الشعر تمجيد لجمال العالم المليء بالندوب

الشاعر البولندي آدم زاغايفسكي في ترجمة لهاتف الجنابي

الشعر تمجيد لجمال العالم المليء بالندوب
TT

الشعر تمجيد لجمال العالم المليء بالندوب

الشعر تمجيد لجمال العالم المليء بالندوب

أعترف بداية أنه لم يسبق لي أن قرأت للشاعر البولندي آدم زاغايفسكي أياً من أعماله الشعرية أو النثرية. بل إن هذا الاسم كان بالنسبة لي مجهولاً تماماً، قبل أن أقرأه منقولاً إلى العربية، في ترجمة لهاتف الجنابي، صدرت قبل أسابيع قليلة عن دار «روايات» في الشارقة. ولست أجافي الحقيقة في شيء إذا قلت إن في هذه الترجمة من السلاسة الأسلوبية والوضوح التعبيري، ما يجعلنا نشعر أن العربية لا البولندية هي اللغة الأصلية للنصوص. وإذا كنا لا نكاد نعثر فيما ألفناه من أعمال أجنبية منقولة إلى العربية، على هذا المستوى المتميز من الترجمات، فإن الأمر عائد في الأعمّ الأغلب إلى عدم تمرس المترجمين باللغتين، المنقول منها والمنقول إليها، أو بإحداهما على الأقل، فضلاً عن أن كثيراً من الترجمات تتم عبر لغة وسيطة ثالثة. ويمكن أن نضيف إلى هذين العاملين عاملاً آخر يتصل بجشع بعض الناشرين واستثمار حاجة المترجمين إلى المال، لحثّهم على «تلفيق» ترجماتهم بأسرع وقت ممكن. على أن نجاح الجنابي في تلافي جميع هذه الهنات، لا يعود فقط إلى نقله للقصائد عن لغتها الأم دون وسيط ثالث، بل لأن موهبته الشعرية، تمنحه مترجماً حساسية خاصة إزاء اللغة، وقدرة أكبر على سبر أغوارها وتخيّر صيغها الملائمة. حسناً فعل الجنابي، من جهة أخرى، أنه استبق القصائد المترجمة بمقدمة مسهبة تناول خلالها التحولات الدراماتيكية التي شهدها الشعر البولندي في الحقبة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية؛ حيث كان الشعراء يرزحون بمعظمهم تحت ضغوط الإملاءات الآيديولوجية، التي فرضتها أنظمة الحكم الشمولية على الأدب والفن، والتي أطلقت عليها في تلك الفترة تسمية «الواقعية الاشتراكية». إلا أن التحولات السياسية والاجتماعية ذات الطابع الإصلاحي، التي شهدتها البلاد منذ حقبة الخمسينات، وصولاً إلى الإضرابات النقابية والشعبية المتلاحقة التي سبقت انهيار الاتحاد السوفياتي، تركت بصماتها العميقة على الأدب والفن. ومن رحم تلك التغيرات بالذات، ولد شعراء «الموجة الجديدة» الذين رفضوا تسطيح الشعر وإلحاقه بالتبشير الآيديولوجي، داعين، وبينهم زاغايفسكي، إلى كتابة مغايرة تنتصر للحرية، وللإنسان كينونة فردية قائمة بذاتها، وتمجد اليومي والمحسوس والمهمل من شؤون العيش وشجونه.
وإذا كانت بولونيا في العقود الأخيرة قدّمت للشعر العالمي نماذج عالية تمت مكافأتها بجائزة نوبل للآداب، من طراز فيسوافا شيمبورسكا وغيتسواف ميوش، فإن شاعراً من وزن آدم زاغايفسكي لا يقل عن نظرائه الكبار، لما تتسم به تجربته من تنوع بانورامي في اختيار موضوعاته، ومن قدرة لافتة على المواءمة بين المحسوس والمجرد، كما بين سطوح الحياة وأعماقها. إلا أن صاحب «عالم غير معروض» الذي رفض في كتاباته الرضوخ لضغوط الآيديولوجيا وتعاليمها المعلبة، رفض بالعناد نفسه الوقوع في شرك التنقيط الجمالي والشكلانية الخالصة، داعياً إلى كتابة تتغذى من نسغ العالم الحقيقي، دون أن تكون انعكاساً آلياً لما يدور على أرض الواقع من أحداث. لذلك، فهو لا «يترفع» بشعره عن مقاربة الأوضاع الشائكة التي تعانيها بلاده؛ حيث الهوية ممزقة والسلطة عاجزة أو فاسدة، والناس مغلوبون على أمرهم، ولا يتوانى في قصيدته «إعلان» عن القول...
إذا كنت تعيش في دولة عاجزة
فيها عدد كبير من الخُطب
إذا كنت تعيش في بلادٍ
تحترق فيها الورود
وكل مرة تصير الشوارع أسرع
والمدينة تطأطئ رأسها
كعباد الشمس
والغابات تنمو بالإجماع
وقتئذٍ اكتبْ لي،
فأنا أجمع البطاقات البريدية...
ولا يفوت زاغايفسكي أن يشير في كثير من نصوصه إلى دور الشعر الهام في جعل الأرض مساحة كروية قابلة للسكنى، سواء من خلال قدرة اللغة على تجريد الواقع من بؤسه وفظاظته، أو من خلال التحليق عبر المخيلة فوق فساد العالم وتصدعاته وأنين كائناته. ففي قصيدة له عن ميوش، الذي تأثر به الشاعر أشد التأثر، يعلن زاغايفسكي أن «السيد» يحاول أن يقول في قصائده أكثر مما يمكن للشعر أن يقوله في العادة، لكننا إذ نحلق معه بعيداً في الأعالي، نكتشف بعد أن نضع دواوينه جانباً، أننا نعود مرة أخرى إلى سفوح العيش، وتعود المدينة إلى ديدنها المليء بالعوز والجوع والدموع والسعال وكثير من الشرور. لكن العلاقة مع الشعر لا تتخذ الوجهة نفسها بالنسبة للشاعر. فهو إذ يكرس لهذه العلاقة الشائكة كثيراً من قصائده، ويتبنى مقولة سيوران التي ترى الشعر بوصفه «ريحاً تهبّ من جهة الآلهة»، يعتبر في نصوص أخرى أن الحياة الحقيقية هي التي تقوم خارج الكلمات، وأن الشعر هو شأن من شؤون الموتى، كما في قوله...
يجب أن أقيم في العالم، في المدينة
الموتى وحدهم قادرون
على أن يكونوا في الشعر
يأتون إلى هنا
كعازفي كمان مساكين
بأصابع زرقاء من الصقيع
وينامون طويلاً على أسرة الأبيات
ثمة في كثير من قصائد زاغايفسكي ما يشي بهشاشة المكان وافتقاره إلى الصلابة، في حين يشيع من وراء السطور إحساس بالمنفى ولسعة الغياب والافتقار إلى الأمان. والأرجح أن المرارة التي تنضح من بعض النصوص تعود إلى خسارة الشاعر لمسقط رأسه، بعد أن تم سلْخ مدينته الأم «لفوف»، وضمها إلى أوكرانيا في بداية الحرب العالمية الثانية. صحيح أن إقامته اللاحقة في كراكوف القريبة من مدينته، وإحدى حواضر البلاد الثقافية والفكرية، قد خففت قليلاً من وطأة الشعور بالفقدان، ولكنها لم تفلح تماماً في إزالة شعوره المقابل بالهوية المبتورة، والانسلاخ المأساوي عن مواطئ ذاكرته وإلهامه. ومع ذلك فهو حين يعود كهلاً إلى رحاب الأماكن التي ولد في كنفها، يحس بأن مدينته تستقبله بفتور ملحوظ، وبأنه لن يتمكن من استعادة ذلك البريق الخاص الذي كان للأشياء، زمن انبثاقها الأول.
كما تحفل قصائد زاغايفسكي بكثير من الصور المميزة والمنتزعة من أرض محسوسة، بما يعكس إفادة الشاعر الواضحة من فني الرسم والسينما وسائر الفنون البصرية، من مثل قوله: «الوقت ككلب صيد ينام أمام البيت»، أو «الرسائل القديمة تتسلق أعلى الورقة \ مثل حلزون يتسلق جدار مستشفى الأمراض النفسية»، أو «القمر يُعدّ نفسه للتصوير \ وفي الأعالي طائرة صغيرة تلعب مثل الدلفين». ومع ذلك، فإن تلك الصور ليست متقصدة لذاتها، بل هي جزء لا يتجزأ من السياق الإجمالي للنص، ومن الرسالة الضمنية التي يريد لنا الشاعر فك شفرتها والوقوف على مراميها. ورغم أن زاغايفسكي، أخيراً، لم يكن يحبذ الأسلوب المباشر في تناوله للموضوعات التي تناولتها قصائده، وبخاصة السياسية منها، فإن ذلك لم يمنعه من بثّ رسائله إلى شعبه، كما إلى الإنسانية جمعاء. على أنه وهو يحاول في نصوصه المختلفة، اعتماد أسلوب السخرية المبطنة من المصائر التي يؤول إليها العالم، لا يستطيع بالمقابل أن يخفي نبرته الرثائية الحزينة للأفكار والتصورات، وصولاً إلى التاريخ الإنساني برمته، كما في قصيدة «ماركس العجوز»، التي يقول فيها:
أحاول تخيّل شتائه الأخير
لندن رطبة وباردة، قبلاتٌ ثلجية عَرَضية
فوق الشوارع الفارغة، أتخيل مياه التايمز السوداء
ليلاً في مكانٍ ما تنتحب القاطرات الضخام
وفي الحانة كان العمال يتكلمون بسرعة
حتى إنه لم يتمكن من فهمهم أبداً



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.