مصر: حضور ميداني وافتراضي واسع لفعاليات «القاهرة للكتاب»

«هولوغرام » يحيى حقي يخطف الأنظار في أول أيام المعرض

إقبال لافت على فعاليات الدورة الـ53 من معرض القاهرة للكتاب (إ.ب.أ)
إقبال لافت على فعاليات الدورة الـ53 من معرض القاهرة للكتاب (إ.ب.أ)
TT

مصر: حضور ميداني وافتراضي واسع لفعاليات «القاهرة للكتاب»

إقبال لافت على فعاليات الدورة الـ53 من معرض القاهرة للكتاب (إ.ب.أ)
إقبال لافت على فعاليات الدورة الـ53 من معرض القاهرة للكتاب (إ.ب.أ)

رغم موجة الصقيع غير المسبوقة التي تشهدها مصر حالياً، بجانب تزايد إصابات «كورونا»، فإن الدورة الـ53 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، تسجل إقبالا جماهيرياً واسعاً، إذ بلغ عدد زوار المعرض في يومه الأول نحو 91 ألف زائر.
وفي حين اجتذبت أجنحة المعرض المتنوعة آلاف الزوّار، كان العرض التفاعلي الخاص بالأديب المصري الراحل يحيى حقي (شخصية الدورة الحالية)، والذي يقدمه بتقنية الهولوغرام، لأول مرة، لافتاً بشدة، لاسيما بعد اجتذابه الأجيال الجديدة، وخلال العرض التفاعلي، يجيب الكاتب يحيى حقي عن 10 أسئلة من خلال الضغط على زر شاشة إلكترونية تضم أسئلة عن كتاباته، وما الذي يضحكه، وهل يوجد في مصر أدب فكاهة، وهل العامية لهجة أم لغة، وإلى أي جيل من الأجيال ينتمي، ولماذا استهوت الباحثين الغربيين رواية «قنديل أم هاشم»، وما الذي يضايقه عندما يذهب للدكتور.
كما حظيت المنصة الرقمية للمعرض، بإقبال واسع من الجمهور العربي والأجنبي، حيث بلغ عدد زوّارها في اليوم الأول نحو 44.5 مليون زائر من دول عدة بحسب إدارة «القاهرة للكتاب».
واختارت إدارة المعرض، الأديب الراحل يحيى حقي ليكون شخصية المعرض هذا العام، تقديراً لدوره الرائد في مسيرة الأدب المصري المعاصر، وأعماله التي تحولت لأيقونات بارزة في الأدب والسينما على حد سواء، كما اختير الكاتب الراحل عبد التواب يوسف، (أحد رواد أدب الأطفال في مصر والعالم العربي) ليكون الشخصية الثانية للمعرض في مجال الكتابة للأطفال والناشئة.
ويبلغ عدد مؤلفات يوسف، الذي أقام أول مؤتمر لثقافة الطفل عام 1970، 595 كتاباً للأطفال، تمت طباعتها في مصر؛ فضلاً عن 125 كتاباً آخر تمت طباعتها في البلاد العربية؛ و40 كتاباً للكبار، بجانب مؤلفات إسلامية حققت نسب توزيع كبيرة.
الدورة الـ53 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، تقام في مركز مصر للمؤتمرات والمعارض الدولية بالتجمع الخامس (شرق القاهرة) تحت شعار «هوية مصر... الثقافة وسؤال المستقبل» وتستمر حتى 7 فبراير (شباط) المقبل، بمشاركة 1063 ناشراً مصريا وعربيا وأجنبيا من 51 دولة، وتحل دولة اليونان ضيف شرف المعرض.
وتشهد الدورة الحالية حضوراً لافتاً للوسائل التكنولوجية الحديثة وتقنيات الذكاء الصناعي، إذ يتزامن ذلك مع إطلاق الهيئة المصرية العامة للكتاب مشروع «الكتاب الرقمي» الذي يبدأ بـ«موسوعة مصر القديمة» لعالم الآثار الراحل الدكتور سليم حسن، إلى جانب مجموعة من كتب الأطفال وسلسلتي «ما»، و«رؤية».
وجاء ترتيب الدول الأكثر زيارة للمنصة الرقمية للمعرض على التوالي، مصر، السعودية، الولايات المتحدة الأميركية، الإمارات، الكويت، إنجلترا، ألمانيا، قطر، الأردن، عمان. وبلغ عدد مشاهدات الكتب المشاركة في المعرض علي المنصة أكثر من 26.5 ألف مشاهدة، بحسب تصريحات الدكتور هيثم الحاج علي رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، أمس.
وأعاد مشهد ازدحام الجمهور على البوابات الرئيسية للمعرض، أمس، حالة الزخم التاريخية التي يشتهر بها المعرض، وتمثل إحدى علاماته المهمة، رغم موجة البرد التي تضرب البلاد وتزايد معدل إصابات «كوفيد - 19»، وهو ما اعتبرته الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة المصرية في تصريحات صحافية، أنه يعبر عن «الرغبة الجادة في تلقي المعرفة، ويعكس مشهداً براقاً للوعي المجتمعي المصري».
في السياق ذاته، شهدت أولى ندوات المعرض التفاعلية «يحيى حقي ناقداً ومؤرخاً للأدب»، والتي عقدت بالقاعة الرئيسية، مساء أول من أمس، إقبالاً واسعاً من الجمهور، وهو ما اعتبره الدكتور أحمد بهي الدين، نائب رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب: «تجسيداً لقيمة الأديب الكبير يحيى حقي، ودوره البارز في الحياة الثقافية بوجه عام، وهو ما ينبئ أيضا بأن تحظى بقية الفعاليات والندوات بإقبال جماهيري كبير».
ويعزي الدكتور شوكت المصري، رئيس اللجنة الثقافية المعرض، الإقبال الجماهيري الواسع في أول وثاني أيام المعرض، إلى رغبة الناس في عودة الحياة لطبيعتها، وممارسة حياتهم بشكل طبيعي قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «البعض يريد الذهاب إلى المعرض ليشعر أنه حي»، مشيراً إلى أن «استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة شكل عنصر إبهار جديدا»، متوقعاً أن تشهد الأيام المقبلة مزيداً من الإقبال.
وتعد دورة المعرض الحالية، فرصة جيدة للترويج للبرامج الاجتماعية والثقافية المصرية، ومنها برنامج «سفراء الوعي» الذي تتبناه وزارة التضامن الاجتماعي، ويهدف إلى تغيير السلوكيات المجتمعية السلبية المعوقة للتنمية البشرية والاقتصادية، وذلك من خلال إمداد المواطنين بالمعارف والمعلومات العلمية والقانونية والدينية الموثقة حول 12 قضية مجتمعية هي: التمكين الاقتصادي، والتعليم والمعرفة ومحو الأمية، وصحة الأم والطفل، والتربية الوالدية الإيجابية، والاكتشاف المبكر للإعاقة، والزيادة السكانية، وختان الإناث، وزواج الأطفال، والنظافة والصحة العامة، مكافحة المخدرات، والهجرة غير الشرعية، والمواطنة واحترام التنوع الديني والثقافي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».