان رئيسان لحضور القمة. وكان لافتاً أن بوتين أجرى جولة مباحثات مع نظرباييف، على هامش أعمال القمة، في حين اكتفى بإعلان أنه «سيلتقي قريباً توكاييف في زيارة رسمية إلى موسكو». وتعكس هذه الحادثة، طبيعة توازن القوى واليات تعامل «الحلفاء» مع كازاخستان عشية الاحتجاجات التي اندلعت بعد أقل من أسبوع على هذه الواقعة.

- نهاية عهد نظرباييف
احتاج توكاييف إلى ثلاثة أيام لتقييم الموقف بعد اندلاع الاحتجاجات الواسعة في كازاخستان، قدم خلالها بعض التنازلات للمحتجين الذي نزلوا إلى الشوارع بمطالب اقتصادية تتعلق بتحرير أسعار الغاز المسال المستخدم كوقود للسيارات؛ ما أسفر عن رفع سعره بمعدل الضعفين. وسرعان ما اتخذت المطالب منحى سياسياً، من خلال رفع شعارات تدعو إلى إنهاء «نفوذ الختيار» وقام محتجون بتلطيخ تماثيل «زعيم الأمة» المنتشرة في البلاد.
لقد استخدم توكاييف العنف الذي استخدمه متظاهرون قاموا بإحراق مبانٍ حكومية وسيطروا على منشآت حيوية، بينها مطار ألماتي والقصر الرئاسي في هذه المدينة التي تعد العاصمة التاريخية للبلاد ليطلق سياسة متشددة في الخامس من يناير (كانون الثاني). إذ أعلن أن البلاد تواجه حملة إرهابية منظمة، وأمر الوحدات الأمنية باستخدام القوة المفرطة لتفريق الاحتجاجات، بما في ذلك عن طريق إطلاق النار من دون إنذار مسبق.
يومها بدا واضحاً أن السلطات مستعدة لدخول حرب شاملة لمنع الاستيلاء على السلطة. وسرعان ما نجح الرد القوي للسلطات في قمع الاحتجاجات وتقويض فرص اتساعها لتشمل مناطق أخرى بينها العاصمة «نور سلطان»، مع أن غالبية المدن شهدت عملياً تحركات تضامنية مع المحتجين تراوحت في حجمها وأدواتها.
ولكن في العاشر من يناير نجحت السلطات بإخماد التحرك نهائياً، وبات توكاييف يقف أمام استحقاق الاستخلاصات الرئيسية، وآلية إدارة الوضع في مرحلة ما بعد الأزمة. وسرعان ما اتضح أن النتيجة الأساسية للأزمة تمثلت في انتهاء حقبة الازدواجية في السلطة، وطي صفحة نظرباييف نهائياً. إذ حمل قرار إقالة الرئيس التاريخي للبلاد الذي كان يوصف بأنه أحد الرموز الخالدة لكازاخستان المعاصرة من منصب «رئيس مجلس الأمن القومي» دلالة خاصة.
ودلت الخطوات اللاحقة من خلال إقالة كل أفراد عائلة الرئيس السابق من مناصبهم المهمة، أن المرحلة المقبلة ستشهد سحباً تدريجياً لصلاحياته نظرباييف، وامتيازاته مع أفراد عائلته. وهذا سيكون له تأثير مهم على الوضع الداخلي، في إطار إعادة توزيع صلاحيات وقدرات الشخصية الأقوى في البلاد، على طائفة جديدة من أصحاب القرار. وبدا أن الرئيس توكاييف نجح في استغلال الأزمة لصالحه في هذا المسار بعدما فشل في فرض رؤاه في القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بسبب ازدواجية السلطة.
طبعاً، من المبكر الحكم كيف ستكون الأمور بعد إنهاء نفوذ العهد السابق وتأثيرات ذلك على الحياة الاقتصادية والسياسية؛ لأن كثيرين من النخب الحالية ما زالوا يدينون بالولاء للرئيس السابق ما يزيد من صعوبة مهمة توكاييف. وهذا، مع أن توكاييف يبدو حالياً الكاسب الأكبر من التطورات، بعدما نجح في استغلال المزاج الشعبي لتعزيز قبضته بشكل قوي، تجعله قادراً على إدارة البلاد وفقاً لسياساته الخاصة للمرة الأولى منذ توليه الحكم.



ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.