100 ألف تونسي شاركوا في «استشارة إلكترونية» لإصلاح النظام السياسي

دعوة لحل البرلمان المجمّد واستنكار لعقد الغنوشي جلسة نيابية افتراضية

الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي خلال مؤتمر صحافي لأحزاب معارضة أول من أمس بمناسبة ذكرى 8 سنوات على اعتماد دستور البلاد وذكرى 6 أشهر على الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيد (إ.ب.أ)
الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي خلال مؤتمر صحافي لأحزاب معارضة أول من أمس بمناسبة ذكرى 8 سنوات على اعتماد دستور البلاد وذكرى 6 أشهر على الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيد (إ.ب.أ)
TT

100 ألف تونسي شاركوا في «استشارة إلكترونية» لإصلاح النظام السياسي

الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي خلال مؤتمر صحافي لأحزاب معارضة أول من أمس بمناسبة ذكرى 8 سنوات على اعتماد دستور البلاد وذكرى 6 أشهر على الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيد (إ.ب.أ)
الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي خلال مؤتمر صحافي لأحزاب معارضة أول من أمس بمناسبة ذكرى 8 سنوات على اعتماد دستور البلاد وذكرى 6 أشهر على الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيد (إ.ب.أ)

كشفت المعطيات المتعلقة بالاستشارة الإلكترونية التي طرحها الرئيس قيس سعيد على التونسيين لتغيير النظام السياسي وإصلاحه، أن عدد المشاركين فيها بعد نحو أسبوعين من فتحها أمام العموم تجاوز 100 ألف شخص بقليل، وهو ما يعني أن المشاركة تمثّل قرابة 1.4 في المائة من الناخبين المسجلين في قوائم الانتخاب الرسمية.
وتوضح المعلومات الرسمية أن نسبة الذين دخلوا منصة الاستشارة الإلكترونية، ممن تقل أعمارهم عن 20 سنة، لم تتجاوز 0.7 في المائة من إجمالي المشاركين، لكن النسبة ترتفع إلى 17.8 في المائة لمن تتراوح أعمارهم بين 20 و30 سنة.
وستتواصل هذه الاستشارة إلى غاية يوم 20 مارس (آذار) المقبل، على أن يتم تنظيم استفتاء يشارك فيه التونسيون حول مجموع القضايا المطروحة في الاستشارة، وذلك يوم 25 يوليو (تموز) المقبل.
وكان الرئيس قيس سعيد قد أشاد بسير هذه الاستشارة الإلكترونية، وقال، خلال مجلس الوزراء، أول من أمس، إن 82 في المائة من المشاركين حتى الآن يدعمون النظام الرئاسي، و81 في المائة يدعمون فكرة سحب الثقة من نواب البرلمان، و82 في المائة يؤيدون الإصلاحات السياسية، و89 في المائة من المشاركين ليست لديهم ثقة في القضاء. وتصب هذه الملاحظات، كما يبدو، في مصلحة المشروع السياسي للرئيس سعيد. لكن أطرافاً سياسية تقول إنه سيكون من الخطأ أن ينطلق رئيس الجمهورية في اعتماد إصلاحات بناء على نتائج هذه الاستشارة الإلكترونية، في ضوء ضعف المشاركة فيها. كما يخشى معارضون للرئيس التونسي أن تشكّل هذه الاستشارة منطلقاً لإضفاء مشروعية سياسية على برنامجه الانتخابي، دون العودة إلى بقية الأطراف السياسية والاجتماعية وإشراكها في رسم مستقبل تونس السياسي والاجتماعي والتنموي.
وفي هذا الإطار، قال الأمين العام للحزب الجمهوري المعارض، عصام الشابي، إن نتائج «الاستشارة/ الاستفتاء» التي أعلنها الرئيس سعيّد «لم تكن تقنع إلا مروجيها». وأضاف في منشور على صفحة حزبه بموقع «فيسبوك» أمس: «في حدود الـ90 في المائة هي نسبة المؤيدين للنظام الرئاسي وللتصويت على الأفراد، الذين ليست لهم ثقة في السلطة القضائية، أي المؤيدين لخيارات الرئيس».
وكان الرئيس سعيد قد دافع، خلال جلسة مجلس الوزراء، عن التدابير الاستثنائية التي أقرها في الصيف الماضي، بعد تجميد الدستور وتعليق عمل البرلمان وتغيير الحكومة، قائلاً إنها «ترمي إلى المرور إلى مرحلة المؤسسات المستقرة والمستمرة التي تُعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب التونسي، وتوفّر له أسباب العيش الكريم في دولة حرة ذات سيادة».
وأشار إلى أن القضاء مسؤولية ثقيلة، مؤكداً أن لا أحد فوق القانون، وأن الفصل الحقيقي هو «بين الحق والباطل»، وليس بين السلطات.
على صعيد آخر، قوبلت الجلسة النيابية الافتراضية التي عقدها راشد الغنوشي رئيس البرلمان رئيس «حركة النهضة»، بردود فعل متباينة، علماً بأنها تأتي بعد نحو ستة أشهر من تعليق عمل البرلمان. فقد اعتبرتها «حركة الشعب»، المؤيدة لخيارات الرئيس التونسي، «سلوكاً استفزازياً ومغالطة الرأي العام الداخلي والخارجي»، مشيرة إلى أن ذلك يأتي في إطار محاولة الغنوشي ومناصريه في «النهضة» للعودة إلى الحكم «بعدما أقصاهم الشعب يوم 25 يوليو (تموز) الماضي»، في إشارة إلى الإجراءات التي أعلنها رئيس الجمهورية في ذلك التاريخ.
واعتبرت «حركة الشعب» التي لم يشارك نوابها (14 نائباً) في الجلسة النيابية، أن البرلمان معلّقة أعماله منذ 25 يوليو الماضي وأصبح «فاقداً للصفة»، ولا يحق قانونياً وسياسياً عقد أي جلسة له مباشرة أو عن بُعد، وبالتالي فإن خطوة الغنوشي تمثّل خرقاً للقانون وتوجب تتبعات قضائية ومحاسبة، لما لذلك من أثر على الحياة العامة و«ضرب للقواعد المنظمة للمجتمع والدولة». وأكدت أن «التباطؤ» في حسم العديد من القضايا كان وما زال يمثل مشاغل ومطالب كل الأطراف التي وقفت في صف 25 يوليو، مضيفة أن هذا التباطؤ «أعطى الفرصة لهؤلاء لمحاولة العودة للمشهد السياسي، من خلال المراهنة على الخارج وعلى محاولة إرباك الوضع الداخلي عن طريق الإشاعات والأكاذيب وتوظيف القنوات والصفحات المشبوهة».
في المقابل، دعا طارق الفتيتي، نائب رئيس البرلمان التونسي، إلى حل هذه المؤسسة الدستورية، قائلاً إن من حق الغنوشي أن يعقد جلسة عامة، لكنه لم يحترم الإجراءات. وأضاف أنه لم يتلقَّ دعوة للحضور، كما أنه لا يريد أن يكون طرفاً في تسجيل نقاط سياسية أو استفزازات، على حد قوله. وعبّر الفتيتي عن استيائه من مواصلة بعض الأطراف «تسجيل نقاط سياسية على حساب بعضها البعض»، قائلاً إن الشعب التونسي جائع، وهو لن يأكل الدستور.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.